وخلاصة القول فیه: أنّه لا ینبغی الریب فی أنّ لهذا العلم ـ سیّما مع المشاهدة ـ أثراً بالغاً فی معرفة أعضاء جسم الإنسان، بحیث صار هذا العلم فی العصر الحاضر من مقدّمات علم الطب الضروریة التی یتوقّف على معرفتها إنقاذ المرضى من الهلاک وشبهه، ومن الواضح أنّ مقدّمة الواجب واجبة.
ومن هنا أفتى غیر واحد من أکابر العصر بجوازه، وإن خالف فیه بعضهم، والظاهر أنّ منشأ مخالفتهم عدم الاعتراف بالضرورة المذکورة، وإلاّ لأفتوا به قطعاً کما فی غیره من موارد الضرورة، فیجوز للمخالف أیضاً الفتوى بجوازه مشروطاً بها، وإحراز الموضوع على عاتق المقلِّد.
وحیث أنّ دلیل الجواز هو الضرورة، والضرورات تتقدّر بقدرها، فلابدّ عند الفتوى بجوازه من تحقّق شروط ثلاثة:
الأوّل: أن یکون غرضه من التشریح تعلّم الطب الذی لا یکتمل إلاّ به، فیکون التشریح حینئذ مقدّمة لإنقاذ النفوس المحترمة.
الثانی: أن لا یجد سبیلاً إلى أجساد الکفّار الحربیّین، بل إذا دار الأمر بین المسلم والذمّی کان الذمّی مقدّماً; لأنّه أقلّ محذوراً کما لایخفى.
الثالث: أن لا یتعدّى المقدار اللازم منه.
إذن فمع تحقّق هذه الشروط الثلاثة یکون التشریح جائزاً.
والإنصاف أنّ إحراز موضوع الضرورة للعارف بشیء من علم الطب فی عصرنا هذا سهل جدّاً.