خامس: حکم القصاص فی الجنین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
بحـوث فقهیة مهمّة
رابع: الدیة فی الجنایة على الجنین3 ـ ضمان الطبیب لما یتلف بطبابته

وهل یکون فی الجنین القصاص إذا کانت الجنایة علیه عن عمد

 

لا ریب فی عدم ثبوت القصاص فی الحالتین الاُولى والثانیة قطعاً، إنّما الکلام فیما إذا تمّ خلقه وولجته الروح، فهل یقاد الجانی علیه

 

الذی یظهر من بعض الکلمات شمول القصاص له، فلو ضرب الحامل عالماً بحملها، فأسقط ما فی بطنها، یقتصّ منه ولو لم یقتلها، ولعلّ مقتضى إطلاقات القصاص فی القتل العمدی هو شمولها له; لصدق عنوان قتل النفس علیه(1).

 

لکن ظاهر غیر واحد من النصوص، بل الفتاوى عدم ترتّب غیر الدیة علیه کما عن المحقّق، قال: «ولو ألقت المرأة حملها مباشرة أو تسبیباً فعلیها دیة ما ألقته، ولا نصیب لها من هذه الدیة»(2)، وهو شامل لقتل العمد، بل ظاهر قوله: «لا نصیب لها من الدیة» کونه کذلک لمانعیة القتل من إرث الدیة. وقد أقرّه فی الجواهر على ذلک بعد نقل المتن بقوله: «بلا خلاف ولا إشکال فی ثبوت الدیة علیها بل وفی عدم إرثها أیضاً مع العمد»(3)، وهو ظاهر فی کون المسألة إجماعیة من دون تفصیل بین صورتی ولوج الروح وثبوت القود والقصاص فیها بقتل الجنین وعدمه، بل ظاهر روایات الباب ذلک، منه:

 

1 ـ ما رواه سعید بن المسیّب، قال: سألت علیّ بن الحسین (علیهما السلام) عن رجل ضرب امرأة حاملاً برجله فطرحت ما فی بطنها میّتاً ـ إلى أن قال: ـ «وإن طرحته وهو نسمة مخلّقة له عظم ولحم مزیل ]مرتّب [الجوارح قد نفخت فیه روح العقل فإنّ علیه دیة کاملة»(4).

 

2 ـ ما رواه أبو عبیدة فی الصحیح عن أبی عبدالله (علیه السلام) فی امرأة شربت دواءً وهی حامل لتطرح ولدها فألقت ولدها، قال: «إن کان له عظم قد نبت علیه اللحم وشقّ له السمع والبصر فإنّ علیها دیة تسلّمها إلى أبیه» ـ إلى أن قال: ـ قلت: فهی لا ترث من ولدها من دیته قال: «لا; لأنّها قتلته»(5)، وهی صریحة فی کون الجنایة عن عمد وفی کون الولد کاملاً، وأنّها کالصریحة فی عدم القود مع أنّ المعروف أنّ الاُمّ تقتل بقتل ولدها عمداً، وبذلک صرّح فی الجواهر بأنّه لا یجد فیه خلافاً إلاّ من الاسکافی الذی وافق العامّة على ذلک، قیاساً على الأب واستحساناً(6)، فلو کان القصاص هو الواجب الأوّلی لوجب ذکره فی الحدیث مع اعتبار سنده.

 

3 ـ عن محمّد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل یضرب المرأة فتطرح النطفة فقال: «علیه عشرون دیناراً»، ـ إلى أن قال: ـ «إذا کان عظماً شقّ له السمع والبصر ورتّبت جوارحه، فإذا کان کذلک فإنّ فیه الدیة کاملة»(7)، وهی مطلقة تشمل صورة العمد وغیرها.

 

والحاصل: فروایات دیة الجنین وإسقاطه عمداً أو خطأً على کثرتها لیس فیها ما یدلّ على القصاص والقود، وفی ذلک دلیل على عدم ثبوت القصاص، ولو سلّمنا الشکّ فی المسألة یکون المورد حینئذ من موارد درء الحدّ والقصاص بالشبهة.

 

ومن کلّ ذلک یعلم اهتمام الشارع بحیاة الاُمّ والجنین الذی فی بطنها، حیث عدّه کسائر أفراد الإنسان إلاّ فی حکم القصاص لدلیل خاصّ.

