حاصل الکلام فی ولایة عدول المؤمنین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
بحـوث فقهیة مهمّة
ولایة عدول المؤمنین

والتحقیق أن یقال: إن الاُمور التی یتولاها الولی الفقیه مختلفة، «تارة» یکون ممّا لایمکن تعطیله ولا ترکه، مثل حفظ أموال الیتامى والغیب والقصر، وکذا اجراء الحدود إذا کان ترکه سبباً للفساد، وإشاعة للفحشاء (کما هو کذلک) وإحقاق الحقوق، والقصاص الذی فیه حیاة الاُمّة، وأولى من الجمیع إقامة الحکومة لدفع الاضطراب والفوضى وحفظ نظام المجتمع.

 

و «اُخرى» لایکون کذلک مثل التجارة بمال الیتیم، له حتّى ینمو ویزید ویبارک فیه.

أمّا الأوّل فلا کلام فی وجوبه، ولا إشکال، وإن لم یکن هناک دلیل نقلی، لأنها من الاُمور التی قیاساتها معها، والظاهر أن ما ورد فی روایات الباب بالنسبة إلى أمر الصغار والایتام من هذا القسم فتأمّل.

 

وبالجملة: ولایة عدول المؤمنین فی هذا القسم ممّا لا ینبغی الکلام فیه، ولا شبهة تعتریه، ولا أظن أحد یخالف، إلاّ أن یکون خلافاً فی الصغرى، والظاهر أن ابن إدریس أیضاً غیر مخالف فی هذا القسم، بعد فرض عدم إمکان تعطیله، واستناده إلى الأصل أیضاً مشعر بذلک، فإن الأصل فی المسألة وإن کان هو عدم ولایة أحد على أحد ولکنه مقطوع هنا بقیام الدلیل القطعی على خلافه، لأن المفروض عدم إمکان صرف النظر منه.

 

قال فی الجواب اشارة إلى قول ابن إدریس: «مراده نفیها على حسب ولایة الأب والجدّ والحاکم لا مطلقاً، وحینئذ یرتفع النزاع على هذا التقدیر»(1).

 

ولعلّه أیضاً ناظر إلى ما ذکرنا فإن ولایة الأب والجد (وعلى احتمال ولایة الحاکم) لا تختص بموارد الضرورة بل تشمل غیرها أیضاً.

 

والذی یؤید ذلک أنهم صرّحوا بعدم ولایة الاُم وغیرها من الأقارب، على کلّ حال یعنی مثل ولایة الأب والجدّ، فهذا دلیل على أنهم ناظرون إلى الصورة الثّانیة، وإلاّ فی موارد الضرورة لا إشکال فی ولایتهم عند عدم وجود من یتقدّم علیهم.

 

قال فی الجواهر فی کتاب الحجر فی شرح قول المحقّق: «الولایة فی مال الطفل والمجنون للأب والجد» ما لفظه: «فإن لم یکن الحاکم، فظاهر جملة من العبارات المعددة للأولیاء عدم الولایة حینئذ لأحد، بل هو صریح المحکی عن ابن إدریس، وهو کذلک بالنسبة إلى الاُم وغیرها من الاُخوة والأعمام والأخوال وغیرها بلا خلاف أجده، بل عن التذکرة الاجماع علیه فی الاُمّ بل عن مجمع البرهان أنه اجماع الاُمّة»(2).

 

أضف إلى أنه من البعید جدّاً أن یحکم فقیه بترک مال الصغیر حتّى یفنى ویتلف، وکذلک الحکم بجواز ترک المجتمع بلا أمیر، فیختل نظامهم ویفنى معاشهم ومعادهم.

 

ومن هنا یعلم أنه لا تنحصر الولایة فی هذا القسم بالعدل، وأنه إذا لم یمکن الوصول إلى العدل جاز تصدی الفاسق إذا کان موثوقاً به فی هذا الأمر، لعین ما مرّ من الدلیل.

