والظاهر أنّ محلّ الکلام فی غیر الواجب منه، فقد تجب قراءة القرآن فی موارد کثیرة، منها:
1 ـ لقراءة الصلاة فی الأوّلیین تعیّناً وفی غیره تخییراً.
2 ـ لتعلّم العقائد والأحکام إذا توقّف علیها.
3 ـ مقدّمة لإجتهاد المجتهد فی أحکام الدین.
4 ـ لحفظه عن إندراسه وبقائه مرّ الدهور وحفظ المعجز وتواتره، فإذا کان واجباً عینیاً کان الأمر ظاهر، وإذا کان واجباً کفائیاً فعلى المختار من حرمة أخذ الاُجرة على الواجبات مطلقاً حتّى الکفائیة منها أیضاً ظاهر، إذا عرفت ذلک فاعلم أنّه قد إستدلّ للمشهور ـ وهو الکراهة وعدم الحرمة ـ باُمور:
الأوّل: الأصل، وهی الإباحة.
الثانی: الإجماع المدّعى المنجبر بالشهرة کما فی المفتاح، فتأمّل.
الثالث: جواز جعله مهراً بالإجماع.
الرابع: وهو العمدة الروایات الدالّة على المقصود منها:
1 ـ ما رواه الفضل بن أبی قرّة قال: قلت لأبی عبدالله(علیه السلام): هؤلاء یقولون إنّ کسب المعلّم سحت، فقال: «کذبوا أعداء الله إنّما أرادوا أن لا یعلّموا أولادهم القرآن لو أنّ المعلّم
أعطاه رجل دیّة ولده لکان للمعلّم مباحاً»(1). رواه المحمّدون الثلاث فی کتبهم.
2 ـ ما رواه الجرّاح المدائنی قال: نهى أبو عبدالله(علیه السلام) عن أجر القارىء الذی لا یقرأ إلاّ بأجر مشروط(2).
3 ـ وما رواه محمّد بن علی بن الحسین قال: «نهى رسول الله عن اُجرة القارىء الذى لا یقرأ إلاّ على أجر مشروط»(3).
بناءاً على انّ مفهوم الأخیرین الجواز بدون الشرط، ولکن الظاهر انّهما أجنبیان عمّا نحن بصدده، لأنّهما بصدد بیان حکم القراءة لا فی التعلیم، ولا وجه للقیاس أو دعوى الغاء الخصوصیة.
فالعمدة هی الروایة الاُولى المنجبر ضعفها بالشهرة، والظاهر کفایتها فی إثبات المطلوب.
ویستدلّ على الحرمة بما رواه الصدوق(رحمه الله) مرسلا.
محمّد بن علی بن الحسین قال: وقال علی(علیه السلام): «من أخذ على تعلیم القرآن أجراً کان حظّه یوم القیامة»(4).
ولا یخفى ضعفه بالإرسال لا سیّما فی مقابل ما عرفت، والظاهر أنّه هو مستند المشهور للحکم بالکراهة، جمعاً بین الأخبار، بل لا دلالة فیها على الحرمة کما لا یخفى.
وأمّا روایة الأعشى(5) وخبر الجرّاح المدائنی، فحالهما ظاهر لعدم دلالتهما على مسألة التعلیم، بل واردتان فی نفس قراءة القرآن.
فتلخّص من جمیع ما ذکرنا أنّه یجوز أخذ الاُجرة على تعلیم القرآن، ولا کراهة فیه ما عدا ما یجب تعلیمه وتعلّمه شرعاً لحفظ القرآن عن الإندراس، أو لقراءته فی الصلاة، أو کشف أحکام الشرع وغیره.