فالذی یظهر من کتب اللغة ولا سیّما لسان العرب أنّ «الکاهن» هو الذی یخبر عن الغائبات، ویتعاطى الخبر عن الکائنات فی مستقبل الزمان، ویدّعی معرفة الأسرار، وقد کان فی العرب کهنة، کشقّ وسطیح وغیرهما، وقد کانت الکهنة یروّجون أقاویلهم الباطلة بأسجاع تَروق السامعین، ویستمیلون بها القلوب، ویستصغون إلیها الأسماع (ولذا کان ینسب من یکون له کلام موزون وفصیح إلى الکهانة، ولعلّ نسبة الکهانة برسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم)کان من هذا الباب وقد نسب بعض المعاندین إلى الإمام علی(علیه السلام) ذلک، لما فی کلامه(علیه السلام)من السجع البلیغ).
وقد کانت العرب تسمّى کلّ من یتعاطى علماً دقیقاً کاهناً، ومنهم من کان یسمّى المنجّم والطبیب کاهن(1).
وکذا یظهر منهم انّهم کانوا مختلفین: «فمنهم من کان یزعم أنّ له رأیاً (صاحب رأی) من الجنّ یلقى إلیه الأخبار عن الغائبات، والاُمور المستقبلة، ومنهم یزعم أنّه یعرف الاُمور بمقدّمات وأسباب یستدلّ بها على مواقعها، من کلام من یسأله، أو فعله، أو حاله، وهذا یخصّونه باسم «العرّاف» ...»(2).
والذی یستفاد من مجموع کلمات أرباب اللغة أنّ الکهانة هی الإخبار عن الاُمور المستقبلة أو الغائبات الموجودة، بطرق غیر متعارفة من الإتّصال بالجنّ وغیره، فلو أخبر إنسان بأمر غائب أو مستقبل من تجربة جرّبها أو شبه ذلک، فلیس من الکهانة ظاهراً.
وقد یقال إنّ الشیاطین ومردة الجنّ کانوا یسترقّون السمع قبل بعثة النبی(صلى الله علیه وآله وسلم)فیخبرون أولیائهم من الإنس عن أخبار السماوات، ولکن منعوا منه بعد ذلک، فلم یبق لهم غیر ما یخبرونه من أخبار الأرض.
هذا، ولکن الظاهر من آیات سورة الحجر انّهم کانوا ممنوعین منها فی کلّ زمان (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَیَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِینَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ کُلِّ شَیْطَان رَّجِیم * إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِینٌ)(3).
وأمّا ما ورد فی الأخبار فی هذا الباب فانّه بحاجة إلى مزید تأمّل وتحقیق، وسیأتی أنّ إسم الکاهن ولو کان خاصّاً ببعض من کان یخبر عن الغائبات، ولکن ملاک الحکم فیه عام یشمل الجمیع.
1. راجع لسان العرب مادّة کهنة.
2. المصدر السابق.
3. سورة الحجر، الآیة 16 ـ 18.