 

هذا بالنسبة إلى القسم الأوّل، وأمّا القسم الثّانی فمقتضى الأصل عدم ولایة العدل، فیه فلا یجوز له الاتجار بمال الیتیم تنمیه له، وما أشبه ذلک، وأمّا مجرّد حسن الاحسان، وکلّ معروف صدقة، والمؤمنون بعضهم أولیاء بعض، وغیر ذلک فالظاهر قصورها عن إثبات جواز ذلک، لما عرفت من عدم کونها فی مقام البیان من هذه الجهة.

 

بل یشکل القیام به للفقیه أیضاً، نعم للولی الخاصّ کالأب والجدّ ذلک، والحاصل لو فصلنا موارد المسألة بهذا التفصیل (بین ما لایمکن تعطیله بحکم الشرع والعقل، وما یمکن تعطیله) کان الحکم واضحاً غایة الوضوح.

 

نعم قد یقال أن بعض روایات الباب مطلقة مثل روایة «إسماعیل بن سعد».

 

وقد وقع السؤال فیه عن بیع الجواری، وهو أعمّ ممّا یکون للضرورة أو لاصلاح المال وتنمیته، وکذلک صحیحة «إسماعیل بن بزیع» فإن السؤال فیها أیضاً مطلق بالنسبة إلى بیع الجواری، ولکن یشکل الاعتماد على مثل هذا الاطلاق مع کون الغالب السؤال عن حفظ الأموال عن الفساد والتلف، فالأحوط لولم یکن الأقوى عدم الجواز.

 

ولو فرض إطلاق فی مقام یشکل القول به فی سائر المقامات إذا لم یکن هناک إطلاق، والأصل عدم الولایة.

 

وقد نتج ممّا ذکرنا أن ولایة عدول المؤمنین فی الاُمور فیما لا یرضى الشارع بتعطیلها أمر ثابت معلوم دون غیرها، ولا نحتاج فی إثبات هذا المعنى إلى دلیل أزید من کونها ممّا لایمکن تعطیلها شرعاً.

 

ومن هنا یعلم أنه إذا لم یقدر الفقیه على تأسیس الحکومة الإسلامیة أمّا لعدم خبرته بهذاالأمر، أو لعدم مساعدة الظروف له، أو لعدم قبول الناس له احیاناً، فاللازم اقدام غیره ممّن یوثق بعدالته وکفایته وتدبیره ودفاعه عن الإسلام والمسلمین ویکون خبیراً بالاُمور، مقبولاً عند الناس، على تأسیس الحکومة، فإن ذلک أمر لایجوز تعطیله بحال، ولابدّ للناس من أمیر حتّى أن حکومة الفاجر إذا لم یقدر على البرّ، أحسن من عدم الحکومة غالباً کما فی روایة أمیرالمؤمنین (علیه السلام).

 

بقى هنا اُمور:

 

الأوّل: فی اعتبار العدالة فی المؤمن الذی یتولى هذه الاُمور عند فقد الفقیه، ظاهر تعابیر القوم بعدول المؤمنین اعتبارها کما صرّح به شیخنا الأعظم حیث جعله ظاهر أکثر الفتاوی.

 

ولکن قد یقال بکفایة الوثاقة.

 

ویظهر من بعض الکلمات هنا قول ثالث وهو کفایة أحد الأمرین من الوثاقة والعدالة کما فی جامع المدارک حیث إنه بعد ذکر أحادیث الباب قال: ویمکن أن یکون الشرط أحد الوصفین من العدالة والوثاقة، لأن الظاهر أن العدالة لا تلازم الوثاقة (انتهى)(3).

 

وعلى هذا یکون فی المسألة أقوال ثلاثة، ولکن لم نفهم کیف یمکن تفکیک العدالة عن الوثاقة، اللّهم إلاّ أن یقال أن العدالة توجب مجرّد الظن بعدم ارتکاب الخلاف، والوثاقة مرحلة أعلى منه، أو یقال أن العدالة تمنع التعمد بالخلاف لا الخطأ، والوثاقة یعتبر فیها عدم التخلّف لا سهواً ولا عمداً (وکلاهما کما ترى) أو یکون المراد أن الوثاقة لا تلازم العدالة!

