فالتحقیق أنّ السّوق على قسمین: سوق عام، الذی هو وقف على جمیع المسلمین، لأنواع التّجارات والحرف، أو لنوع خاصّ منها، وکذا ما بنی من بیت المال، أو الزکاة، فیکون کالوقف أیضاً وسوق خاص الذی هو ملک لفرد أو أفراد معلومین.
أمّا الأوّل فهو من المشترکات، ومن سبق إلیه کان أحقّ به، ولکن لابدّ من رعایة شرائط الوقف، أو ما أشبهه، ولا یجوز التعدّی عن طورها، ولو لم یکن هناک شرائط خاصّة فاللاّزم الأخذ بما هو المتعارف فی العرف والعادة.
والظاهر أنّ السوق فی سابق الأیّام کان من القسم الأول، ولم یکن هناک دکاکین وحجرات، بل کان المتداول نشر البساط صباحاً، وجمعه مساءاً، فما ورد فی روایات السوق من أنّ من سبق إلیه کان أحقّ به إلى اللیل، ناظر إلى هذا المعنى(1)، کما أنّ ما
ورد من أنّ أمیر المؤمنین(علیه السلام) هدم دوراً بنیت فی مکان الأسواق(2) ناظر أیضاً إلیه، فلا تشمل الأسواق التی هی ملک خاص لفرد أو أفراد، لأنّ العادة تغیّرت فی عصرنا، وقلّما ما یوجد سوق یکون بتلک المکانة، ولذا تباع دکاکین السوق وتشترى، وتستأجر، وتوهب، وتورّث، ولا مانع من شیء من ذلک، ولا ینافی ما مرّ من الروایات الناظرة إلى غیرها کما عرفت.
وما حکاه العلاّمة(رحمه الله) فی «التذکرة» عن الجوینی من العامّة فیمن جلس للبیع أو الشراء فی الطریق فی المواضع المتسعة کالرحاب، یجرى فی الأسواق العامّة، فقد حکى عنه: أنّه إن مضى زمان ینقطع فیه الذین ألفوا المعاملة معه، ویستفتحون المعاملة مع غیره، بطل حقّه، وإن کان دونه لم یبطل، لأنّ الغرض من تعیین الموضع أن یعرف فیعامل ـ انتهى موضع الحاجة ـ.
وما ذکره هو مبنى استقرار العرف والعادة الذی هو موضوع حکم الشرع هنا، فلیس مبنیّاً على الإستحسان ونحوه کما توهمه فی «الجواهر».
وهناک أسواق اُسبوعیّة، أو شهریّة، أو سنویّة، تقام فی أماکن معلومة، وأسواق خاصّة تقام فی الموسم فی مکة والمدینة، وفی جمیع ذلک إذا کانت من الأسواق العامّة، فحقّ السّبق فیها ثابت، وفی مقدار بقاء هذا الحقّ من حیث الزمان یُتّبع عرف الزمان والمکان.
والحاصل أنّه لا یمکن الحکم على جمیع أنواع السّوق بحکم واحد، ولا تجری فی جمیعها أحکام السّبق، بل المدار على التفصیل الذی ذکرناه، والمعیار فی الجمیع هو الأخذ بعمومات السّبق مع قیود قد عرفتها.
1. نقلناه تحت الرقم 1 من أحادیث القاعدة.
2. نقلناه تحت الرقم 5 من أحادیث القاعدة.
