لا یسعنا بیان تاریخ معیّن لهذا الأمر، والثابت إنّه أمر یعود إلى أزمنة غابرة، ماضیة جدّاً، من بدء معرفة الإنسان بشخصه.

فإذا تملّک شخص أشیاءً من طریق الحیازة وغیرها، وکانت أکثر من حاجته، وتملّک آخر شیئاً آخر کذلک، واحتاج کلّ إلى ما فی ید الآخر، أعطاه ممّا فی یده فی مقابل أخذ ما فی ید الآخر ـ ومن هنا ظهر البیع والشراء ـ والسعر فی ذلک الزمان کان یدور مدار اُمور مختلفة أهمّها العرض والحاجة.

وممّا ساعد على إستحکام هذا الأمر وإستمراره، أنّ الإنسان فهم بسرعة أنّ إنتاج أمتعة مختلفة من طریق الحیازة أو الزراعة أو الصنعة (ولو کانت ساذجة جدّاً) مشکل جدّاً، أمّا النوع الواحد أو أنواع قلیلة سهل یسیر، لا سیّما فیما یحتاج إلى الخبرویة والمهارة، فإنّ الإنسان لا یتیسّر له المهارة والحذاقة فی اُمور کثیرة، ولذا إشتغل کلّ فرد بإنتاج نوع واحد أو أنواع قلیلة ممّا یزید على حاجاته غالباً.

ومن هنا اتّسع أمر المعاملات والإجارات وما شابهها، ویظهر بأدنى دقّة إنّه لا یدور رحى حیاة البشر بدونها ولو یوماً ما، وکلّما کثرت الروابط والعلاقات الإجتماعیة وتطوّرت الأجیال والاُمم إزدادت أنواع المعاملات وأقسامها، بین ما کانت فی أوّل الأمر معاملات بسیطة وساذجة کما لا یخفى.