الثّانی: قد یستدلّ للجواز بالسیرة القطعیة على بیع المصاحف، ولکن إثباته متّصلا إلى زمن المعصومین(علیهم السلام) مشکل جدّاً، اللهمّ إلاّ أن یتمسّک بالروایات السابقة، فتعود إلى التمسّک بالسنّة لا بالسیرة.

الثّالث: إذا إشتمل کتاب على آیات من القرآن الکریم، وقلنا بحرمة بیع المصحف، فالظاهر جواز بیعه، قلّ أو کثر، ما لم یصدق علیه المصحف، فانّ التعبیر بالمصاحف فی غیر واحد منها (1 و2 و6 و7/31) أو کتاب الله فی غیرها (2/31) ظاهر فیما ذکرنا، وأمّا قوله: «لا تشتر کلام الله» فی بعضها (3/31)(1) الصادق على الآیة والآیات، فالظاهر أنّ المراد به المصحف بقرینة ما فی ذیله من شراء الحدید والجلود.

وقد یستدلّ أیضاً بروایة سماعة (11/31) وما فیه من النهی قوله: «إیّاک أن تشتری منه الورق وفیه القرآن مکتوب، فیکون حراماً علیک وعلى من باعه» نظراً إلى أنّ النهی عن شراء الورق شامل لکلّ ورق کتب فیه القرآن(2).

وفیه ما لا یخفى على من راجع صدر الحدیث، فانّ الکلام یدور مدار بیع المصاحف، والنهی عن شراء الورق مقابل لقوله: إشتر منه الدفتین والحدید والغلاف. فراجع.

هذا وقد یستدلّ بالسیرة القطعیة على بیع هذه الکتب وشرائها ولم یستشکل فیه فقیه بل متفقّه، ولکن إتّصالها إلى زمنهم(علیهم السلام) أیضاً غیر ثابت، بل قد یفهم منها جواز بیع بعض القرآن ولو کان مجرّداً عن هذه الکتب لعدم الفرق بینهما، بل قد یستدلّ به على جواز بیع الکلّ بسبب هذه السیرة، فانّ دلیل المنع لم یفرّق بینهم(3).

ولکن فیه أیضاً ما لا یخفى، لأنّ السیرة دلیل لبّی لا عموم فیها، والغاء الخصوصیة منها أیضاً ممنوع، والعمدة ما ذکرنا من أنّ الحرمة على القول بها تتعلّق على عنوان المصحف، فلا تشمل غیره حتّى کتب التفسیر المشتملة على جمیع القرآن الکریم (فتدبّر جیّداً).

الرّابع: لا مانع من إنتقال المصحف بالإرث أو الهبة أو الوقف الخاص أو شبهها إلى غیر صاحبه، لعدم الدلیل على المنع فی غیر البیع والمعاوضات.

1. هذه الروایات أوردناها بلفظها فی أوّل هذا المبحث. جواهر الکلام، ج 22، ص 338.
2. مصباح الفقاهة، ج 1، ص 489.
3. المصدر السابق.