فقد حکی إجماع الفریقین على إستثنائه عن حکم حرمة الغیبة، ویدلّ علیه مضافاً إلى ذلک روایات کثیرة تنقسم إلى طائفتین:

الطائفة الاُولى:

1 ـ ما رواه أبو البختری عن جعفر بن محمّد عن أبیه قال: «ثلاثة لیس لهم حرمة، صاحب هوى مبتدع، والإمام الجائر، والفاسق المعلن بالفسق»(1).

2 ـ وما رواه هارون بن الجهم عن الصادق جعفر بن محمّد(علیهما السلام) قال: «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غیبة»(2).

3 ـ ما رواه القطب الراوندی فی لبّ اللباب عن النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) أنّه قال: «لا غیبة لثلاثة: سلطان جائر، وفاسق معلن، وصاحب بدعة»(3).

4 ـ وما رواه موسى بن إسماعیل عن أبیه (عن) موسى بن جعفر عن آبائه(علیهم السلام)قال: قال رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم): «أربعة لیس غیبتهم غیبة: الفاسق المعلن بفسقه، والإمام الکذّاب إن أحسنت لم یشکر وإن أسأت لم یغفر، والمتفکّهون بالاُمّهات، والخارج من الجماعة الطاعن على اُمّتى الشاهر علیها سیفه»(4).

5 ـ ما رواه الشیخ المفید فی الإختصاص عن الرض(علیه السلام) قال: «من ألقى جلباب الحیاء فلا غیبة له»(5).

هذه الروایات تدلّ على عدم الحرمه للمتجاهر، ولازم نفی الحرمة جواز الغیبة مع التصریح بذلک فی بعضها.

الطّائفة الثّانیة: ما دلّ على إعتبار الستر فی مفهوم الغیبة، فإذا لم یکن هناک عیب مستور، خرج عن موضوعها لا عن حکمها، مثل:

1 ـ داود بن سرحان قال سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن الغیبة، قال: «هو أن تقول لأخیک فى دینه ما لم یفعل، وتبثّ علیه أمر قد ستره الله علیه لم یقم علیه فیه حدّ»(6).

2 ـ وما رواه عبدالرحمن بن سیّابة قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) یقول: «الغیبة أن تقول فى أخیک ما ستره الله علیه ...»(7).

3 ـ ما رواه یحیى الأرزق قال: قال لی أبو الحسن(علیه السلام): «من ذکر رجلا من خلفه بما هو فیه ممّا عرفه الناس لم یغتبه، ومن ذکره من خلفه بما هو فیه ممّا لا یعرفه الناس إغتابه...»(8).

4 ـ ما رواه عبدالله بن سنان قال أبو عبدالله(علیه السلام): «الغیبة أن تقول فى أخیک ما قد ستره الله علیه ...»(9).

5 ـ ما رواه عبدالرحمن بن سیّابة عن الصادق جعفر بن محمّد قال: «إنّ من الغیبة أن تقول فى أخیک ما ستره الله علیه ...»(10).

وأکثرها أو کلّها وان کانت ضعافاً ولکن کثرتها جابرة لضعفها.

فکلا الطائفتین دلیلان على جوازها فی حقّ المتجاهر، لکن الأولى من قبیل الإستثناء من الحکم، والثانیة تدلّ على الخروج عن الموضوع.

وهناک بعض ما دلّ على وجوب الغیبة لمن أعرض عن جماعة المسلمین:

منها: ما رواه ابن أبی یعفور ... قال رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم): لا غیبة إلاّ لمن صلّى فی بیته ورغب عن جماعتنا، ومن رغب عن جماعة المسلمین وجب على المسلمین غیبته، وسقطت بینهم عدالته، ووجب هجرانه، وإذا رفع إلى إمام المسلمین أنذره وحذّره، فان حضر جماعة المسلمین وإلاّ اُحرق علیه بیته، ومن لزم جماعتهم حرمت علیهم غیبته وثبتت عدالته بینهم(11).

