المقام السّادس: فی مسوغات الکذب

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
انوار الفقاهة(کتاب التجارة)
بقی هنا شیءبقى هنا اُمور

الأوّل من مسوغات الکذب: ما کان للضرورة

الذی یظهر من کلماتهم أنّ العناوین المحرّمة على قسمین: ما یکون قبحه ذاتیاً لا یختلف بالوجوه والإعتبار، ومثّلوا له بالظلم، وما یختلف بذلک وجعلوا الکذب منها.

ولکن هذا التقسیم قابل للتأمّل، لأنّ کلّ شیء غیر الکفر وهدم الدین ـ الذی هو أکبر الکبائر ـ لیست حرمته ذاتیة حتّى لو کان ظلماً، فلذا یجوز أکل مال الغیر فی المخمصة، والهجوم على المسلمین إذا تترّس الکفّار بهم فی الحرب بشرائطه مع أنّ وقوع الظلم علیه حینئذ واضح، ولو اُجیب عن الأوّل، فلا یمکن الجواب عن الثانی، نعم وجود الغرض الأهمّ رخّص هذا الظلم.

فغالب المحرّمات أو جمیعها إلاّ ما ذکر یکون جائزاً عند طروّ عنوان أهمّ منه، والکذب منه قطعاً، وبعبارة اُخرى عند دوران الأمر بین أمرین محرّمین یؤخذ بالأقوى منهما فیترک ویعمل بالآخر، وکذا إذا دار الأمر بین محرّم وواجب، وهناک کثیر من الواجبات والمحرّمات أقوى ملاکاً من الکذب، فیجوز إرتکاب الکذب لحفظها.

وهذا هو الدلیل العمدة فی هذا الباب، والإضطرار والإکراه ودوران الأمر بین الأمرین کلّها، تندرج تحت عنوان الضرورة، خلافاً لبعض الأعلام.

وهناک روایات کثیرة وبعض الآیات تدلّ على جواز ذلک أیضاً، مضافاً إلى الإجماع المعلوم حاله فی أمثال المقام.

أمّا من الآیات فقد إستدلّ له بقوله تعالى: (مَنْ کَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِیمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاِْیمَانِ ...)(1).

 

ولکن الظاهر أنّها لا تشتمل على مسألة الکذب، بل هی ناظرة إلى إظهار البراءة التی هی من قبیل الإنشاء، إلاّ أن یتمسّک بالأولویة، هذا مضافاً إلى إختصاصها بمورد الخوف على النفس، ولیست عامّة.

وبقوله تعالى: (لاَ یَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْکَافِرِینَ أَوْلِیَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ وَمَنْ یَفْعَلْ ذَلِکَ فَلَیْسَ مِنَ اللهِ فِى شَىْء إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ...)(2).

والظاهر أنّها أیضاً بصدد أمر آخر، وهو إتّخاذ الکفّار أولیاء، والمحبّة إلیهم، وتزاورهم وإعانتهم، إلاّ أن یقال: إنّ ذلک لا ینفکّ عن الکذب غالباً، وهو کما ترى.

هذا مضافاً إلى ما مرّ فی نظیره فی الآیة السابقة من أنّها خاصّة ببعض الموارد.

نعم هناک روایات کثیرة عامّة أو خاصّة تدلّ على المطلوب، ولکن فیها ما یدلّ على عدم الحرمة تکلیفاً، مضافاً إلى عدم التأثیر وضعاً فی مثل الطلاق وغیره، وبعضها عام یشملها.

ومن الأوّل:

1 ـ ما رواه السکونی عن جعفر عن أبیه عن آبائه عن علی(علیه السلام) قال: قال  رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم): «احلف بالله کاذباً ونجّ أخاک من القتل»(3).

2 ـ وما رواه زرارة قال: قلت لأبی جعفر(علیه السلام): نمرّ بالمال على العشّار، فیطلبون منّا أن نحلف لهم ویخلون سبیلنا، ولا یرضون منّا إلاّ بذلک، قال: فاحلف لهم فهو أحلى من التمر والزبد(4).

