فلا إشکال ولا کلام فی حرمته تکلیفاً ووضعاً، بل ادّعى علیها الضرورة، ولا یبعد ذلک، لأنّ کلّ من عاشر المسلمین برهة قصیرة من الزمان یعرف حرمته عندهم، وان کانت الضرورة بنفسها لا أثر لها إلاّ أن یرجع إنکارها إلى إنکار النبی(صلى الله علیه وآله وسلم)، وهو یجری فی المعلومات غیر الضروریة أیضاً کما لا یخفى، والظاهر أنّ إطلاق کلامهم یشمل الحرمة الوضعیة والتکلیفیة معاً، ویدلّ علیه مضافاً إلى ما عرفت کتاب الله والسنّة المتواترة:

أمّا الأوّل: فقوله تعالى: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالاَْنصَابُ وَالاَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا یُرِیدُ الشَّیْطَانُ أَنْ یُوقِعَ بَیْنَکُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ وَیَصُدَّکُمْ عَنْ ذِکْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ * وَأَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّیْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِینُ)(1).

وقوله تعالى: (یَسْأَلُونَکَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ قُلْ فِیهِمَا إِثْمٌ کَبِیرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَکْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا...)(2).

ومن الجدیر بالذکر أنّ الآیات الثلاث الاُولى مؤکّدة بإثنی عشرة تأکیدات:

1 ـ الخطاب إلى المؤمنین 2 ـ کونها رجساً 3 ـ کونها من عمل الشیطان  4ـ الأمر بالإجتناب 5 ـ کون الغایة الفلاح 6 ـ إرادة الشیطان إیقاع العداوة والبغضاء فی الخمر والمیسر 7 ـ البعد عن ذکر الله 8 ـ البعد عن الصلاة 9 ـ قوله تعالى فهل أنتم منتهون 10 ـ وأطیعوا الله وأطیعوا الرسول 11 ـ الأمر بالحذر  12ـ التهدید بقوله: فان تولّیتم.

وعدم التشدید فی آیة البقرة لمراعاة تدریجیة الحکم مع أنّه أیضاً دالّ على المطلوب، بل وقوله تعالى (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تَأْکُلُوا أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَکُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاض مِّنْکُمْ)(3).

فانّ القمار من أوضح مصادیق أکل المال بالباطل.

وأمّا الثّانی هو «السنّة» فقد إستدلّ له بروایات کثیرة، أوردها فی الوسائل فی الباب 35 من أبواب ما یکتسب به، ولکن الإنصاف أنّه لا یدلّ شیء من روایاتها الأربعة عشر على المطلوب إلاّ حدیث واحد على إشکال فیه، وهو ما رواه محمّد بن مسلم عن أحدهم(علیهما السلام)قال: لا تصلح المقامرة ولا النهبة(4).

والمراد من «النهبة» على الظاهر ما کانوا ینهبون کلّ من الآخر فیما ینثر فی الأعراس وشبهها وهو دون شأن الإنسان الکریم، بل قد یکون حراماً إذا حازه غیره.

ولکن تعبیره بـ «لا تصلح» لعلّه غیر کاف.

وأمّا غیر هذه الروایة، فکلّها ناظرة إلى الحرمة الوضعیة وکون التکسّب بالقمار حراماً من هذه الجهة، أمّا الحرمة التکلیفیة فلا یستفاد منها.

نعم هناک روایات کثیرة دالّة على حرمة اللعب بالشطرنج ونحوه مثل:

1 ـ ما رواه زید الشحّام قال سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن قول الله عزّوجلّ: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الاَْوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) قال: «الرجس من الأوثان: الشطرنج، وقول الزور: الغناء»(5).

2 ـ ما رواه ابن أبی عمیر عن بعض أصحابه عن أبی عبدالله(علیه السلام) مثله(6).

3 ـ وما رواه مسعدة بن زیاد عن أبی عبدالله(علیه السلام) أنّه سئل عن الشطرنج قال: «دعوا المجوسیة لأهلها لعنها الله»(7).

4 ـ وما رواه السکونی عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «نهى رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم) عن اللعب بالشطرنج والنرد»(8).

5 ـ وما رواه أبو الربیع الشامی عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: سئل عن الشطرنج والنرد فقال: «لا تقربوهما ...»(9).