 

هذا، ولکن لا إشکال فی أن مقتضى الأصل هو عدم الولایة إلاّ ما خرج بالدلیل، ومقتضاه اعتبار العدالة فی المقام، ولکن لعلّ المستفاد من الروایات غیر هذا، وذلک لأن قوله «إن قام رجل ثقة» فی موثقة سماعة(4) ظاهر فی کفایة مجرّد الوثوق.

 

وکذلک قوله (علیه السلام) «نعم» فی جواب السؤال عن بیع الجواری بصورة فعل مجهول «هل یستقیم أن تباع الجواری»(5) أیضاً عام یشمل العدل وغیره والقدر المتیقن تقیده بالوثوق، وأمّا الأزید فلا دلیل علیه.

 

نعم فی ظاهر بعض الأحادیث اعتبار العدالة(6).

 

وقد یستدلّ بصحیحة ابن بزیع أیضاً، نظراً إلى أن قوله «إذا کان القیم مثلک ومثل عبدالحمید فلا بأس» یحتمل اُموراً أربعة المماثلة فی الفقاهة والعدالة والوثوق والتشیع والأول لازمه بقاء المال بلا قیم عند عدم وجدان الفقیه، والقدر المتیقن من الاحتمالات الاُخر هو العدالة (هکذا أفاده شیخنا الأعظم فی مکاسبه).

 

وفیه أنه استدلال بالأصل لا بالخبر، غایة الأمر أن الخبر من قبیل المحفوف بما یحتمل القرینیة فیکون مجملاً، فتدبّر جیّداً.

 

وقد یقال «کما فی نهج الفقاهة»(7) أن هناک قرینة على عدم عدالته لأنه اکتفى فی سائر التصرّفات بمجرّد نصب قاضی الکوفة قیّماً کما یظهر من توقفه من بیع الجواری فقط لأنهن فروج.

 

ویمکن الجواب عنه، بأن من المحتمل کونه من الفقهاء أو العدول وکان تصرفه بسبب هذه الأوصاف، لا بسبب نصب قاضی الکوفة فقط.

 

وقد یقال أیضاً أن فی بعض نسخ التهذیب توصیف «عبدالحمید» بأنه «ابن سالم» وقد نصّ على توثیقه جماعة.

 

ولکن أورد علیه فی نهج الفقاهة بخلو بعض آخر عنه، مضافاً إلى أن الثقة هو عبدالحمید بن سالم العطار، ولم یثبت أن هذا هو العطار.

 

أقول: قد وقع الکلام فی أن عبدالحمید من أصحاب الصادق (علیه السلام) أو الکاظم (علیه السلام)فالنجاشی ذکره من أصحاب الکاظم (علیه السلام).

 

وعده الشیخ فی رجاله من أصحاب الصادق (علیه السلام) وذکر ابنه «محمّد بن عبدالحمید» من أصحاب الرضا (علیه السلام)وحینئذ کیف یمکن أن یکون هو نفسه من أصحاب أبی جعفر الجواد (علیه السلام) أو فی عصره، لاسیّما أنه لم یرو عنه روایة أبداً.

 

ومن العجب أنه ذکر بعض الأعاظم فی معجم رجال الحدیث احتمال سؤال «ابن بزیع» عن هذه المسألة بعد موت عبدالحمید، وأنت خبیر بأنه لا یوافق ظاهر الروایة لظهورها فی کون هذه المسألة مبتلى بها فی زمن الحال.

 

والحاصل أن استفادة اعتبار العدالة من هذا الحدیث ضعیف من وجوه:

1 ـ اختلاف نسخ التهذیب. 2 ـ عدم ثبوت کون عبدالحمید بن سالم هو العطارالثقة. 3 ـ من البعید أن یکون مدرکاً لعصر الإمام الجواد (علیه السلام) لاسیّما مع عدم نقل روایة عنه. 4 ـ التصریح بوثاقته أعمّ من العدالة.

 

والحاصل أنه یقع التعارض بین روایة «إسماعیل بن سعد» الظاهر فی اعتبار العدالة وموثقة «سماعة» الظاهر فی کفایة الوثاقة، ویمکن الجمع الدلالی بینهما بحمل العدالة على الوثاقة، لاسیّما مع ما هو المرتکز فی أذهان العرف والعقلاء من کفایة الوثاقة فی أمثال المقام وإن کان الأحوط العدالة مهما أمکنت.

