ورد فی کلمات فقهاء الإسلام الکبار بیان عدّة علل لتسمیة أقرباء القاتل الرجال لأبیه باسم «العاقلة» منه:
1 ـ یعتقد البعض انّ کلمة (العاقلة) مأخوذة من (العقل)، والعقل فی الأصل بمعنى «المنع»، أی کما انّ عقل الإنسان یمنعه من ارتکاب المخالفات، فالعاقلة أیضاً تمنع الجانی من تکرار ارتکاب هذا النوع من الخطأ، وتنصحه بالاحتیاط والتحفّظ، ولذا سمیت العاقلة بالعاقلة(1).
قد یقال: إنّ حکم العاقلة یرتبط بقتل الخطأ، وفی قتل الخطأ کما هو واضح لم یرتکب القاتل ما یخالف الاحتیاط، فانّ الحادثة وقعت صدفة، وعلیه فالحکمة المذکورة غیر صحیحة هنا، لأنّ القاتل لم یتعمد المخالفة حتى یُلام وینصح بعدم التّکرار.
فنقول فی الجواب: صحیح انّ قتل الخطأ المحض یقع صدفةً، ولکن الکثیر من المخالفات والجنایات غیر العمدیة تقع نتیجة لعدم الدقّة وعدم الاحتیاط، فالفلسفة المذکورة صحیحة، وهی تحدّ من وقوع مثل هذه الجنایات، والمراد منها بالضّبط هو دعوة الأفراد للتّدبّر والتّأنّی فی مثل هذه الموارد.
2 ـ یقول البعض: إنّ التّسمیة مأخوذة من «عقال»، وهو ما تربط به الإبل، وذلک انّ الناس سابقاً فی بعض البوادی کانوا یأتون بمائة بعیر ویعقلونها عند أولیاء دم المقتول خطأً، ومن هنا سمی أقرباء القاتل بالعاقلة(2).
3 ـ ویعتقد البعض الآخر أنّ سبب التسمیة بالعاقلة لأنّ أقرباء القاتل یعقلون ألسنة اللائمین، وذلک لأنهم بدفعهم الدّیة یمنعون أولیاء دم المقتول من توجیه اللوم والشماتة لهم(3).
4 ـ النّظریة الرّابعة مأخوذة من کلمات بعض الفقهاء واللغویین وهی أنّ رجلا فی الجاهلیة، لو قتل آخر، دافعت قبیلة القاتل عنه، ومنعت قبیلة المقتول من الإنتقام، بلا فرق فی أن یکون القاتل ظالماً متعمداً أو کان قتله خطأً وصدفة.
وعندما جاء الإسلام، ألغى مثل هذا التعصّب الجائر(4)، وأعلن انّ حمایة القبیلة لأفرادها حسن، ولکن لیس مطلقاً، وإنما یحق لهم حمایة القاتل فیما لو کان القتل خطأً محضاً، وذلک عن طریق دفع دیة المقتول.
وعلیه، سمیت العاقلة عاقلة لأنّها تمنع قبیلة المقتول من الإنتقام الجائر.
وینبغی الالتفات إلى هذه النّکتة، وهی أنّه فی بحث التسمیة وبیان عللها، لا یشترط أن یکون هناک إرتباط تامّ بینهما کالإرتباط الحاصل بین العلّة والمعلول، أی إرتباطاً حقیقیاً تکوینیاً، بل یکفی أن یکون الارتباط معقولا. (تأملوا جیداً).