الأمر الأوّل: حکم حبّ بقائهم والرضا بأعمالهم.

ولیعلم أنّه یطلق الحبّ بالنسبة إلى الأعمال قبلها غالباً والرضا بعدها.

والذی یظهر من روایة صفوان السابقة (17/42): «فمن أحبّ بقائهم فهو منهم ومن کان منهم ورد النار» ومن مرفوعة سهل بن زیاد (1/44) وممّا رواه عیاض (5/44) وما رواه مسعدة بن صدقة (10/45) وغیر ذلک أنّ محبّة بقائهم حرام.

وکذا یستفاد من روایات کثیرة، بل غیر واحد من الآیات حرمة تولّی الکافرین، وحبّ شیوع الفاحشة فی المؤمنین، بل یظهر منها عدّ الراضی بفعل قوم منهم، کما فی قضیّة عقر ناقة صالح، بل یظهر من اللعن الوارد فی الزیارات على اُمّة سمعت بذلک فرضیت به ذلک أیضاً.

ولکن هذا شیء لا یمکن الإستدلال له بحکم العقل، بخلاف مسألة المعاونة، ولکن ثبت بالشرع قطعاً.

ولعلّ الوجه فی الجمیع أنّ حبّهم لا ینفک عن حبّ أعمالهم، وحبّ المعصیة نوع تجرٍّ على الله، وکذا الرضا بها، وهما محرّمان بالأدلّة السمعیة.

بل انّ حبّ المعصیة ذریعة للوصول إلیها غالباً، وان لم تکن من قبیل العلّة لها، والشارع لم یرتض ذلک. (وهذا کلّه غیر نیّة المعصیة).

هذا إذا لم ینجرّ إلى بغض أولیاء الله، وإلاّ فهو موجب للکفر کما لا یخفى.

الأمر الثّانی: کلّما کان الظالم أشدّ ظلماً کانت معونته أکثر عقوبة، فمن أعان ظالماً فی أمر بسیط لا یضاهی من أعان قطّاع الطریق، وأشدّ منه من یعین حکّام الجور، وأشدّ من الجمیع من یعین غاصبی الولایة الحقّة الإلهیة من أهلها.

وعلى کلّ حال، فهم مشترکون فی الإثم، ولعلّ کونها کبیرة أو صغیرة تتبّع الفعل الذی عاونه فیه، لإشتراکه فی الفعل، وقد أطال البحث بعض الأعلام فی المکاسب المحرّمة فی کونها کبیرة أو صغیرة.

هذا وفی بعض کلمات الفقه الماهر صاحب الجواهر بعد ما ذکر کراهة إعانة ظلمة المخالفین وسلاطینهم فی الاُمور المباحة ما نصّه:

«أمّا سلاطین أهل الحقّ، فالظاهر عدم الکراهة فی إعانتهم على المباحات، لکن لا على وجه یکون من جندهم وأعوانهم، بل لا یبعد عدم الحرمة فی حبّ بقائهم خصوصاً إذا کان لقصد صحیح من قوّة کلمة أهل الحقّ وعزّهم»(1).

ومراده ظاهر لا سترة علیه، فهو ناظر إلى الأزمنة التی کان بقائهم بقاءاً للطائفة المحقّة ولم یقدر أهل الحقّ على تأسیس حکومة عادلة من جمیع الجهات، والله العالم.

1. جواهر الکلام، ج 22، ص 54.