من أهل الشرع، بل من العقلاء أجمع، فإنّه لا یشکّ أحد فی بنائهم على کون السابق إلى شیء من المباحات أحقّ من غیره، سواء کان من المباحات الأصلیّة، أومن المنافع العامّة، کالإنتفاع بالمساجد، والبراری، والمفاوز، والجبال، والمیاه، إذا لم یقصد ملکیّتها، بل أراد الإنتفاع بها، فلا یشکّ أحد فی کون السابق أحقّ، وإذا زاحمه غیره یعدّ ظلماً وتعدیاً قبیحاً.
بل المعلوم استقرار سیرتهم على هذا الأمر حتى قبل ورود الشرع.
وممّا یؤیّد کونها قاعدة عقلائیة قبل أن تکون شرعیّة أنّها مشهورة معروفة بین من لا یعتقد بشیء من المذاهب، ولم یقبل أی قانون دینی إلهی، فهو أیضاً یرى السبق إلى شیء من المباحات أو المنافع العامّة، من الطرق، والقناطر، والخانات، وغیرها، موجباً لاستحقاق صاحبه، وعدم جواز مزاحمته، ولکن لها حدود وقیود عندهم ستأتی الإشارة إلیها إن شاء الله.
ومن هنا یظهر أنّ «إجماع الفقهاء على ذلک قدیماً وحدیثاً» لا یکشف عن تعبّد خاصّ فی المسألة وصل إلیهم ولم یصل إلینا، بل هو إمّا مستند إلى ما عرفت من روایات الباب العامّة والخاصّة، أو إلى بناء العقلاء الذی أمضاه الشرع، فإنّه لم یزل بمسمعه ومنظره، بل قد عرفت أنّ هذا البناء منهم کان قبل ورود الشرع أیضاً.