3 ـ وما رواه الحلبی أنّه سأل أبا عبدالله(علیه السلام) عن الرجل یحلف لصاحب العشور یحرز (یجوز) بذلک ماله. قال: «نعم»(5).

4 ـ وما رواه الحلبی عن الصادق(علیه السلام): الیمین على وجهین، إلى أن قال: «فأمّا الذى یؤجر علیها الرجل إذا حلف کاذباً ولم تلزمه الکفّارة، فهو أن یحلف الرجل فى خلاص امرء مسلم، أو خلاص ماله من متعدّ یتعدّى علیه، من لصّ أو غیره»(6).

5 ـ وما رواه أبو بکر الحضرمی قال: قلت لأبی عبدالله(علیه السلام): نحلف لصاحب العشور نجیز بذلک مالنا؟ قال: «نعم»(7).

6 ـ وما رواه سماعة عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «إذا حلف الرجل تقیّة لم یضرّه إذا هو اُکره واضطرّ إلیه. وقال: لیس شىء ممّا حرّم الله إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إلیه»(8).

ومن الثّانی:

1 ـ ما رواه إسماعیل بن سعد الأشعری عن أبی الحسن الرض(علیه السلام) فی حدیث قال: سألته عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق أو غیر ذلک فحلف، قال: «لا جناح علیه، وعن رجل یخاف على ماله من السلطان فیحلفه لینجو به منه، قال لا جناح علیه»، وسألته: هل یحلف الرجل على مال أخیه کما یحلف على ماله؟ قال: «نعم»(9).

2 ـ وما رواه مسعدة عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «ما آمن بالله من وفى لهم بیمین!»(10).

3 ـ وما رواه فضل بن شاذان عن الرض(علیه السلام) فی کتابه إلى المأمون قال: «والتقیّة فى دار التقیّة واجبة، ولا حنث على من حلف تقیّة یدفع بها ظلماً عن نفسه»(11).

4 ـ وما رواه أبو بکر الحضرمی قال: قلت لأبی عبدالله(علیه السلام): رجل حلف للسلطان بالطلاق والعتاق، فقال: «إذا خشى سیفه وسطوته فلیس علیه شىء، یاأبا بکر! إنّ الله عزّوجلّ یعفو، والناس لا یعفون»(12).

5 ـ وما رواه محمّد بن أبی نصر جمیعاً عن أبی الحسن(علیه السلام) فی الرجل یستکره على الیمین فیحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما یملک، أیلزمه ذلک؟ فقال: «لا»، فقال: قال رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم): «وضع عن اُمّتى ما اُکرهوا علیه وما لم یطیقوا وما أخطأوا»(12).

6 ـ وما رواه معاذ بیّاع الأکسیة، قال: قلت لأبی عبدالله(علیه السلام): إنّا نستحلف بالطلاق والعتاق فما ترى؟ أحلف لهم؟ فقال: «احلف لهم بما أرادوا إذا خفت»(13).

ومن الثالث:

1 ـ ما رواه أبو الصباح قال: والله لقد قال لی جعفر بن محمّد(علیهما السلام): «إنّ الله علّم نبیّه التنزیل والتأویل، فعلّمه رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم) علیاً(علیه السلام) قال: وعلّمنا والله، ثمّ قال: ما صنعتم من شىء أو حلفتم علیه من یمین فى تقیّة فأنتم منه فى سعة»(14).

2 ـ وما رواه یونس عن بعض أصحابه عن أحدهم(علیهما السلام) فی رجل حلف تقیّة فقال: «إن خفت على مالک ودمک فاحلف تردّه بیمینک، فان لم تر أنّ ذلک یردّ شیئاً فلا تحلف لهم»(15).

3 ـ وما رواه زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: قلت له: إنّا نمرّ على هؤلاء القوم فیستحلفونا على أموالنا وقد أدّینا زکاتها، فقال: «یا زرارة إذا خفت فاحلف لهم ما شاؤوا»، قلت: جعلت فداک بالطلاق والعتاق. قال: «بما شاؤوا»(16).

4 ـ وما رواه الأعمش عن جعفر بن محمّد(علیهما السلام) فی حدیث شرائع الدین قال: «... ولا کفّارة على من حلف تقیّة یدفع بذلک ظلماً عن نفسه»(17).

هذا مضافاً إلى ما دلّ على نفی الضرر والحرج فی الدین وجواز المحرّمات عند الضرورة.

هذا، وقد یورد على الإستدلال بها بأنّ مورد الإخبار غیر منطبق على المراد، فانّ ظاهرها جواز الحلف لمطلق المال، ولیس هذا من الضرورة، وأوضح منه الحلف لدفع الضرر عن الغیر(18).

 

ولم یکتف بهذا حتّى أورد علیه بأنّ عنوان الإضطرار والإکراه والدوران بین المحذورین غیر عنوان الضرورة.

ولکن الإنصاف أوّلا: إنّ الضرورة فی اللغة والعرف لها معنى عام یشمل الإکراه ودوران الأمر بین الأمرین، وهو عین الإضطرار، فلیس هنا عناوین أربعة. فانّ الإنسان إنّما یتّقی (فی التقیّة الخوفیة) إذا رأى نفسه فی خطر فاضطرّ إلیها، وکذا الإکراه لا یکون إلاّ بالتوعید، ودوران الأمر أیضاً کذلک، مثلا إذا أراد الإنسان ترک الغصب وقعت نفسه فی الهلاک عند المخمصة والمجاعة، وإذا أراد حفظ نفسه لزمه إرتکاب الغصب، وحیث یکون أحدهما أهمّ، فیصدق علیه عنوان الإضطرار.

ثانیاً ـ حفظ المال الکثیر یعدّ ضرورة، وأمّا المال الیسیر فالظاهر إنصراف الأخبار عنه.

کما أنّ حفظ أموال الأخ المسلم أیضاً کذلک إذا کان ممّا یعتدّ به، فکلّ ذلک داخل فی معنى الضرورة بالمعنى المطلق.

وهذا کلّه واضح، إنّما الکلام فی أنّه هل تجب التوریة عند الضرورة، بحیث لا یسوغ الکذب إلاّ عند العجز عنه، أو یجوز مطلقاً؟

حکى عن المشهور وجوبها، وإستدلّ له بأمرین یرجعان إلى واحد فی الحقیقة:

أحدهما: إنّ الملاک فی جواز الکذب تحقّق الضرورة، ومع إمکان التوریة لا ضرورة.

ثانیهما: إنّ قبح الکذب عقلی، فلا یجوز إلاّ بعروض عنوان حسن علیه، ولا یعرض هذا العنوان إلاّ إذا کان الطریق منحصراً فی الکذب، لا ما إذا أمکن التوریة.

ولکن فی مقابل هذین الدلیلین إطلاق الروایات الکثیرة التی لیس فیها عین من هذا الشرط ولا أثر، ومن البعید تقیید جمیعها، ولذا مال الشیخ الأعظم(قدس سره) فی بعض کلماته إلى جواز ذلک من دون قید، ودفع الدلیل العقل بأنّه لا مانع من توسّع الشارع على العباد بجواز الکذب عند الضرورة مطلقاً بعد کون التوریة موجبة للعسر والحرج إجمالا.

ولکن مال أخیراً إلى کلام المشهور، وإحتاط فیها أخذاً بالقاعدة، وأمر بالتأمّل فی ذیل کلامه الذی یظهر منه التردید آخر الأمر.

والتحقیق فی المسألة أن یقال: إنّ المشکل نشأ من ناحیة عدم التفسیر الصحیح للتوریة، فقد عرفت أنّها لا تجری إلاّ فیما یحتمل الکلام لمعنیین بحسب ذاته، ولکن ینصرف ذهن المخاطب إلى واحد منهما، لبعض ما فی ذهنه ممّا هو خارج عن الکلام، والقرائن الموجودة فیه بحسب موازین التکلّم، مثلما عرفت من کلام عقیل لمعاویة وشبهه، أو شهرة أحد المعانی شهرة لم تبلغ حدّ الظهور توجب إنصراف ذهن المخاطب مع أنّ مراد المتکلّم غیره، إلى غیر ذلک.

ومن الواضح أنّ التوریة بهذا المعنى لا تتفق إلاّ فی موارد خاصّة قلیلة، فعدم ذکرها فی الروایات إنّما هو لتعرّضها للمصادیق الغالبة التی لا توجد فیها التوریة بطبیعة الحال.

نعم، إذا فسّرناها بما ذکرها شیخنا الأعظم(قدس سره) وأتباعه (من إرادة معنى صحیح من الکلام وان کان الکلام ظاهراً بحسب الوضع أو القرائن فی غیره) فقلّما یتّفق مورد لا یمکن فیه التوریة کما لا یخفى، وهذا هو مفتاح حلّ المسألة، فالحقّ مع المشهور، وعدم ذکرها فی الأخبار المجوّزة لا یوجب محذوراً، لأنّها ناظرة إلى الأفراد الغالبة التی لا یمکن فیها التوریة.

فإطلاقات الحرمة بحالها لا یتعدّى منها إلاّ عند الإضطرار، وهو منحصر فیما لا یمکن التخلّص بالتوریة.

بقى هنا شیء، وهو إنّه قد یقال أنّ روایات الباب لا دخل لها بما نحن فیه، فانّها بصدد جواز الحلف عند الضرورة، توضیحه:

«إنّ الحلف عبارة عن جملة إنشائیة یؤتى بها لتأکید الجملة الإخباریة أو الإنشائیة، ولمّا ورد فی الکتاب العزیز النهی عن جعل الله عرضة للأیمان، وورد فی الروایات النهی عنه صادقاً أو کاذباً، یمکن أن یکون ذلک منشاءاً للشبهة فی أنّ الیمین غیر جائزة حتّى لإنقاذ المال والتخلّص من العشّار وغیره، فأجابوهم بالجواز، ولا ربط لما بما یقارنه من الأخبار، فهی أجنبیة عمّا نحن بصدده».

وهذا کلام عجیب، فان جعل الله عرضة للأیمان حتّى فی موارد الصدق لم یکن أمراً محرّماً، وهذا معلوم لکلّ أحد بدلیل شیوعه حتّى فی کلمات المعصومین(علیهم السلام)وان کان مرجوحاً فی بعض الموارد، مع أنّ ظاهر الأخبار کونه محرّماً فی غیر الضرورة، هذا أوّلا.

وأمّا ثانیاً، فللتصریح فی غیر واحد منهما بکون المراد الحلف کاذباً (فراجع الأحادیث 4/12 و 9/12 و 13/12 و 14/12 التی مرّت علیک آنفاً).

 


1. سورة النحل، الآیة 106.
2. سورة آل عمران، الآیة 28.
3. وسائل الشیعة، ج 16، ص 134، الباب 12، من کتاب الإیمان، ح 4.
4. المصدر السابق، ص 135، ح 6.
5. المصدر السابق، ح 8.
6. وسائل الشیعة، ج 16، ص 135، الباب 12، من کتاب الإیمان، ح 9.
7. المصدر السابق، ص 137، ح 19.
8. المصدر السابق، ح 18.
9. نفس المدرک، ص 134، ح 1.
10. المصدر السابق، ص 135، ح 10.
11. المصدر السابق، ح 11.
12. وسائل الشیعة، ج 16، ص 136، الباب 12، من أبواب کتاب الإیمان، ح 12.
13. المصدر السابق، ح 13.
14. المصدر السابق، ص 134، ح 2.
15. المصدر السابق، ح 3.
16. المصدر السابق، ص 136، ح 14.
17. وسائل الشیعة، ج 11، ص 464، الباب 24، من أبواب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، ح 21.
18. راجع المکاسب للإمام(قدس سره)، ج 2، ص 80.

 

بقی هنا شیءبقى هنا اُمور
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma