ذکر «فی العناوین»: «أنّ هذه القاعدة محتملة لأمرین لیس بینهما منع جمع:
أحدهما: أنّ العقد تابع للقصد، بمعنى أنّه لا یتحقق إلاّ بالقصد، کما ذکره الفقهاء فی شرائط العقود، مع الشرائط الآخر، بمعنى أنّه لا عبرة بعقد الغافل، والنائم، والناسی، والغالط، والهازل، والسکران، فیکون معنى التبعیّة عدم تحققه بدونه إذ لا وجود للتابع بدون متبوعه.
ثانیهما: أنّ العقد تابع للقصد بمعنى أنّ العقد یحتاج إلى موجب وقابل، وعوض ومعوض، وبعد حصول هذه الأرکان لکل عقد أثر خاص» (إنتهى).
ولکنّ الظاهر أنّ المراد من هذه القاعدة معنى ثالث، وحاصله أنّه بعد الفراغ عن لزوم القصد فی العقود بما ذکر فی محله من الدلیل، أنّ ما یتحقق فی الخارج من حیث نوع العقد وکمّه، وکیفه، وشرائطه، وغیر ذلک من خصوصیاته، تابع للقصد، فلو قصد النکاح وقع نکاحاً، ولو قصد العاریة وقعت عاریة، ولو قصد هبة کانت هبة، کما أنّه لو قصد على أمرأة معیّنة بصداق معین وأجل وشروط وغیر ذلک، فکلّ هذه الأمور تابعة لقصد الموجب والقابل، فهذا هو المراد بتبعیّة العقود للقصود، وأمّا مسألة اعتبار القصد فی مقابل الهازل، والغالط وغیرهما فهو أمر آخر.
وبعبارة أخرى، أنّ حاجة العقد فی تحققه إلى القصد أمر، وتبعیته فی أصوله وفروعه للقصد أمر آخر، کما یعرف بمراجعة کلام الأصحاب عند الاستدلال بهذه القاعدة، وقد تنبه له صاحب العناوین وغیره أیضاً فی سائر کلماتهم فی المقام.
ومن هنا یعلم أنّه لا یتفاوت فیه بین البیع، والنکاح، والعقود اللازمة، والجائزة، بل الإیقاعات أیضاً کذلک، فلو طلّق أمرأة خاصّة أو أوقف شیئاً (بناء على کون الوقف من الإیقاعات) کان تابعاً لقصد الموقع من جهة خصوصیاتها.
بل الظاهر أنّ هذه القاعدة لها مفهوم ومنطوق، فکلّ ما قصده یقع، وکلّ ما لم یقصده فهو غیر واقع، ومن هنا اشتهر بینهم فی موارد الحکم بابطال عقد لم یتحقق مضمونه، بل تحقق غیره بدعوى الخصم، «أنّ ما قصد لم یقع، وما وقع لم یقصد»، فهذه القضیة صحیحة من الجانبین، فمقتضى القاعدة أنّ ما یقصده المتعاقدان یقع فی الخارج کما أنّ مقتضى القاعدة أنّه لا یقع ما لم یقصداه، فلو ادّعى مدّع خلافهما کان محجوباً بالقاعدة.