ذکر شیخنا الأعظم(قدس سره) فی أوّل کلامه فی المقام خروجه عن حکم الکذب، ولکن مال فی آخر کلامه إلى حرمته(1).
وفصل بعض الأساتذة بین ما إذا أخبر بوقوع شیء هزلا، کأن یخبر بقدوم مسافر لیتهیّأ له السامع، فیضحک مثلا، ونفى الشبهة عن کونه حراماً، واُخرى ینشأ بعض المعانی بداعی الهزل من دون قصد الحکایة عن واقع لیکون إخباراً، کما إذا أطلق «البطل» على فرد جبان أو العالم على الجاهل وقصد به الهزل، وذکر أنّه لا دلیل على حرمته مع نصب القرینة(2).
وفصل آخر بین المحفوف بقرینة مقالیة أو حالیة، کما إذا أعدّ المجلس للهزل، وما إذا لم یکن کذلک، مدّعیاً إنصراف الأدلّة عنه، بل لم یکتف بذلک حتّى ادّعى عدم حرمته إذا لم یفد المخاطب شیئاً، ولم یکن فیه اغراء، کما إذا أخبر ببرودة النّار وحرارة الماء!
أقول: الإنصاف أنّه لا محصّل للتفصیل بین کونه اخباراً وإنشاءاً، لأنّ جمیع ما ذکر من قبیل الإخبار قطعاً، والبطولة والعلم وأشباههما لیست من الاُمور الإنشائیة التی تحصل بمجرّد الإنشاء، وکذا تطبیق هذه الأوصاف على بعض الموارد.
هذا مضافاً إلى ما سیأتی من إحتمال جریان الصدق والکذب فی بعض الإنشائیات أیضاً، فانتظر.
کما أنّ دعوى الإنصراف فی أدلّة الکذب ممنوعة، ولیت شعری ما الفرق بین الکذب وسائر المحرّمات؟ فانّ لها أیضاً مصادیق قلیلة الفساد أو خالیة عن الفساد ظاهراً کمن شرب قطرة من الخمر، أو غصب حبّةً من حنطة أو وطأ خطوة أرض الغیر بغیر رضاه، فهل تعدّ هذه ذنوباً صغاراً؟ وهل یلاحظ الفرق بین المصادیق؟ وهل فصّل فیها أحد؟
وهکذا الفرق بین ما لا یفید السامع شیئاً وغیره.
وبالجملة لا تدور المحرّمات مدار المفاسد الفردیة، بل النوعیة، فإذا شمل عنوانها لمصداق جرى علیه حکمه.
بل یمکن الإستدلال على العموم بروایات خاصّة:
1 ـ منها روایة سیف بن عمیرة الآنفة الذکر (1/140) وفیها بیان کون المفسدة نوعیة.
2 ـ منها ما رواه الأصبغ بن نباتة عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) أنّه قال: «لا یجد عبد طعم الإیمان حتّى یترک الکذب هزله وجدّه» (2/140) وحمله على الإستحباب کما ذکره فی المصباح کما ترى.
3 ـ ومنها ما رواه أبو ذرّ عن النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) أنّه قال: «... ویل للذى یحدث فیکذب لیضحک به القوم» (4/140).
ورمیها بضعف السند مشکل بعد کونها متظافرة.
نعم، إذا قامت القرائن الحالیة أو المقالیة على إرادة المجاز أو الکنایة من اللفظ، ولو لکونه فی مقام الهزل، خرج من عنوان الکذب لوجود القرینة کما هو ظاهر، فالأحوط لو لم یکن أقوى وجوب الإجتناب عن الجمیع، إلاّ فی موارد قیام القرینة ممّا لا یسمّى کذباً.
1. المکاسب المحرّمة، ص 50.
2. مصباح الفقاهة، ج 1، ص 389.