ولعلّه من باب لزوم النهی عن المنکر، وکان الإعراض عن الجماعة إعراضاً عن الإسلام أو الحکومة الإسلامیة فی الحقیقة، أو مقدّمة له، وأمروا بالنهی عنه.

والحاصل، أنّه لا إشکال فی جواز غیبة المتجاهر، إمّا لعدم دخوله تحت عنوان الغیبة کما هو الأقوى، أو خروجه عنها حکماً على إحتمال.

إنّما الکلام فی المراد من «المتجاهر»، وهل أنّ جواز غیبته یختصّ بما تجاهر فیه، أو أعمّ؟

أمّا الأوّل: فالمتجاهر هو الذی یتجاهر بالمعصیة مع علمه بها موضوعاً وحکماً، بأن یعلم أنّ هذا المایع فقاع، وأنّ الفقاع حرام، ولو إشتبه علیه أحدهما لم یکن متجاهراً، وبالجملة المدار على الحرمة الفعلیة فی حقّه لا على الحرمة الواقعیة وان کان معذوراً فیها، فکلّ من یفعل فعلا ویعتذر فیه بعذر یحتمل فی حقّه لابدّ من حمل فعله على الصحّة، ولا یکون متجاهراً إلاّ أن یعلم بکذبه فی دعوى العذر.

أمّا الثّانی: فهل جواز غیبته یختصّ بما تجاهر فیه، فلو کان متجاهراً بمعونة الظلمة لا یجوز غیبته بشرب الخمور وغیرها، وأولى منه ما إذا کان متجاهراً بصغیرة فهل یجوز غیبته بکبیرة، قد یقال بالأعمّ، وإستظهره فی الحدائق من بعض أحادیث الباب.

ولکن إستظهر خلافه من کلام جملة من الأصحاب، إلاّ أنّه قال: الأحوط الإقتصار على ما ذکروه(12).

وفی الحقیقة دلیله إطلاق الروایتین: 4 و5/154 وقد مرّتا علیک، وکذا إطلاق ما رواه فی المستدرک الذی مرّ علیک أیضاً، ولکن الإنصاف أنّ مناسبة الحکم والموضوع مانعة عن إطلاقها، أو یکون المراد من الفاسق الفاسق فی جمیع أفعاله أو أکثره، بل لا یبعد أن یکون هذا هو المراد ممّن «ألقى جلباب الحیاء» وعلى کلّ حال الأخذ بالعموم مشکل جدّاً.

وقد یقال: إذا کان الفسق المستور دونه فی القبح یجوز غیبته به، ولکنّه أیضاً محلّ إشکال، فقد یتجاهر الإنسان بالغیبة مع أنّها أشدّ من الزنا، ولا یتجاهر بالزنا، فهل یجوز غیبته بالثّانی لإرتکابه الأوّل؟

وکون شیء أخفّ أو أشدّ فی نظر الشرع غیر کاف، بل لو کان کذلک عرفاً، فهو أیضاً مشکل، لعدم الدلیل على کفایة إرتکاب الأشدّ فی الغیبة على الأخفّ بعد کون الأصل فی عرض المؤمنین الحرمة.

1. وسائل الشیعة، ج 8، ص 605، الباب 154، من أبواب أحکام العشرة، ح 5.
2. المصدر السابق، ص 604، ح 4.
3. مستدرک الوسائل، ج 9، ص 128، الباب 134، من أبواب أحکام العشرة، ح 1.
4. المصدر السابق، ح 2.
5. المصدر السابق، ج 9، ص 129، ح 3، (ورواه القطب الراوندی فی لبّ اللباب عن النبی(صلى الله علیه وآله وسلم)مثله ص 108).
6. وسائل الشیعة، ج 8، ص 604، الباب 154، من أبواب أحکام العشرة، ح 1.
7. المصدر السابق، ح 2.
8. المصدر السابق، ح 3.
9. المصدر السابق، ص 602، الباب 152، من أبواب أحکام العشرة، ح 22.
10. المصدر السابق، ص 600، ح 14.
11. وسائل الشیعة، ج 18، ص 289، الباب 41، من أبواب الشهادات، ح 2.
12. الحدائق، ج 18، ص 166.