وکذا ما دلّ على حرمة الحضور فی مجلس القمار مثل:

6 ـ ما رواه حمّاد بن عیسى قال: دخل رجل من البصریین على أبی الحسن الأوّل(علیه السلام)فقال له: جعلت فداک إنّی أقعد مع قوم یلعبون بالشطرنج ولست ألعب بها، ولکن أنظر، فقال: «مالک ولمجلس لا ینظر الله إلى أهله»(10).

7 ـ وما رواه سلیمان الجعفری عن أبی الحسن الرضا (علیه السلام) قال: المطّلع فى الشطرنج کالمطّلع فى النار»(11).

8 ـ وما رواه أبو بصیر عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «بیع الشطرنج حرام وأکل ثمنه سحت وإتّخاذها کفر.

واللعب بها شرک، والسلام على اللاهى بها معصیة وکبیرة موبقة، والخائض فیها یده کالخائض یده فى لحم الخنزیر لا صلاه له حتّى یغسل یده کما یغسلها من مسّ لحم الخنزیر والناظر إلیها کالناظر فى فرج اُمّه! واللاهى بها والناظر إلیها فى حال ما یلهى بها والسلام على اللاهى بها فى حالته تلک فى الإثم سواء، ومن جلس على اللعب بها فقد تبوّء مقعده من النار وکان عیشه ذلک حسرة علیه فى القیامة، وإیّاک ومجالسة اللاهى والمغرور بلعبها، فانّها من المجالس التى باء أهلها بسخط من الله یتوقّعونه فى کلّ ساعة فیعمّک معهم»(12).

وکذا الروایات الکثیرة الواردة فی تحریم اللعب بالشطرنج والنرد وغیرهما لا سیّما هذین الحدیثین:

9 ـ ما رواه معمّر بن خلاّد عن أبی الحسن(علیه السلام) قال: «النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة وکلّ ما قومر علیه فهو میسّر»(13).

10 ـ ما رواه محمّد بن عیسى قال: کتب إبراهیم بن عنبسة یعنی إلى علی بن محمّد(علیه السلام)إذ رأى سیّدی ومولای أن یخبرنی عن قول الله عزّوجلّ (یَسْأَلُونَکَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ)

الآیة فما المیسر جعلت فداک؟ فکتب: «کلّ ما قومر به فهو المیسر وکلّ مسکر حرام»(14).

11 ـ وما ورد فی عیون الأخبار عن الرض(علیه السلام) فی کتابه إلى المأمون فی شرائع الدین فقد عدّ القمار فیها من الکبائر(15).

12 ـ وما ورد فی حدیث شرائع الدین عن الصادق(علیه السلام): «والکبائر محرّمة وهى الشرک بالله ... والمیسر»(16).

13 ـ وما ورد فی ذکر مفاسد آخر الزمان، وهو حدیث طویل یشتمل على اُمور کثیرة، وفیها ملاحم أو ما یشبه الملاحم، وفیها «ورأیت القمار قد ظهر»(17).

14 ـ وما دلّ على أنّه من الذنوب التی تهتک العصم(18).

وبالجملة الروایات فیه مستفیضة أو متواترة، والمتیقّن منها ما کان مع المراهنة.

1. سورة المائدة، الآیة 90 ـ 92.
2. سورة البقرة، الآیة 219.
3. سورة النساء، الآیة 29.
4. وسائل الشیعة، ج 12، ص 120، الباب 35، من أبواب ما یکتسب به، ح 5.
5. وسائل الشیعة، ج 12، ص 237، الباب 102، من أبواب ما یکتسب به، ح 1.
6. المصدر السابق، ح 3.
7. المصدر السابق، ص 238، ح 7.
8. المصدر السابق، ح 9.
9. المصدر السابق، ص 239، ح 10.
10. وسائل الشیعة، ج 12، ص 240، الباب 103، من أبواب ما یکتسب به، ح 1.
11. المصدر السابق، ص 241، ح 2.
12. المصدر السابق، ح 4.
13. المصدر السابق، ص 242، الباب 104، من أبواب ما یکتسب به، ح 1.
14. وسائل الشیعه، ج 12، ص 243، الباب 104، من أبواب ما یکتسب به، ح 11.
15. المصدر السابق، ج 11، ص 260، الباب 46، من أبواب جهاد النفس، ح 33.
16. المصدر السابق، ص 262، ح 36.
17. وسائل الشیعة، ج 11، ص 516، الباب 41 من أبواب الأمر بالمعروف، ح 6.
18. المصدر السابق، ص 520، ح 8.