ولا فرق بین الرّجل والمرأة فی هذا الجانب أیضاً.
لم یخص الإسلام التعلّم بالرّجال، بل أوصى کل المسلمین ـ رجالا ونساءاً ـبطلب العلم والتّعلّم، حتى ورد على لسان نبیّ الإسلام (صلى الله علیه وآله وسلم) أنّه قال: «طلب العلم فریضة على کلّ مسلم ومسلمة»(1).
وعلیه فلا فرق بین الرّجل والمرأة فی الجانب العلمی والثّقافی من وجهة النظر الإسلامیة.
سؤال: بعض الرّوایات أوجبت طلب العلم على الرّجال فقط حیث اقتصر فیها على ذکر المسلم دون اضافة المسلمة(2)، وحینئذ ألا یستفاد منها أنّ هناک تفاوتاً بین الرّجل والمرأة من هذا البعد؟
الجواب: أوّل: إن الوارد فی الرّوایة المذکورة آنفاً هو التصریح بضرورة طلب العلم على المرأة أیضاً، کالرّجل بلا فرق.
ثانی: على فرض عدم وجود مثل هذا التصریح المذکور، فاننا نقول بأنّ المراد من «المسلم» لیس فقط الرّجل المسلم، بل المراد جنس المسلم، سواء کان رجلا أو امرأة، کما ورد الخطاب فی القرآن الکریم للمسلمین بصورة عامة، فلا یتحدد موضوعه بالرّجال فقط، فمثلا، قال تعالى فی سورة البقرة الآیة 183: (یاأیُّها الّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیکُم الصِّیامُ)، فهنا وان کان المخاطب هم الرّجال، ولکن الصیام لا یختص بهم، بل هو حکم عام لکل المسلمین الواجدین لشرائط التکلیف سواء کانوا رجالا أو نساءاً، وبعبارة اُخرى: إن هذه الصّیاغة فی الخطابات تعتمد على التّغلیب فی الاستعمال.
والنّتیجة هی أنّه لا فرق بین الرّجل والمرأة فی طلب العلم والمعرفة وسائر الاُمور الثّقافیة والفکریة.
سؤال آخر: إذا لم یکن هناک فرق بین الرّجال والنّساء فی الجانب الثّقافی والعلمی، فلماذا نجد بعض الرّوایات تصرّح بمنع تعلیم النّساء الکتابة وسورة یوسف وتعلیمهن الحیاکة وسورة النور(3) ؟ فلو قلتم: إنّ الآیات الواردة فی سورة یوسف تحکی قصّة زوجة عزیز مصر والنّساء المصریات اللاتی کنّ معها، وهذه الآیات على الرغم من انّها ذکرت فی القرآن ولوحظ فیها اُسس العفّة والأخلاق، إلاّ انّها قد تثیر بعض النّساء. قلن: إنّ هذا المقدار لا یمکن أن یکون مانعاً من تعلیمهن هذه السّورة الشریفة لنیل ثواب قراءتها، والدقّة فی مفاهیمها.
والحاصل، إنّ النّساء والرّجال لیسوا سواء فی الجانب الثّقافی والعلمی.
الجواب: أوّل: إنّ أسانید هذه الرّوایات ضعیفة ولا یعتمد علیها(4).
ثانی: یستفاد من بعض الرّوایات الاُخرى عکس هذا المدعى، أی ورد الحث والتأکید على تعلیم هذه السورة للنّساء(5).
وثالث: إنّ التدقیق فی آیات سورة یوسف (علیه السلام) المبارکة یبین لنا أنّ هذه السّورة مضافاً الى عدم وجود أیّة نقطة سلبیة للنساء فیها، تفید أن سلوک زوجة عزیز مصر المشین ومردوداته الوخیمة، تعتبر خیر درس وعبرة لکل من یوسوس له الشیطان، وکیف کان ، فلا تفاوت بین الرّجل والمرأة من جهة المسائل العلمیة والثّقافیة.
(1) میزان الحکمة: الباب 2847 الحدیث 13445.
(2) میزان الحکمة: الباب 2847 الحدیث 13446.
(3) مجمع البیان: ج 5 ص 206.
(4) ورد فی تفسیر البرهان: ج 2 ص 242، روایتان فی هذا المضمون وکلتاهما ضعیفتا السند، فانّ فی سند إحداهما السکونی ولم یوثق ولا یعتمد على روایته، وفی سند الاُخرى سهل بن زیاد الذی ضعّفه کثیر من علماء الرجال، مضافاً إلى انّ الرّوایة الثانیة مرفوعة.
کما انّ مضمون هاتین الروایتین یعارض الآیات القرآنیة ـ التی ترى بأنّ القرآن مفید لکل الناس رجالا ونساءً، ولذا فالروایات المعارضة للقرآن مطروحة.
(5) التّفسیر الأمثل: ج 7 ص 107.
