قد عرفت أن الأحکام تحتاج إلى موضوع ترد علیه، ومتعلّق، تتعلّق به، وانهما قد یتحدان، وقد یفترقان، ففی مثل وجوب الصلاة، الموضوع والمتعلّق أمر واحد، وفی مثل شرب الخمر مختلفان، وذکر بعض الاُصولیین أن الموضوع أشبه شیء بالمعروض فی مقابل العرض، ولکنّه مجرّد تشبیه، وإلاّ فالأحکام اُمور اعتباریة لا مساس لها بالعرض الذی هو من الاُمور الحقیقیة.
وعلى کلّ حال، العنوان المأخوذ فی الموضوع قد یکون «عنواناً ثابتاً له مع غضّ النظر عن العوارض والطوارئ التی تتغیر الأحکام بها، فیسمى عنواناً أولیاً، واُخرى تکون من العوارض والطوارى التی قد یلحقها ویتغیر بها حکمه، فیسمى عنواناً ثانویاً.
وإن شئت فانظر إلى مثل لحم المیّتة وحرمتها، ثمّ الاضطرار إلى أکلها لبعض ما یرد على الإنسان، کالسفر إلى بلاد غیر المسلمین مع عدم التمکّن من ذبیحة المسلم، ومع عدم القدرة على ترک اللحم زماناً طویلاً للخوف على النفس.
فلحم المیّتة حرام ذاتاً بما أنها میّتة، ولکن عروض عنوان الاضطرار یوجب تغییر حکمها مؤقتاً، ثمّ بعد زواله یرجع إلى ما کان علیه، و کذا الکلام بالنسبة إلى حرمة الکذب، وإباحته أحیاناً لما فیه من اصلاح ذات البین، فالکذب عنوان ثابت أولى للحرمة لایتغیر من هذه الجهة ولکن عنوان «اصلاح ذات البین» أمر عارضی مؤقت یوجب إباحته فعلاً.
وکذا الواجب فی الوضوء هو مسح الرأس والرجلین، ولکن عروض عنوان التقیة قد یوجب تغییر حکمه وتبدله بالغسل، وإذا زالت التقیة زال حکمها.
وإن شئت قلت: قد ینقسم الشیء إلى أقسام، بذاته، کالماء المنقسم إلى الکر والقلیل والمتغیر بالنجاسة وغیر المتغیر والطاهر والنجس، وقد ینقسم باُمور خارجة عن ذاته کالماء المضطر إلى شربه وما لم یضطر، فمثل هذه العناوین، من العناوین الثّانویة.
فمن هذه الأمثلة الثّلاثة وما أشبهها وما ذکرنا فی صدر الکلام وذیله، یعلم حال العناوین الثّانویة واختلافها مع العناوین الأولیة ولانحتاج إلى مزید البحث فی ذلک.