 

بقى الکلام فی تفصیل شیخنا الأعظم الأنصاری (قدس سره) وهو القول الرّابع فی المسألة، وحاصله: أنه إن کان الکلام فی مقام الثبوت وبالنسبة إلى مباشرة المکلّف نفسه فالظاهر جواز تصدّی الفاسق له، فلا تعتبر العدالة ولا الوثاقة، والدلیل علیه شمول العمومات له مثل عون الضعیف صدقة وقوله تعالى (ولاتقربوا مال الیتیم إلاّ بالتی هی أحسن)، وصحیحة «ابن بزیع» محمولة على صحیحة «ابن رئاب» فتصرفات الفاسق صحیحة.

 

وإن کان فی مقام الإثبات، وارتباط فعل الغیر بفعله فالظاهر اشتراط العدالة فیه، واستدلّ علیه بصحیحة «إسماعیل بن سعد» بل وموثقة زرعة (سماعة) بناءً على إرادة العدالة من الوثاقة. مضافاً إلى أن عمومات فعل ذلک المعروف بعد باقیة بحالها، لعدم العلم بصحّة فعل الفاسق (انتهى ملخصاً).

 

وفیه أولاً ـ أنه لیس فی الواقع تفصیلاً «کما أشار إلیه المحقّق الایروانی فی بعض حواشیه»(8) وأن العدالة اعتبرت للطریقیة فلو علم بأن الفاسق تصرف تصرفاً صحیحاً جاز فعله حتّى بالنسبة إلى الغیر، لاحراز الواقع هنا بالعلم فتأمّل.

 

ثانیاً ـ سلمنا لکنّه مخالف لظاهر روایات الباب فإن ظاهرها اعتبار العدالة أو الوثاقة بعنوان شرط للصحّة واقعاً کاعتبارها فی صحّة الطلاق وصلاة الجماعة، فإن قوله فی موثقة سماعة «إذا قام عدل فی ذلک»، لاسیّما بعد قوله «إذا رضى الورثة» (أی الکبار منهم) ظاهر فی اعتبار العدالة واقعاً کاعتبار رضى الکبار، وکذا قوله فی صحیحة ابن بزیع «إذا کان القیّم به مثلک ومثل عبدالحمید فلابأس» (بناءً على ظهوره فی العدالة أو الوثاقة) فحملها على الطریقیة بالنسبة إلى الغیر غیر واضح.

 

ثالثاً ـ أن الأصل فی المسألة کما عرفت عدم ولایة أحد، على أحد فإثباتها فی حقّ الفاسق یحتاج إلى دلیل، وقد عرفت أن عمومات الأحسان، وحفظ أموال الیتامى، لیست فی مقام البیان من هذه الجهة، وهی مثل أدلّة وجوب اجراء الحدّ على الزانی والسارق فی قوله تعالى (الزانیة والزانی فأجلدوا...) و (السارق والسارقة فاقطعوا أیدیهما).

 

وإن شئت قلت: هناک اُمور یکون أمرها بید سلطان الناس وحاکمهم فی جمیع الاُمم: والإسلام قد أمضاها، ولکن جعلها بید سلطان عادل منه: اجراء الحدود، وإحقاق الحقوق، وحفظ أموال الغیّب والقصّر، ولیست هذه الاُمور من قبیل الاحسان المطلق، والانفاق فی سبیل الله والتعاون على البرّ والتقوى، فالأدلّة الدالّة على هذه الاُمور وإن کانت مطلقة ولکنها فی الواقع ناظرة إلى العمل بها من ناحیة من إلیها الحکم، ولیست فی مقام بیان من یکون له الحکم فی هذه الاُمور بل لها أدلّة اُخرى ناظرة إلیها.

 

ومن هنا یعلم أن ما یظهر من کلمات شیخنا الأعظم فی قوله: «الظاهر أنه (أی جواز تصرّف عدول المؤمنین) على وجه التکلیف... لا على وجه النیابة من حاکم، فضلاً عن کونه على وجه النصب من الإمام (علیه السلام): ثمّ فرع علیه جواز المزاحمة فی هذه من قِبل اشخاص آخرین ما لم یتم الأمر» فی غیر محله.

