أول: الحساب الجاری
لا إشکال فی جواز ومشروعیة الإیداع فی البنوک على نحو ما یسمّى بـ «الحساب الجاری»; لکونه من قبیل التملیک للمثل فی الذمّة، بعدما عرفت حقیقته وأنّه من قبیل العناوین الاعتباریة، وکونه من الاُمور المستحدثة لا یضرّ بصحته، فکم له من نظیر ! إذ کان یأتی أحدهم إلى التاجر الثقة ویودعه المال ویقول له: تصرّف فیه کیف شئت وادفع إلیّ مثله إذا احتجت إلیه، فالبنک مرکز عام لمثل هذا المعنى الخاصّ. وحیث إنّه لا یتعلّق بهذا القسم من الإیداع ربح، فلا یتوجه إلیه إشکال الربا وإن تصرّف فیه البنک بضروب المعاملات.
إنّما الکلام فی الربح الذی تعطیه بعض البنوک على هذا النوع من الحساب ترغیباً لأرباب الأموال فی الإیداع لدیها، فما حکم ما یؤخذ منها بهذا العنوان
أقول: إن کان العقد بین البنک وأرباب الأموال مبنیّاً على إلزام البنک نفسه بإعطاء الأرباح لأرباب الأموال وأنّه بنحو الاشتراط بین البنک وصاحب المال فهو ممّا لا شکّ فی حرمته; من جهة کونه رباً محرّماً، وإن کان بعنوان التعهّد الابتدائی ترغیباً لأرباب الأموال لم یکن فیه إشکال; لعدم التزام البنک بدفع الربح. والفارق بین هذین النحوین: هو أنّ لارباب الأموال حقّ المطالبة بالربح على الأوّل ولیس لهم ذلک على الثانی; لأنّ صاحب المال لا یرى لنفسه حقّاً یطالب به.
إن قلت: کثیراً ما یکون هذا الربح داعیاً إلى الإیداع فی البنوک، وهذا وإن لم یکن شرطاً صریحاً فی عقد افتتاح الحساب الجاری لکنّه شرط ضمنی قد بنی علیه العقد، فکأنّ البنک بعد إعلانه عن إعطاء الأرباح قد ألزم نفسه بالدفع لأرباب الأموال، ولولا هذا الداعی لم یودعوا أموالهم، فیکون هذا قرضاً ربویاً.
قلن: إنّ مجرّد الداعی لا یضرّ بصحّة الإیداع وأخذ الأرباح إن لم یکن العقد مبنیّاً على الاشتراط; إذ لا یرى المقرض ـ صاحب المال فی القرض ـ نفسه دائناً بالنسبة إلى الزیادة، ولا المستقرض یرى نفسه مدیناً بالنسبة إلیها، کمن یعلم أنّ المستقرض یعمل بما هو المستحبّ من دفع مزید شیء على القرض عند ردّه.