 

ثمّ إنّ فی مسألة سقط الجنین حالات ستّ، ثلاث منها تتعلّق بفرض عدم ولوج الروح والثلاث الاُخرى تتعلّق بفرض ولوجها، وفیما یلی نذکرها حسب الترتیب:

 

الأولى ـ توقّف حیاة الاُمّ على الإسقاط:

 

إذا توقّفت حیاة الاُمّ على إسقاط الجنین الذی لم تلجه الروح بعد، ولم یبلغ حدّ الإنسان الکامل بحیث لا یصدق علیه أنّه إنسان أو نفس محترمة، فلا إشکال فی جواز الإسقاط حفاظاً على حیاة الاُمّ التی هی أهمّ فی نظر الشارع. وکذا إذا خیف على حیاتها وإن لم یعلم علماً قطعیاً بالخطر والضرر، فحینئذ یدور الخوف علیها مدار سیرة العقلاء; لعدم حصول الیقین غالباً، حیث یجعلون الخوف طریقاً إلى الواقع، فیجوز الإسقاط کذلک.

 

وهل تترتّب الدیة فی إسقاطه على الأُمّ باعتبار کونها قاتلاً، وذلک بأن تؤدیها لمن سواها من ورثته فیه وجهان:

من شمول عمومات الدیة للمقام، ومجرّد جواز الإسقاط لا یمنع من تعلّق الدیة، نظیر الأکل فی المخمصة الذی لا ینافی الضمان.

 

ومن أنّ الدیة فرع الجنایة ولیس المقام من مصادیقها، فتکون المسألة هنا نظیر إجراء الحدّ أو القصاص بحکم الشارع المقدّس، فکما أنّ الحدّاد ومجری القصاص لا یضمنان الدیة کذلک ما نحن فیه.

 

وإن شئت قلت بانصراف العمومات عن مثل هذا، وأنّ قیاسه على الأکل عند المجاعة قیاس مع الفارق; لأنّ الضمان من آثار مطلق الاتلاف والدیة لیست کذلک ـ حتّى مع إذن الشارع کما فی موارد الحدود الإلهیّة ـ على الأقوى، ولذا قلنا فی مبحث التشریح ـ الواجب أو الجائز شرعاً ـ بعدم الدیة.

 

الثانیة ـ الإسقاط بسبب مرض الاُمّ:

 

إذا خیف على الاُمّ ـ الحامل ـ من مرض شدید أو نقص لبعض الأعضاء فی بدنها، کما لو اُصیبت بالعمى وتداوت بدواء یسقط به الجنین الذی لا یصدق علیه بعد أنّه إنسان، أو ذو نفس محترمة، حیث إنّ علاجها بذلک الدواء وإنقاذها أرجح وأهمّ جاز لها التداوی به والإسقاط. وکذا فیما لو اُبتلیت الاُمّ مثلاً بمرض السرطان وکان طریق علاجها منحصراً بالمداواة بالأدویة الکیمائیة الموجبة ـ حسب الفرض ـ لإسقاط الجنین وإن لم یکن ذلک الداء مؤدّیاً لموت الاُمّ مثلاً، وحینئذ لا تتعلّق الدیة أیضاً بنفس البیان المتقدّم.

 

الثالثة ـ الخوف على الجنین من النقص فی الأعضاء:

 

إذا خیف على الجنین من نقص فی الأعضاء، أو علم بأنّه سیکون ناقص الخلقة کفقد السمع أو البصر، أو مصاباً بالشلل فی یدیه أو رجلیه فیکون فی ذلک بلاءً وامتحاناً له ولأبویه مدى العمر، والمفروض أنّه لم تلجه الروح ولم یصوّر على صورة الإنسان الکامل، فلا یبعد جواز الإسقاط حینئذ لإمکان دعوى انصراف أدلّة حرمة الإسقاط عن مثل هذه الصورة التی لا یکون الإسقاط فیها جائزاً لمجرّد الاشفاق على الجنین فحسب، بل لما فی ذلک من الحرج الشدید على والدیه والمجتمع.

 

وقد عرفت أنّ عمدة ما یدلّ علیه هو الملازمة بین وجوب الدیة ـ على فرض الإسقاط ـ وحرمته تکلیفاً، وثبوت الدیة فی هذا الفرض أوّل الکلام، فتأمّل.

 

ثمّ إنّ القول بجوازه منوط بتحقّق العلم أو الظنّ المتاخم له المورث للاطمئنان، وإلاّ فلا یجوز بمجرّد الاحتمال.

 

الرابعة ـ الخوف على الاُمّ بعد ولوج الروح:

 

إذا کان الجنین کاملاً وقد ولجته الروح ولم یعلم بنقص فیه على الأقل وخیف على حیاة اُمّه، فهل یجوز جعل الجنین فداءً لاُمّه فیما إذا دار الأمر بینه وبینه

 

الإنصاف أنّه أمر مشکل، لعدم الفرق بین النفسین من حیث کون کلّ منهما نفساً محترمة مؤمنة أو ملحقة فی الحکم بها، فهما من هذه الجهة سواء، لا یجوز قتل أحدهما لحفظ حیاة الآخر.

 

اللّهمّ إلاّ أن یقال: إنّ ثبوت القصاص فی أحدهما دون الآخر دلیل رجحان حفظ حیاة الاُمّ على الجنین وإن تساویا من حیث النفس الإنسانیة ومن حیث الدیة، فإذا دار الأمر بین حفظ حیاة الاُمّ وحیاة الجنین جاز تقدیم حیاة الاُم على الجنین.

 

ثمّ إنّ فی الدیة ما تقدّم من ثبوتها فی فرض وقوع الجنایة المحرّمة لا ما إذا کان مباحاً بإذن الشارع المقدّس، فمن البعید جدّاً ترتّب الدیة علیه حینئذ.

 

هذا فیما إذا قلنا بجواز الإسقاط بالبیان المتقدّم. وأمّا إن قلنا بالحرمة، فالواجب ترکهما على حالهما حتّى یقضی الله بینهما، فإن ماتت الاُمّ وبقی الجنین حیّاً بمجرّد تولّده منها، أو ماتت الاُمّ وأمکن إخراج الجنین حیّاً من بطنها بسرعة، أو مات الجنین سقطاً وبقیت الاُمّ سالمة فما ذلک إلاّ بقضاء الله تعالى وقدره لعلمه بمصالح العباد.

 

ولعلّ فرض دوران الأمر بین حیاة الاُمّ وحیاة الجنین فرض نادر لدوران الأمر فی الغالب بین موتهما معاً وموت الجنین فقط، وذلک لأنّه إذا بقی فی بطن اُمّه أدّى إلى قتلها ثمّ موته بعدها لارتباط حیاته بحیاتها، وحینئذ لا یبعد جواز إسقاطه لدوران الأمر بین موت نفسین وموت نفس واحدة، فباسقاطه تبقى الاُم على قید الحیاة، وهذا بخلاف ما إذا علم ببقاء أحدهما وموت الآخر، فإنّ ترجیح أحد النفسین على النفس الاُخرى یکون حینئذ أمراً مشکلاً، اللّهمّ إلاّ أن یستدلّ للترجیح بما مرّ من مسألة اختصاص القود بقتل أحدهما دون الآخر، فتدبّر.

 

الخامسة ـ العلم بتولّده ناقصاً بعد ولوج الروح:

 

إذا علم علماً قطعیّاً أو ظنّیاً یطمأنّ به بأنّ الجنین سیولد ناقصاً بعد ولوج الروح فیه، ولیس فی بقائه ضرر أو خطر على الاُمّ، فهل یجوز إسقاطه فیه وجهان:

 

الوجه الأول: القول بعدم الجواز لصدق عنوان الإنسان الحیّ علیه، فإنّه ما لا یجوز قتل ناقص الخلقة ـ کالمجنون أو المصاب بقطع بعض أعضاء بدنه من نخاع وغیره ـ بعد ولادته کذلک لایجوز قبلها بعد ولوج الروح وکونه إنساناً کاملاً; لشمول إطلاقات حرمة قتل المؤمن لمثل المجانین والأطفال من غیر فرق بینهم، ولا اختصاص لها بالإنسان السوی العاقل، وکذا شمول عمومات حرمة قتل الجنین وما یترتّب علیه من الدیة.

 

إن قلت: تقدّم فیما سبق عدم القود فی قتل الجنین، وأنّ الحکم فیه هو الدیة خاصّة.

