ومن ناحیة اُخرى یقسّمون الفقه إلى ثلاثة أقسام:
«العبادات»، و «المعاملات بالمعنى الأعمّ»، و «السیاسات».
فالاُولى: تعرّف بما تعتبر فیها قصد القربة، والغرض منها العبودیة والتقرّب إلى الله تعالى شأنه.
والثّانیة: ما یتعلّق بحقوق الناس فی المجتمع والاُسرة.
الثّالثة: ما یتعلّق بأمر الحکومة ووظائفها، ویدخل فی هذا القسم الحدود والدیّات والقضاء والجهاد وأمثال ذلک.
والمعاملات بنفسها تنقسم إلى أقسام کثیرة لا حاصر لها عقلا، فالحقوق الفردیة والإجتماعیة وما یتعلّق بنظام الاُسرة کثیرة لا تندرج تحت حاصر، بل قد یتجدّد بعض الحقوق وما یرتبط بها بمرور الزمان وإختلاف الأعصار.
وذکر المحقّق(رحمه الله) فی «الشرائع» وکذا المحقّق العاملی(رحمه الله) فی «مفتاح الکرامة» للفقه أقساماً أربعة:
العبادات (فی عشرة کتب) والعقود (فی خمسة عشرة) والإیقاعات (فی إحدى عشرة) والأحکام (فی إثنتی عشرة) فالمجموع ثمانیة وأربعین کتاباً.
ومن المعلوم أنّ المعاملات بالمعنى الأخصّ لیست ممّا أسّسها الشارع المقدّس، کما أنّ سائر المعاملات الداخلة فی المعنى الأعمّ وما فیها من الحقوق کذلک، وهکذا کثیر من السیاسات.
نعم، العبادات ممّا أسّسها الشارع المقدّس، وأمّا فی غیرها فحکمه یرجع إلى التهذیب والهدایة والإصلاح ونفی الضارّ وتأیید النافع، وبالجملة عمل الشارع فیها هو الحذف تارةً، والتوسعة اُخرى.
ففی مثال نظام الإرث قد ینفی الإسلام شیئاً منه کنفی ارث العصبة، وقد یثبت شیئاً. کإرث الإمام(علیه السلام) (لو لم نقل بأنّ إرث من لا وارث له من ناحیة الحکومة کان ساریاً قبل الإسلام).
وکون موقف الشارع المقدّس فی المعاملات موقفاً إمضائیاً، وموقف حذف وإصلاح، هو الحجر الأساس لهذا البحث، والمفتاح لحلّ کثیر من مشاکله، فکلّما کان رائجاً بین العقلاء وأهل العرف ولم ینه عنه الشارع أمضاه بسکوته وتقریره.
وإن شئت قلت: إنّ الشارع أمر فی أبواب العبادات بالتوقف حتّى یأتی منه البیان; عموماً وخصوصاً.
وأمّا فی المعاملات بالمعنى الأخصّ والأعمّ، فکان الناس یستمرّون على ما هم علیه إلاّ أن یمنعهم الشرع.
والظاهر أنّ کثرة الأسئلة والرّوایات فی مباحث العبادات وقلّتها فی أبواب المعاملات نشأت من هذا الموقف.