 

وذلک لأن هذا التلقی من الاُمور الحسبیة لیس على ما ینبغی، ولیس وزانها وزان الواجبات أو المستحبات الاُخر، فالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر فی الاُمور العادیة شیء، وفیما یوجب الکسر والجرح شیء آخر، فالأول من قبیل الأحکام والثّانی من قبیل المناصب التی بید ولی الأمر، وهکذا حفظ مال الیتامى والغیّب إذا لم یکن هناک ولیّ خاصّ.

 

ومن هنا یعلم أن جواز تصرف عدول المؤمنین إنّما هو بإذن ولی الأمر (علیه السلام)واجازته، فهم نوابّه فی الواقع، فلا یجوز المزاحمة لهم على نحو عدم جواز المزاحمة لولی الأمر والله العالم.

 

ولعلّه من هذه الجهة قال المحقّق النائینی فی منیة الطالب بعد نقل أحادیث الباب: «فمع وجود العدل لا شبهة فی أن المتیقن نفوذ خصوص ما یقوم به، نعم مع تعذره یقوم الفساق من المؤمنین بعد عدم احتمال تعطیله لکونه ضروریاً»(9).

 

 

الثّانی: فی اشتراط ملاحظة الغبطة فی عدول المؤمنین، أو الفساق عند عدمهم وعدمه کلام، ظاهر کلمات الأصحاب اشتراطه.

 

قال فی «مفتاح الکرامة» فی شرح قول العلاّمة: «وإنّما یصح بیع، من له الولایة، للمولى علیه» ما نصّه: «هذا الحکم إجماعی على الظاهر، وقد نسبه المصنّف إلى الأصحاب فیما حکى عنه کما تسمع وأقره على ذلک القطب والشهید»(10).

 

وقال فی الحدائق، بعد ذکر الأخبار الآتیة: ویستفاد من هذه الأخبار الشریفة جملة من الأحکام، «منها»: أن التصرّف فی أموالهم یتوقف على نوع مصلحة لهم فی ذلک.

 

وقال العلاّمة فی التذکرة فی کتاب الحجر: «الضابط فی تصرّف المتولی لأموال الیتامى والمجانین اعتبار الغبطة وکون التصرّف على وجه النظر والمصلحة إلى أن قال: «سواء کان الولی أباً أو جدّاً له، أو وصیاً، أو حاکماً، أو أمین حاکم إلى أن قال ـ «ولا یعلم فیه خلاف إلاّ ما روی عن الحسن البصری»(11).

 

وقال فی مفتاح الکرامة فی کتاب الحجر بعد نقل ذلک ما لفظه: «وظاهره أنه ممّا لا خلاف فیه بین المسلمین».

 

أقول: لایخفى أنه لیس محل الکلام خصوص أموال الیتامى بل هو عام، والعمدة فیه أصالة العدم، وقد عرفت أنه مبنی الکلام فی المقام مضافاً إلى الروایات الواردة من طرق الخاصّة والعامّة.

 

1 ـ ما رواه الکاهلی قال: قیل لأبی عبدالله (علیه السلام) أنا ندخل على أخ لنا فی بیت أیتام ومعه خادم لهم فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ویخدمنا خادمهم... فما ترى فی ذلک ؟ فقال: إن کان فی دخولکم علیهم منفعة لهم فلابأس، وإن کان فیه ضرر فلا ؟ (الحدیث)(12).

 

ویمکن أن یقال أنها لا تشیر إلى حکم عدم النفع والضرر، ولکن التأمل فیها یعطی اشتراط النفع لهم.

 

2 ـ ما رواه علی بن مغیرة قال: قلت لأبی عبدالله (علیه السلام) إن لی ابنة أخ یتیمة فربّما  أُهدی لها الشیء فآکل منه ثمّ اطعمها بعد ذلک الشیء من مالی فأقول: یا رب هذا بذا، فقال: فلابأس(13).

 

فإن أکل بعض الهدیة ثمّ اطعام الیتیمة بعد ذلک یکون مصلحه لها غالباً کما لایخفى، ولکنه مجرّد سؤال وقید من جانب الراوی لابیان شرط من ناحیة الإمام (علیه السلام)بخلاف الحدیث السابق.

3 ـ ومثله ما رواه العیاشی عن أبی الحسن موسى (علیه السلام) قال: قلت له: یکون للیتیم عندی الشیء وهو فی حجری انفق علیه منه، وربّما اُصیب (اصبت) ممّا یکون له من الطعام، وما یکون منی إلیه أکثر: قال: لابأس بذلک(14).

 

وهنا أیضاً ذکر نفعة الیتیم فی سؤال الراوی لا کلام الإمام (علیه السلام) فتدبّر جیّداً.

 

اضف إلى ذلک قوله تعالى (ولا تقربوا مال الیتیم إلاّ بالتی هی أحسن)(15). وقد ذکر فیها احتمالات کثیرة فی معنى «القرب» و «الاحسن» ولکن الانصاف أن الظاهر من قوله تعالى (ولا تقربوا) عدم التصرّف فیه بشیء من التصرّفات، ویلحق به ترک التصرّف أیضاً احیاناًإذا کان فیه ملاکه کما إذا کان إبقائه موجباً لفساده، والمراد «بالاحسن» کلما هو اصلح للیتیم ولأمواله، وحیث إن الإلتزام بالاصلح من بین جمیع التصرّفات، لعلّه مخالف للسیرة القطعیة، فالمراد به «الحسن» کما فسره به فی «المجمع».

 

وعلى کلّ حال یظهر منها لزوم رعایة المصلحة، فلا یکفی مجرّد عدم المفسدة، ویظهر منها ومن الأخبار أیضاًجواز الاتجار بمال الیتیم للولی أی شخص کان، لاطلاقها وإطلاق بعض الأخبار أو صریحها، وإن کان مخالفاً لمقتضى الأصل، ولا مانع منه بعدوجود الدلیل.

 

بقى هنا اُمور

 

1 ـ کثیراً ما یکون ترک الاتجار بمال الیتیم سبباً لفساده واستهلاکه ومصداقاً للافساد لاسیّما إذا کان من الاوراق النقدیة، وحینئذ لا ینبغی الشکّ فی جوازه ولو لم تکن هذه الأخبار بأیدینا، لأن الولی لابدّ أن یکون حافظاً لأمواله، وهذا مناف لحفظها.

 

وإلیه یشیر ما رواه فی التذکرة عن النبی (صلى الله علیه وآله) من طرق العامّة أنه (صلى الله علیه وآله) قال: من ولی یتیماً له مال، فلیتجر له ولا یترکه تأکله الصدقة (والمراد منه الزکاة، أی إذا ترکه تعلقت به الزکاة وانعدم تدریجاً بخلاف ما إذا اتجر به).

 

ولکن یشکل العمل بها على مذهب الأصحاب، لعدم وجوب الزکاة فی مال الطفل وفی استحبابه کلام، ولذا قال فی «مفتاح الکرامة» بعد نقل الحدیث العامّی «انه على ضعفه مخالف لماعلیه أصحابنا،إذ لیس فی نقدیه زکاة وجوباً ولا استحباباً».

 

کما أن ترک المراودة للیتامى والصغار حذراً من التصرّف فی أموالهم أو أکل شیء عندهم، کما شاع عند بعض المتورعین ممّن لا خبرة لهم بأحکام الدین ربّما یکون فیه مضرة لهم، وموجباً لکسر قلوبهم وسوء حالهم، وتشتت بالهم، فالمراودة کثیراً ما تکون من أظهر مصادیق القرب بالأحسن، وربّما یعاوضه بما هو أکثر بل لو لم یعاوضه بشیء ربّما کان مصلحة للیتیم، فیجوز من دون عوض، ولکن الأحوط استحباباً جعل عوض فی مقابلها.

 

2 ـ هذا وقد مرّ سابقاً أن الأولیاء حتّى الأب والجدّ إنّما نصبوا لحفظ أموال القصّر والغیّب وتدبیر اُمورهم، لا أن لهم حقّ على المال، وإن قوله (صلى الله علیه وآله) «أنت ومالک لابیک» حکم اخلاقی لا حقوقی، فاللازم فی جمیع الموارد ملاحظة مصلحة المولى علیهم لا غیر، حتّى أن جواز تصرّف الأب والجد منوط بالمصلحة لعدم الدلیل على أزید منه فتدبر.

 

3 ـ إذا دار الأمر بین الصالح والأصلح، فهل على الولی ملاحظة الأصلح ؟ قد یتصور أن ظاهر قوله تعالى «إلاّ بالتی هی أحسن» هو وجوب ترجیح الأصلح کما مرت الاشارة إلیه.

 

ولکن لابدّ من التفصیل بین مواردها، فإن کان الأصلح حاضراً یتوسل إلیه بأدنى شیء أو بجهد یسیر، فلا اشکال فی وجوب الأخذ به، لأن ترکه من قبیل الافساد والاضرار أو بحکمه عرفاً، فإن کان هناک شخصان یشتریان المتاع، أحدهما یشتریه بعشر، والثّانی بعشرین، أو الذی یشتری بعشر فی سوق قریب، والذی یشتریه بعشرین فی سوق آخر بعید منه قلیلاً، ففی أمثال المقام لاینبغی الشکّ فی لزوم ترجیح الاصلح لما عرفت.

 

وأمّا إذا لم یکن کذلک، فلیس على الولی الفحص عن جمیع الاسواق، حتّى یجد من یشتریه بأزید من الجمیع، لما عرفت من استقرار السیرة على خلافه فی الأولیاء والوکلاء والأوصیاء ومتولی الاوقاف ولما فیه من العسر والحرج أحیاناً.

 

4 ـ مدار کلمات القوم کما عرفت فی هذه الأبحاث، هو أموال الیتامى وما شابه ذلک، ولکن قد عرفت أن موضوع البحث عام یشمل جمیع الاُمور الحسبیة والوظائف التی بید الحاکم، والاُمور التی لایمکن تعطیلها بحکم الشرع، فإحقاق الحقوق واجراء الحدود والقضاء والقصاص والدفاع عن حیاض المسلمین وتجنید الجنود، وبالجملة الحکومة على الناس، أیضاً داخلة فی مورد البحث فإذا لم یمکن الوصول إلى الفقیه أو کان هناک فقیه غیر نافذ الکلمة یجب على عدول المؤمنین القیام بها، وإذا وقع التشاح لابدّ من الرجوع إلى المرجحات التی أشرنا إلیها سابقاً،وقلما یحتاج إلى القرعة دفعاً للتنازع، لوجود المرجحات الکثیرة التی یعرفها أهل الخبرة، یحصل بها فصل المنازعة کما لایخفى.

 

إلى هنا تم الکلام فی مسألة ولایة «عدول المؤمنین» على أمر الحکومة وغیرها.

 

والحمد لله أولاً وآخراً.

 


(1) جواهر الکلام: ج 28 ص 427ج.
(2) جواهر الکلام: ج 26 ص 103.
(3) جامع المدارک: ج 3 ص 379.
(4) الوسائل: ج 13 ب 88 من أحکام الوصایا ح 2.
(5) الوسائل: ج 12 ب 16 من أبواب عقد البیع ح 1.
(6) راجع الوسائل: ج 12 من أبواب عقد البیع ح 2.
(7) نهج الفقاهه: ص 305.
(8) حاشیة المکاسب للمحقّق الایروانی: ص 159.
(9) منیة الطالب: ج 1 ص 330.
(10) مفتاح الکرامة: ج 4 ص 216.
(11) تذکرة الققهاء: ج 2 ص 80 .
(12) الوسائل: ج 12 ب 71 من أبواب ما یکتسب ح 1.
(13) الوسائل: ج 12 ب 71 من أبواب ما یکتسب ح 2.
(14) الوسائل: ج 12 ب 73 من أبواب ما یکتسب ح 4.
(15) الانعام: 152 والاسراء: 34.

 

ولایة عدول المؤمنین
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma