بقی هنا مسائل

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
بحـوث فقهیة مهمّة
أدلّة المانعین عن حجیّة علم القاضیضمان العاقلة فی قتل الخطأ

الاُولى: قد ظهر ممّا ذکرنا أنّ القول بالتفصیل بین حدود الله وحدود الناس إنّما هو بمعنى کون حدود الناس تحتاج إلى المدّعی الخاصّ وهو صاحب الحقّ، فلا یجوز إجراؤها بدونه کما هو مذکورٌ فی أبواب حدّ السرقة والقذف.

وأمّا إذا کان هناک مدّعیاً للحقّ وعلم القاضی من طریق الحس أو ما یقاربه بثبوت الحقّ للمدّعی، فلا یبعد وجوب العمل به. وکذا إذا کان هناک حقوق للناس ـ خارجاً عن دائرة الحدود ـ کما إذا کان النزاع فی الود أو المال أو غیر ذلک، وثبت بالقرائن المحسوسة التی یحصل الیقین منها لکلّ أحد عادةً أنّ المال لزید أو لعمرو جاز للحاکم الحکم به، کما تشهد به کثیرٌ من الروایات السابقة; فإنّها وردت فی أبواب التنازع فی الحقوق أو الأموال، فإذن لایبقى فرقٌ بین الحدود والحقوق، ولا بین حدود الله وحدود الناس; لاتّحاد الدلیل فی البابین وإنّما الفرق فی أنّ الأُولى لاتحتاج إقامتها إلى شیء والثانیة تتوقّف على المدّعی الخاصّ.

الثّانیة: قد یستثنى من القول بعدم الحجّیة اُمورٌ، قال فی المسالک:

إنّ منع من قضاء القاضی بعلمه استثنى صور:

منه: تزکیة الشهود وجرحهم لئلاّ یلزم الدور والتسلسل. (ومراده أنّ تزکیة الشاهد لو احتاج إلى شاهدین آخرین ننقل الکلام إلیهما، وهکذا، فإمّا أن یعود فیلزم الدور، أو لا یعود فیلزم التسلسل، فلا مناص من عمل القاضی بعلمه فی عدالة الشاهد لا محالة.

ومنه: الإقرار فی مجلس القضاء وإن لم یسمعه غیره (فإنّه یعمل بعلمه فیه).

ومنه: العلم بخطأ الشهود یقیناً أو کذبهم (الحاصل من القرائن المختلفة).

ومنه: تعزیر من أساء أدبه فی مجلسه وإن لم یعلم غیره، لأنّه من ضرورة إقامة أبّهة القضاء.

ومنه: أن یشهد معه (أی مع القاضی) آخر، فإنّه لا یقصر عن شاهد»(1).

وقد حکى ذلک فی الجواهر، ثمّ أورد على الأخیر بعدم وضوح دلیل الاستثناء مع کونه من القضاء بالعلم بل وفی بعضها الآخر أیضاً(2) وتمام الکلام موکولٌ إلى محلّه من باب القضاء.

هذا ولو کانت هذه المستثنیات مسلّمةً کانت من قبیل الإستثناء المنقطع، فإنّ الکلام فی حجّیة علم القاضی بالواقعة المطروحة فی محکمته، مثل القتل، والدین، والزنا، لا علمه بکلّ شیء یرتبط بقضائه، وإلاّ لم تنحصر المستثنیات فیما ذکر، فإنّ معرفة المتخاصمین، ومعرفة لغتهما وکلامهما ومحتواها، ومعرفة إجراء الأحکام التی صدرت منه، وغیر ذلک من أشباهه تکون بعلم القاضی، أو أحد طرقها هو علم القاضی، فإذا رأى إجراء الحدّ على المجرم بالقطع أو الضرب (وعدد الجلد) أو رأى المتخاصمین فی المجلس الثانی بعد المجلس الأوّل، أو عرف أبناء زید وورثته، یعمل بها بلا إشکال.