 

قلن: لیس الکلام فعلاً فی القصاص والقود، بل الکلام فی الحرمة التکلیفیة وما یترتّب علیها من الآثار، فإنّه لا فرق من هذه الجهة بین الصحیح والسقیم والکامل والناقص عقلاً أو عضواً.

 

الوجه الثانی: الجواز نظراً إلى ما یترتّب على وجوده ناقصاً من الحرج والعسر علیه وعلى أبویه وعلى المجتمع، والضرورات تبیح المحظورات، لاسیّما مع الفرق بین حرمة الجنین مع المولود الحی کما عرفت.

 

والإنصاف أنّ مثل هذه الضرورات غیر کافیة فی إباحة مثل هذه المحظورات، وأنّه لا یصحّ الاستناد إلى مثل ذلک، فلا یجوز قتل الجنین بعد ولوج الروح فیه، کما لا یجوز قتل المجانین والمصابین بالعاهات الجسمیة ممّن لا یرجى صحّتهم، على الأقوى.

 

السادسة ـ إسقاط الجنین لکثرة النفوس:

 

هل یجوز إسقاط الجنین بسبب کثرة النفوس إذا کانت سبباً للمشاکل الکثیرة بحصول العلم الیقینی بذلک أو بشهادة ذوی الخبرة الثقات

 

لاشکّ فی عدم جوازه بعد ولوج الروح، فإنّه لا یجوز قتل النفس استناداً إلى ذلک.

 

وأمّا قبل ولوجها بأن کان الجنین فی مراحله الاُولى ککونه نطفة أو علقة، فکذلک یحرم إسقاطه وإن لم یکن فی الحکم من قبیل إسقاط الإنسان الکامل أو النفس المؤمنة ومن یلحق بهما، فلا یجوز ذلک إلاّ عند الضرورة، بل یوجب الإسقاط غالباً الاضرار بالاُمّ لأنّه أمر غیر طبیعی. علماً بأنّ طرق المنع من التکاثر کثیرة لا تنحصر بمثل هذا المحرم لیحصل التزاحم بین الإسقاط واُمور اُخرى.

 

وعلى کلّ حال فالافتاء بجواز الإسقاط ـ فی أی مرحلة من مراحل الجنین ـ مشکل جدّاً، خصوصاً بعد العلم بعدم وجود الضرورة لذلک.

 

بقی هنا فروع:

 

الفرع الأوّل: ممّا یتفرّع على ذلک هو ما یسمّى فی عصرنا بالاماتة إشفاقاً ورحمة بالمریض; وذلک إذا کان الإنسان یعانی من الآلام فوق طاقته بسبب مرض أو عاهة بدنه أو نقص فی الخلقة بحیث یکون موته بعد شهر أو شهرین مقطوعاً به، فهل یجوز لطبیب أو للمریض أن یقتل نفسه تخلّصاً من الآلام علماً أنّ بعض الدول جوّزت ذلک للأطباء إذا أراد المریض نفسه ذلک ووضعوا له قانوناً مع شروط خاصّة.

 

الانصاف أنّ ذلک لایجوز; لعدم انسجامه بروح الشریعة الإسلامیة بعد ما عرفت من عدم جواز إسقاط الجنین إذا ولجته الروح; وذلک لورود الأدلّة على حرمة قتل المؤمن، أو أنّ المؤمن لا یقتل نفسه.

 

وقد ورد فی ذلک روایات عدیدة نقتطف منها ثلاثاً أفرد لها فی الوسائل باباً تحت عنوان: باب تحریم قتل الإنسان نفسه وهی:

 

أوّل: عن أبی ولاّد، قال: سمعت أبا عبدالله (علیه السلام) یقول.: «مَن قتل نفسه متعمّداً فهو فی نار جهنّم خالداً فیها»(8). والتعبیر بالخلود قرینة على عدم خروجه من الدنیا مؤمناً، أو بمعنى اللبث فی جهنّم طویلاً.

 

ثانی: ما رواه الصدوق، قال: قال الصادق (علیه السلام): «مَن قتل نفسه متعمّداً فهو فی نار جهنّم خالداً فیها، قال الله عزّوجلّ: (وَ لاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَکُمْ إِنَّ اللهَ کَانَ بِکُم رَحِیماً * وَ مَن یَفْعَلْ ذَلِک عدواناً وَ ظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِیه ناراً وَ کَانَ ذَلِکَ عَلَى اللهِ یَسِیراً)(9).

 

وفی الآیة دلالة على المطلوب بعد استدلاله (علیه السلام) بها، وإن احتمل تفسیرها بقتل الإنسان لغیره کما فی قصّة بنی إسرائیل فی قوله تعالى: (فاقْتُلُوا أَنفُسَکُمْ)(10).

 

ثالث: ما رواه ناجیة، عن أبی جعفر (علیه السلام)، قال: «إنّ المؤمن یبتلى بکلّ بلیة ویموت بکلّ میتة إلاّ أنّه لا یقتل نفسه»(11). وهی تشمل بعمومها حالات الإنسان، فتدبّر.

 

فتحصّل: أنّ هذه الأدلّة لا دلیل على تخصیصها أو تقییدها فتبقى على إطلاقها أو عمومها، ومجرّد العسر والحرج الشدید لا یبرّر القتل، فلا یجوز قتل الغیر رحمة وإرفاقاً، بل لایجوز له قتل نفسه لذلک.

ولو أقدم الطبیب على إماتة المریض أو تسریع موته فهل یعدّ قاتلاً یجوز أن یقتصّ منه أو تؤخذ منه الدیة، أم لا یکون شیء منهم

 

للمقام مسألة معروفة مشابهة منصوصة فی کلمات الفقهاء، وهی: أنّه لو قال إنسان سلیم لآخر: اقتلنی وإلاّ قتلتک، لم یجز قتله; لأنّ الإذن لا یرفع الحرمة، ولکن لو أثم وقتله لم یجب القصاص عند الشیخ فی المبسوط والعلاّمة فی بعض کتبه والشهید الثانی فی المسالک على ما حکی عنهم ذلک، مستدلّین علیه بأنّ المقتول أسقط حقّه بالإذن فلیس للوارث حقّ القصاص، وفرّع فی الجواهر على هذا القول عدم وجوب الدیة أیضاً; لأنّها ملک للمیّت أوّلاً وبالذات، ومن ثمّ تنتقل إلى الوارث، ولذا تؤدّى منها دیونه، فالمقتول بإذنه أسقط حقّه.

 

ولکن ناقشه فی ذلک کلّه فی الجواهر، ومال إلى الحکم بالقصاص أو الدیة على فرض عدمه(12).

 

والانصاف أنّ شمول أدلّة القصاص والدیة للمقام لا یخلو عن إشکال، لدرء القصاص بالشبهات کالحدود، وأنّ الأصل فی الدیة البراءة.

 

إن قلت: لا یصحّ حمل المقام على تلک المسألة; لأنّ المفروض هناک إکراه المقتول للقاتل بقوله: اقتلنی وإلاّ قتلتک، ولیس فی المقام إکراه بل هو یطلب من الغیر ویرجوه قتله، فلا یجوز قیاس إحداهما على الاُخرى.

 

قلت: لیست المسألة منصوصة بنصّ خاصّ حتّى یستند إلى عدم جواز القیاس، بل الذی استند إلیه فی الحکم بعدم ثبوت القصاص أو الدیة هو إذن المقتول فلا تشمله أدلّة القود والدیات. ومن الواضح أنّ الإذن حاصل هنا أیضاً، فبعین الدلیل یستدلّ على عدم القصاص والدیة. نعم، الفرق بین المسألتین أنّه فی المقام یثبت التعزیر على ذلک لکونه من الکبائر، ویمکن ابتناء الحکم فی المسألة المعروفة على التعزیر أیضاً.

 

الفرع الثانی: قد عرفت ممّا تقدّم أنّه فی الموارد التی لا یجوز إسقاط الجنین یجب فیها الدیة، والدیة إنّما هی على المباشر فقط، فلو کان المباشر فی الإسقاط هو الطبیب وجب علیه أداء الدیة إلى أبویه، ولو کان ذلک بطلب الأبوین أو أحدهما لم یکن علیهما شیء، واستقرّت الدیة على الطبیب کما صرّح بذلک الأصحاب فی بعض الفروع المشابهة. ففی الجواهر قال: «إذا أکرهه على القتل فالحکم فیه عندنا نصّاً وفتوى بل الإجماع بقسمیه علیه أنّ القصاص على المباشر الکامل دون الآمر المکره، بل ولا دیة، بل ولا کفّارة، بل ولا یمنع من المیراث، وإن استشکل فیه فی القواعد»(13)، ثمّ استدلّ علیه بأنّ المباشر هو القاتل لغة وعرفاً.

 

والذی یظهر أنّ المسألة مورد اتّفاق الأصحاب فی الجملة، وصریح عبارة الجواهر عدم جریان شیء من الأحکام الأربعة ـ أعنی: القصاص، والدیة، والکفّارة، والمنع عن المیراث ـ فی غیر المباشر، ومن الواضح أنّ الحکم بذلک فی المقام أولى; لعدم تحقّق الإکراه بالنسبة للطبیب.

 

اللّهمّ إلاّ أن یقال: إنّ الطبیب وإن کان مباشراً مع إذن الأبوین له فی الإسقاط، یکون جانیاً مستحقّاً للتعزیر، وکذا الأبوین لو کانا هما السبب فی ذلک، لکن الأبوین لم یستحقّا شیئاً من الدیة لمکان إذنهما له بذلک، لما تقدّم من أنّ الإذن فی أمثال المقام یوجب سقوط الحقّ کما مرّ فی مسألة لو قال أحدهما للآخر اقتلنی فقتله لم یکن علیه قصاص ولا دیة استناداً إلى کون القتل بإذن، والإذن مسقط، وأنّه من البعید شمول الإطلاقات لما نحن فیه، ولو فرض الشکّ فیها فالأصل هو براءة الطبیب. ومن ذلک یظهر حالما لو طلب أحد الأبوین ذلک وأذن فیه سقط حقّه فقط دون الآخر، فهل تکون الدیة بکاملها للآخر أو له سهمه فقط

 

الظاهر هو الثانی;لسقوط سهمه بالإذن،لا أنّه ممنوع من المیراث حتّى یرثه غیره.

 

ولو شربت الاُمّ دواءً فأسقط جنینها، فهنا انعکس الأمر فکان الطبیب آمراً والاُمّ مباشرة، وجبت الدیة علیها لأبیه لکونها المباشر فی القتل، ولو مات أبوه قبل ذلک فالدیة للاخوة والأخوات والجدّة والأجداد وهکذا. وکذا الحال فیما لو وصف لها الطبیب دواءً لاسقاط الجنین فشربته أو هی طلبت منه دواءً فأعطاها فشربته فأسقطت جنینها، کانت هی المباشر فی ذلک، ووجبت علیها الدیة. ویتبع الحکم المتقدّم ما لو ابتاع الأب لها دواءً لهذا الغرض فشربته کانت الدیة علیها. وأمّا لو أعطاها زوجها دواءً یعلم أنّه یُسقط الجنین وکان قاصداً لإسقاطه، وزعم أنّه نافع لتقویة الجسم مثلاً فشربته کان القاتل هو الأب دونها; لعدم استناد الفعل إلیها، وکذا الحال فیما لو کانت قاصرة العقل.

 

والحاصل: فالمدار فی کلّ ذلک على الاسناد العرفی، فإنّه من الواضح إسناد الفعل إلى المباشر مع وجود السبب، إلاّ أن یکون المباشر ضعیفاً بأن یکون مغلوباً على أمره مقهوراً على العمل، أو کان المباشر قاصر العقل بالصبا أو الجنون، أو کان جاهلاً بالواقع بالمرّة کما تقدّم آنفاً، فإنّ الفعل فی جمیع ذلک یسند إلى السبب لقوّته وضعف المباشر. وأمّا لو کان المباشر بالغاً عاقلاً عالماً مختاراً فالفعل یسند إلیه دون السبب; للصدق العرفی فی ذلک،مضافاً إلى دلالة جملة من الروایات الواردة فی أبواب مختلفة:

 

1 ـ منه: ما رواه زرارة، عن أبی جعفر (علیه السلام): فی رجل أمر رجلاً بقتل رجل فقتله قال: «یقتل به الذی قتله، ویحبس الآمر بقتله فی الحبس حتّى یموت»(14).

 

2 ـ ومنه: ما عن السکونی، عن أبی عبدالله (علیه السلام)، قال: «قال أمیرالمؤمنین (علیه السلام) فی رجل أمر عبده أن یقتل رجلاً فقتله، فقال أمیرالمؤمنین (علیه السلام): وهل عبد الرجل إلاّ کسوطه أو سیفه، یقتل السیّد ویستودع العبد السجن»(15).

 

3 ـ ومنه: ما عن سماعة، فی رجل شدّ على رجل لیقتله، والرجل فارّ منه فاستقبله رجل آخر فأمسکه علیه حتّى جاء الرجل فقتله، فقتل الرجل الذی قتله، وقضى على الآخر الذی أمسکه علیه أن یطرح فی السجن أبداً حتّى یموت فیه(16).

 

4 ـ ومنه: ما دلّ على قتل شاهد الزور إذا کان هو السبب فی القتل، نظیر ما رواه مسمع عن أبی عبدالله (علیه السلام): «إنّ أمیرالمؤمنین (علیه السلام) قضى فی أربعة شهدوا على رجل أنّهم رأوه مع امرأة یجامعها، فیرجم ـ إلى أن قال: ـ وإن قالو: شهدنا بالزور، قتلوا جمیعاً»(17)، والمراد من ذلک قتلهم مع أداء ثلاثة أرباع الدیة إلى أولیاء کلّ واحد منهم، لما ثبت من سائر الروایات مضافاً إلى ضرورة العقل.

 

هذا کلّه فیما إذا تزاحم السبب والمباشر، وکانت نسبة الفعل إلى الأقوى منهما.

 

الفرع الثالث: دیة الجنین کسائر الدیات یرثها المناسب والمسابب على حسب طبقات الإرث ویحرم القاتل من الدیة فی المقام کسائر المقامات. وقد مرّ التصریح بذلک فی بعض روایات الباب، نظیر ما رواه أبو عبیدة عن الصادق (علیه السلام): فی امرأة شربت دواءً وهی حامل لتطرح ولدها فألقت ولدها، قال (علیه السلام): «إن کان له عظم قد نبت علیه اللحم وشقّ له السمع والبصر فإنّ علیها دیة تسلّمها إلى أبیه» ـ إلى أن قال: « قلت: فهی لا ترث من ولدها من دیته قال (علیه السلام): «لا، لأنّها قتلته»(18)، وفی هذه الصحیحة غنىً وکفایة فی إثبات المراد، وإن لم یذکر الوارث فی غالب روایات الباب على کثرتها بل أطلق فیها الدیة، والإطلاق فی المقام من قبیل الإطلاق المقامی لا اللفظی، والذی یدلّ على أنّ مصرف الدیة هنا مصرفها فی سائر المقامات عدم ذکره هنا مع کونهم (علیهم السلام) فی مقام البیان، فتدبّر جیّداً.

 


(1) کقوله تعالى: (وَ مَن قُتِل مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلیِّهِ سُلْطاناً فَلا یُسْرِفُ فِى الْقَتْلِ) الإسراء:33.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 282.
(3) جواهر الکلام: ج 43 ص 374.
(4) الوسائل: ج 9 ص 240 ب 19 من دیات الأعضاء ح 8.
(5) المصدر السابق: ص 242 ب 20 من دیات الأعضاء ح 1.
(6) جواهر الکلام: ج 42 ص 170.
(7) الوسائل: ج 19 ص 238 ب 19 من دیات الأعضاء ح 4.
(8) الوسائل: ج 13 ب 5 من قصاص النفس ح 1.
(9) المصدر السابق: ح 2. والآیة من سورة النساء: 29 ـ 30.
(10) البقرة: 54.
(11) الوسائل: ج 19 ص 13 ب 5 من قصاص النفس ح 3.
(12) انظر جواهر الکلام: ج 42 ص 53 ـ 54.
(13) جواهر الکلام: ج 42 ص 47.
(14) الوسائل: ج 19 ص 32 ب 13 من قصاص النفس ح 1، إلى غیرذلک ممّا ورد فی هذا الباب.
(15) الوسائل: ج 19 ص 33 ب 14 من قصاص النفس ح 2، وفی نفس الباب هناک ما یدلّ على قتل العبد، وقد حُملت على تفاوت العبید فی العقل والحریة.
(16) المصدر السابق: ص 35 ب 17 من قصاص النفس ح 2.
(17) المصدر السابق: ص 97 ب 64 من قصاص النفس ح 1.
(18) المصدر السابق: ص 242 ب 20 من دیات الأعضاء ح 1.

 

رابع: الدیة فی الجنایة على الجنین3 ـ ضمان الطبیب لما یتلف بطبابته
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma