یظهر من بعض الأعلام الإحتیاط فی کونها محدوداً بما لا یوجب الضیق والضرّر، حیث قال فی بحث حیازة المعادن الظاهرة ما لفظه: «لیس له على الأحوط أن یحوز مقداراً یوجب الضیق والمضارّة على النّاس».
والانصاف أنّه کذلک، بل هو الأقوى، لعدم عموم فی الأدلّة الدالّة على حصول الملک بالحیازة، بعد کونها منصرفة إلى ما هو المتداول بین النّاس، بل إذا کان هناک أناس کثیرون محتاجین إلى شیء، وکان الموجود منه قلیلاً فی صقع کالحطب والحشیش المحتاج إلیهما لإیقاد النّار، فإذا وهب واحد وأخذ جمیعها ممّا لا یحتاج إلیه فعلاً، وادّخرها لنفسه للسنین المستقبلة، أو لا یحتاج إلیها فی المستقبل أیضاً وادّخرها لأمور أخر، مع حاجة النّاس إلیها عدّ ظالماً معتدیاً، وغاصباً لحقوق غیره، ومنع من هذا العمل أشدّ المنع، وقد خلق الله ما فی الأرض لحاجة العباد کلّهم، وهکذا بالنسبة إلى المیاه، والصید، والمعادن، والأرضون، الموات، وغیرها.
لا أقول إنّ کلّ إنسان یأخذ حاجته فقط، فانّ ذلک مخالف لإطلاق الفتاوى، والنصوص، والسیرة المستمرة فی جمیع الأعصار، بل أقول یأخذ ما هو المتعارف أخذه لحاجته، وللتوسعة، أو الإکتساب، أمّا ما زاد على ذلک ممّا لا یتداول من العقلاء فلا یجوز حیازته.
هذا کلّه مع قطع النظر عن الحکومة الشرعیّة الثابتة للإمام(علیه السلام)، أو من یقوم مقامه، وأمّا بالنظر إلیها فقد یجوز له تعیین مقدار ما یحوزه کلّ إنسان أو زمانه أو مکانها، أو غیر ذلک ممّا یراه مصلحة للمسلمین، وقواماً لأمورهم، وحافظاً لنظامهم، بحیث یختلّ بدونه نظم أمورهم، ولکن لیس له الإستبداد فی ذلک بغیر مراعاة المصالح، وحفظ النّظام.