هذا وقد عرفت ممّا سبق أنّ هناک بعض المستثنیات مثل ما مرّ من أنّه لو حصل العلم للقاضی من الإقرار بالزنا وأشباهه (من أوّل مرّة أو الثّانی أو الثّالث) وکذا من قول شاهد واحد، أو اثنین أو ثلاثة، یبعد جواز إجراء حدّ المحصن والمحصنة أو الجلد، إمّا لعدم اعتبار العلم فی هذا المجال مطلقاً (وکأنّ الشارع أراد الستر علیهم) وإمّا لعدم اعتبار العلم الحاصل من خصوص هذه المقدّمات، فتدبّر جیّداً.

الثّالثة: لو قلنا بحجّیة علمه من أیّ طریق حصل، کفى الرکون إلى الأسباب الموجبة للظنّ إذا حصل من اجتماعها الیقین; مثل کثیر ممّا شاع فی عصرنا من قبیل أنّ الجرح الحادث فی بدن المقتول یتحقق من نوع السلاح الذی کان عند المتّهم بالقتل بشهادة أهل الخبرة، أم لا.

ومثل الآثار الموجودة من أنواع الخدش على بدن الطرفین یدلّ على وقوع مشاجرة بینهما، وکذا إذا قدّ قمیصه من قبل أو دبر کما فی قصّة یوسف (علیه السلام). ومثل کون القاتل ممّن له السوابق السیئة وعدم کونه من أهل الإیمان. ومثل ابداء الأجوبة المتناقضة فی مقابل الأسئلة. ومثل انقلاب حاله عند مشاهدة آثار الجرم والجنایة. ومثل شهادة صبیٍّ ومثل ممّن لایقبل شهادته، وکذا الشیاع فی المجتمع أو شهادة الفسّاق المتحرزین عن الکذب. ومثل بعض الأفلام والأشرطة ممّا لایحصل من شیء منها الیقین لإمکان الدسّ فیها ولکن بعد ضمّها إلى غیرها من القرائن یحصل الیقین منها. ومثل الآثار الموجودة من خطوط اصابع السارق أو شعره أو غیر ذلک فی محلّ السرقة. ومثل ما یعلم بسبب مشابهة دم الولد لدم مدّعی الأبوّة. ومثل ما هو معروفٌ فی زماننا من بعض الأجهزة التی تمیز الکاذب من الصادق، لما یحصل فی الجهاز العصبی من حدوث التغییرات عند التکلّم بالصدق أو الکذب.

فهذه عشرة أنواع ممّا یوجب الظنّ وقد یحصل من اجتماعها أو اثنین أو ثلاثة أو أکثر منها العلم الحدسی للقاضی، بل قد یحصل العلم من واحد منها وإن کان بعیداً بالنسبة إلى أقوال الخبراء الذین قد یختلفون فی شیء واحد وکلّ واحد یدّعی استناده إلى وسائله وأجهزته.

وعلى کلّ حال فالعلم الحاصل من تراکم هذه الاُمور الظنیّة أحیاناً وأمثالها کاف عند القائل بحجّیة علم القاضی على الإطلاق، وغیر کاف عندنا ولو بلغ ما بلغ، إلاّ أن تکون من قبیل المبادئ القریبة من الحسّ التی یحصل القطع منها لکلّ أحد رآها غالباً.

والذی یسهّل الخطب فی هذه الموارد أنّ القاضی کثیراً، ما یأخذ الإقرار من المتّهم من هذه الطرق أعنی کثیراً ما یقرّ المتّهم على نفسه بالجرم عند مواجهته بهذه القرائن کما حکی عن بعض قضایا أمیرالمؤمنین (علیه السلام).

ولابدّ أن یکون القضاة خبراء بهذه الاُمور، یستکشفون الحقائق من طرقها، وبعد العلم الحاصل من المبادئ الحدسیّة لایقنعون به ولا بما هو ظاهرٌ فی بادئ الأمر، فقد یکون المتًّهم من إخوان الشیاطین ویظهر الباطل فی لباس الحقّ، والحقّ فی لباس الباطل، فیجتهدون لکشف الحال وتطبیقه على الموازین الشرعیة.

ولهذا نرى بعض القضاة فی عصر أمیرالمؤمنین (علیه السلام) کانوا یحکمون بما یبدو لهم فی بادئ الأمر وکان (علیه السلام)ـ کما فی روایات أبواب القضاء ـ یردّهم عن قضائهم بما یظهر له عند الفحص والتدقیق وکشف الحال بقوّة الابتکار.

