وممّا یدلّ على قاعدة الجبّ أو یؤکدها تأکیداً تاماً ما أسلفناه عند الکلام فی السنّة وأنّها بشکل آخر دارجة بین العقلاء وأهل العرف، ولعلّ الشارع أمضاها، وهو أنّ القوانین عندهم لا تعطف على ما سبق، ومراده ممن ذلک أنّ القوانین المجعولة عندهم لا تشمل المصادیق التی کانت سابقة على جعلها، لا سیّما إذا کان من العقوبات، والداخل فی دین جدید فی الواقع یکون کمن سبق قانوناً، فلا یشمله ذلک.
وحکمة هذا الأصل بینهم أنّ شمول القوانین لما سبق من المصادیق کثیراً ما یوجب الهرج والمرج واختلال النظام، ومفاسد أخرى لا تخفى على أحد.
وهذا لو لم یعدّ دلیلاً على القاعدة، ولکن یمکن أن یکون سبباً لانصراف العمومات والاطلاقات الواردة فی العقوبات وشبهها ممّا صدر فی حال الکفر.
أضف إلى ذلک لزوم العسر والحرج الشدید من عدم جبّ الإسلام عمّا قبله، وهذا وان لم یکن دلیلاً عاماً شاملاً لجمیع مصادیقه، ولکن یشمل کثیراً منها، وکیف لا یجبّ الإسلام عمّا قبله وقد قال الله تعالى: (هُوَ اجْتَبَاکُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَج...)(1).: «بعثت إلى الشریعة السمحة السهلة»(2)، وأیّ حرج أعظم من أن یؤخذ بعد إسلامه بما فعله فی حال الکفر؟ وأیّ سهولة وسماحة فی دین یؤاخذ من دخل فیه بما صدر منه قبل ذلک ولو بسنین کثیرة؟
وقوله(صلى الله علیه وآله)
نعم هذا الدلیل کما قلنا لا یجری فی جمیع موارد قاعدة الجبّ، ولکن الکثیر من مصادیقها داخل فیه، فهو مؤیّد لما سبق أیضاً.