الرابعة: قد مرّت الإشارة إلى أنّ إحقاق حقوق الناس یتوقّف على مطالبة صاحب الحقّ، ونزیدک علماً هنا لیکمل شرح ما ذکره (قدس سره) فی تحریر الوسیلة فی ذیل المسألة بقوله:

ولا یتوقّف (أی إقامة حدود الله) على مطالبة أحد، وأمّا حقوق الناس فتتوقّف إقامتها على المطالبة حدّاً کان أو تعزیراً، فمع المطالبة له العلم بعلمه.

أقول: هذه المسألة معروفةٌ بین الأصحاب، بل قد ادّعى عدم الخلاف فیها وقد أوردها فی الجواهر تبعاً للشرائع فی المسألة الخامسة من المسائل العشر التی أوردها فی ذیل أحکام حدّ الزنا(3).

 

والکلام فیها تارةً من حیث الکبرى واُخرى من حیث الصغرى:

أمّا الأوّل فیدلّ علیه أوّلاً أنّه موافقٌ للقاعدة، وهی عدم نفوذ القضاء إلاّ ما ثبت بالدلیل، فما لم یطالب ذو الحقّ لم ینفذ حکم القاضی.

وثانی: کونه موافقاً لکلمات الأصحاب کما قال فی الریاض: «لا خلاف فیها ظاهراً ولا إشکال»(4).

وثالثاً تدلّ علیه روایاتٌ متعدّدةٌ:

1 ـ صحیحة الفضیل عن أبی عبدالله (علیه السلام):

من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ من حقوق المسلمین فلیس على الإمام أن یقیم علیه الحدّ الذی أقرّ به عنده حتّى یحضر صاحب حقّ الحدّ أو ولیّه وطلبه بحقّه(5).

کذا فی الوسائل، لکن فی الریاض: «حتّى یحضر صاحب الحدّ أو ولیّه ویطلب حقّه» وهو اصحّ کما لایخفى(6).

2 ـ فی صحیحة اُخرى له عن أبی عبدالله (علیه السلام) أیضاً قال:

ومن أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ حدّ (بحدّ ) من حدود الله فی حقوق المسلمین، فلیس على الإمام أن یقیم علیه الحدّ الذی أقرّ به عنده، حتّى یحضر صاحب الحقّ أو ولیّه فیطالب بحقّه... ـ ثمّ ذکر بعض مصادیقه فقال : أمّا حقوق المسلمین فإذا أقرّ على نفسه عند الإمام بفریة لم یحدّه حتّى یحضر صاحب الفریة أو ولیّه، وإذا أقرّ بقتل رجل لم یقبله حتّى یحضر أولیاء المقتول فیطالبوا بدم صاحبه(7).

وهما صریحتان فی المطلوب، ولکنّ الظاهر أنّهما روایةٌ واحدةٌ والأولى قطعةٌ من الثّانیة; لاتّحاد المضمون واللفظ والسند.

3 ـ ما عن حسین بن خالد عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال سمعته یقول:

الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل یزنی أو یشرب الخمر، أن یقیم علیه الحدّ، ولایحتاج إلى بیّنة مع نظره، لأنّه أمین الله فی خلقه، وإذا نظر إلى رجل یسرق علیه أن یزبره وینهاه ویمضی ویدعه، قلت: وکیف ذلک ؟ قال: لأنّ الحقّ إذا کان لله فالواجب على الإمام إقامته، وإذا کان للناس فهو للناس(8).

4 ـ ما ورد فی باب القذف عن عمّار الساباطی عن أبی عبدالله (علیه السلام):

فی رجل قال للرجل یابن الفاعلة ! یعنی الزنا، فقال: إن کانت أمّه حیّةً شاهدةً ثمّ جاءت تطلب حقّها، ضرب ثمانین جلدةً وإن کانت غائبةً انتظر بها حتّى تقدّم وتطلب حقّها، وإن کانت قد ماتت ولم یعلم منها لاّ خیر، ضرب المفتری علیها الحدّ ثمانین جلدةً(9).

والظاهر کونها صحیحةً ولکنّها منحصرةٌ بباب القذف، ولکن إلغاء الخصوصیة منها قریبٌ. أضف إلى ذلک کلّه أنّ سیرة العقلاء أیضاً على ذلک ولم یردع عنها الشارع المقدّس، فتأمّل.

فالمسألة من ناحیة الکبرى ممّا لاریب فیه، وأمّا الصغرى فلا إشکال فی أنّ القذف وما أشبه من حقوق الناس، وأمّا مسألة شرب الخمر وأشباهه من حقّ الله ولکن بعض الموارد لایخلو عن شبهة، منها «الزنا بذات البعل» و «السرقة».

أمّا الأوّل فقد یتصوّر کونه من حقوق الناس أو ذات جهتین جهة یکون من حقّ الله، ومن اُخرى من حقّ الناس، فلذا نواجه روایات کثیرةً تدلّ على جواز النظر إلى المرأة الأجنبیة عند إرادة النکاح، وقد علّل بأنّه مستام، أو أنّه یشتریها بأغلى الثمن، فانظر الوسائل، الباب 36 من أبواب مقدمات النکاح فقد ورد فیه ثلاثة عشر حدیثاً أکثرها تدلّ على ما ذکرنا.

وهی تدلّ على کون الزنا بذات البعل ممّا یکون سبباً لاغتصاب حقّ الغیر.

وأوضح منه التعبیر بالأجر فی مهر المتعة قال: الله تعالى (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ اُجورهنَ فریضةً)(10) وکذا التعبیر «بأنّهنّ مستأجرات» کما فی الخبر(11)وکذا قوله (علیه السلام) فی مصحّحة زرارة عن الصادق (علیه السلام) قال: «لاتکون متعةٌ إلاّ بأمرین أجلٌ مسمّى وأجرٌ مسمّى»(12) إلى غیر ذلک ممّا یدلّ على هذا المعنى، کلّ ذلک یدلّ على أنّه من قبیل حقّ الناس.

وقد شاع فی کلمات الفقهاء ـ رضوان الله علیهم ـ التعبیر بأنّ المهر ثمن البضع. وقد یستدلّ علیه أیضاً بما رواه أبو شبل قال: قلت لأبی عبدالله (علیه السلام):

رجلٌ مسلمٌ فجر بجاریة أخیه فما توبته ؟ قال: یأتیه ویخبره ویسألة أن یجعله فی حلّ ولایعود، قلت: فإن لم یجعله من ذلک فی حلّ  ؟ قال: یلقی الله عزّوجلّ زانیاً خائناً(13).

أقول: یمکن الإجابة عن الجمیع، أمّا عن الأخیر فهو ظاهرٌ فإنّه ورد فی الأمة، ولا شکّ أنّ التصرّف فیها تصرّفٌ فی ملک الغیر ولا تقاس الحرّة بالأمة بلا إشکال.

أمّا ما ذکر من التعبیر بالأجر والاُجور والمستأجرات فلا شکّ أنّها تعبیراتٌ مجازیةٌ، فلذا لایجوز إجراء صیغة نکاح المتعة بلفظ الإجارة بل ادّعى الإجماع علیه فی محکی المسالک(14). وهذا یکشف عن کونه تعبیراً مجازیاً، وأوضح منه التعبیر منه بالاشتراء فی روایات النظر عند إرادة العقد، فإنّه لا إشکال فی عدم معنى للبیع حقیقةً فی المرأة الحرّة، بل هو نوع تشبیه ونوع کنایة، وهو إشارةٌ إلى بعض الجهات المشترکة بین البیع والنکاح، من بذل المال فی مقابل جواز التصرّف وإن لم یکن ثمناً حقیقةً، ولا بیعاًز ولذا لایصحّ عقد النکاح بلفظ البیع والشراء بالإجماع والاّتفاق، فلا دلالة فی شیء من هذه الأدلّة.

هذا ویمکن الاستدلال على عدم کونه من قبیل حقّ الناس باُمور:

1 ـ عدم ذکر التحلّل أو شیء آخر یدلّ على کونه من قبیل حقوق الناس فی شیء من روایات الباب على کثرتها واشتمالها على کثیر من الاُمور الجزئیة والفروع الخاصّة، ولذا لم یفت به أحدٌ فیما نعلم.

وکیف یمکن عدم ذکر هذا المعنى المهمّ فی شیء من الروایات ؟ وکیف یمکن ان یخفى على جمیع أساتذة الفنّ ؟ بل یمکن أن یقال: إنّ کثیراً منها من قبیل الإطلاق فی مقام البیان مع عدم ذکر شیء غیر الجلد والرجم فیها مع کون الزنا بذات البعل.

2 ـ قد ورد فی بعض الموارد جواز عفو الحاکم الشرعی عن الزانی والزانیة حتّى إذا کانا محصنین، کما إذا کان بالإقرار، أو شبه ذلک ممّا مرّ فی محلّه، مع أنّه لو کان حقّ الناس فیه ثابتاً، لما جاز للحاکم العفو عنه.

3 ـ ممّا یؤیّد المطلوب أنّه لو بنی على التحلّل من البعل فی هذه الموارد لحصل فسادٌ عظیمٌ بین الناس، وربّما ینجرّ إلى إهراق الدماء وإتلاف النفوس والمفاسد الکثیرة فی المجتمع، لوجود موارد عدیدة من هذا الأمر ـ مع الأسف ـ فی بعض البلاد.

أضف إلى ذلک أنّه کیف یمکن التحلّل ؟ إذا کان بأمر مالی فکیف یمکن هذا ؟ أو بأمر آخر فما هو ذاک ؟ والحاصل أنّه لاینبغی الشکّ فی عدم عدّ هذا من حقوق الناس وعدم الفتوى به من أحد، والله العالم.

وأمّا مسألة السرقة، فهل هی من حقّ الله تعالى ؟ أو من حقّ الناس ؟ أو فیها شائبة الأمرین ؟ ولابدّ من ملاحظة کلمات الفقهاء الأعلام أوّلاً.

قال فی السرائر:

«الحقوق على ثلاثة أضرب:

حقّ لله محضٌ، وحقّ لآدمی محضٌ، وحقّ لله ویتعلّق بحقّ الآدمیین، فأمّا حقوق الله المحضة فکحدّ الزنا والشرب، فإنّه یقیمه الإمام من غیر مطالبة آدمی.

فأمّا حقوق الآدمیین المحضة المختصة بهم، فلا یطالب بها الإمام إلاّ بعد مطالبتهم إیّاه باستیفائها.

فأمّا الحقّ الذی لله ویتعلّق به حقّ الآدمی فلا یطالب به أیضاً ولا یستوفیه إلاّ بعد المطالبة من الآدمی، وهو حدّ السارق، فمتى لم یرفعه إلیه ویطالب بماله لایجوز للحاکم إقامة الحدّ علیه بالقطع، فعلى هذا التحریر إذا قامت علیه البیّنة بأنّه سرق نصاباً من حرز لغائب، ولیس للغائب وکیلٌ یطالب بذلک، لم یقطع، حتّى یحضر الغائب ویطالب.

فأمّا إذا قامت علیه البیّنة أو أقرّ بأنّه قد زنى بأمة غائب فإنّ الحاکم یقیم علیه الحدّ ولاینتظر مطالبة آدمی، لأنّه الحقّ لله تعالى محضاً»(15).

فیظهر من کلامه أنّ السرقة ممّا یکون فیه جهتان، وحیث أنّ النتیجة تابعةٌ للمقیّد بالقید فیکون إجراء الحدّ فیه منوطً بمطالبة صاحب المال، بل ادّعى فی الجواهر أنّ الحکم فیه معتضدٌ بفتاوی الأصحاب(16) وظاهره کون الحکم مشهوراً على الأقلّ. ولکن قد حکی الخلاف فیه فی الجملة عن الخلاف والمبسوط، أنّه یقطع إذا ثبت بالإقرار (ولم یکن هناک مطالبةٌ)(17).

هذا ولکن ظاهر النصوص متفاوتٌ: ففی خبر الحسین بن خالد الذی مرّ آنفاً أنّ الإمام «إذا نظر إلى رجل یسرق علیه أن یزبره وینهاه ویمضی ویدعه» معلّلاً بأنّ الحقّ «إذا کان للناس فهو للناس»(18).

ولکن فی إحدى صحیحتی الفضیل عن الصادق (علیه السلام) قال:

... إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقة، قطعه فهذا من حقوق الله، وإذا أقرّ على نفسه أنّه شرب خمراً حدّه فهذا من حقوق الله...(19).

ثمّ ذکر فی ذیل الروایة أنّ الفریة وکذا القتل من حقوق المسلمین. والظاهر أنّ الصحیحة غیر معمول بها، وأنّ خبر الحسین منجبرٌ بعمل الأصحاب، مضافاً إلى درء الحدود بالشبهات، وهذا من مصادیقه الواضحة.

وأمّا حمل خبر الحسین على الإشتغال ببعض مقدّمات السرقة دون وقوعها، فینافی التعلیل الوارد فی ذیله بأنّ الحقّ إذا کان لله فلا یتوقّف على المطالبة وإذا کان للناس توقّف علیها. هذا على فرض عدم کون صحیحة الفضیل مهجورةً، وقد عرفت أنّها مهجورةٌ فلایمکن العمل بها.

هذا کلّه مضافاً إلى أنّ هناک روایاتٌ تدلّ على جواز عفو صاحب المال عن السارق قبل رفعه إلى الحاکم الشرعی وعدم جوازه بعد رفعه إلیه.

 

منه: قصّة سرقة رداء صفوان بن أشمیّة فی زمن رسول الله (صلى الله علیه وآله) وأنّه بعد ما رفع اللصّ إلیه (صلى الله علیه وآله) قال صفوان: «أنا أهبه له، فقال رسول الله (صلى الله علیه وآله) فهلاّ کان هذا قبل أن ترفعه إلیّ..»(20).

ومنه: ما عن سماعة بن مهران عن أبی عبدالله (علیه السلام): «من أخذ سارقاً فعفى عنه فذلک له فإذا رفع إلى الإمام قطعه...»(21). ویستفاد من هذا الحکم أنّه من حقوق الناس، وإن کان فیه شائبة حقوق الله أیضاً.

إلى هنا تمّ الکلام فی مسألة علم القاضی وبعض ما یتفرّع علیها والحمد لله أوّلاً وآخراً.


(1) المسالک: کتاب القضاء ج 2 ص 359.
(2) جواهر الکلام: ج 40 ص 92.
(3) جواهر الکلام: ج 41 ص 366.
(4) الریاض: ج 2 ص 473، المسألة الثّالثة من لواحق باب الزنا.
(5) الوسائل: ج 18 ب 32 من أبواب مقدّمات الحدود ح 2.
(6) الریاض: ج 2 ص 473 المسألة الثّالثة من لواحق باب الزنا.
(7) الوسائل: ج 18 ب 32 من أبواب مقدّمات الحدود ح 1.
(8) الوسائل: ج 18 ب 32 من أبواب مقدّمات الحدود ح 3.
(9) نفس المصدر: ب 6 من أبواب حدّ القذف ح 1.
(10) النساء (4): 24.
(11) وسائل الشیعة: ج 14 ب 4 من أبواب المتعة ح 2.
(12) نفس المصدر: ب 17 من أبواب المتعة ح 1.
(13) نفس المصدر: ج 18 ب 46 من أبواب حدّ الزنا ح 1.
(14) جواهر الکلام: ج 29 ص 142.
(15) سلسلة الینابیع الفقهیة: کتاب الحدود ج 23 ص 262.
(16) جواهر الکلام: ج 41 ص 551.
(17) نفس المصدر: ص 550.
(18) الوسائل: ج 18 ب 32 من أبواب مقدّمات الحدود ح 3.
(19) نفس المصدر: ح 1.
(20) الوسائل: ج 18 ب 17 من أبواب مقدّمات الحدود ح 2.
(21) نفس المصدر: ح 3.

 

أدلّة المانعین عن حجیّة علم القاضیضمان العاقلة فی قتل الخطأ
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma