(3) أثر العناوین الثانویة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
بحـوث فقهیة مهمّة
(2) أقسامها(4) نسبة أدلّة العناوین الثانویة إلى الأولیّة

إنّ للعناوین الثانویة أثراً کبیراً فی ازدهار الفقه الإسلامی وتطّوره وانطباقه على الحاجات البشریة، فکم من معضلة انجلت بفضلها ! وکم من مشکلة انکشفت فی ضوئها !

 

توضیح ذلک: إنّ هنا إشکالاً حاصله أنّ الحاجات البشریة متغیرة باستمرار، وما من زمان جدید إلاّ وفیه حاجة جدیدة، والمسائل الاجتماعیة فی حال تبدل دائم، فکیف تنطبق هذه المتغیرات على الأحکام الثابتة الشرعیة التی حلالها حلال إلى یوم القیامة وحرامها حرام کذلک

 

وکذلک إنّ أحکام الإسلام ثابتة، وحاجات الإنسان متغیرة بحسب الزمان والمکان، وتطبیق أحدهما على الآخر غیر ممکن، فالإشکال لا ینحصر بخاتمیة الإسلام بل یجری ولو فی دین یبقى آلاف أو مئات من السنین; لتطور حیاة الإنسان فی ألف سنة قطعاً بل وفی مئات من السنین.

 

ویجاب على ذلک باُمور متعددة: منها إنّ کثیراً من هذه الاُمور المتغیّرة ینحلّ بفضل القواعد الکلّیة الموجودة فی الکتاب والسنّة التی لها عرض عریض، کقوله تعالى: (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)(1) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَیعْ)(2) و (الصُّلْحُ خَیْرٌ)(3)، وکقوله (صلى الله علیه وآله)«المؤمنون عند شروطهم»(4)، فإنّها تشمل جمیع أبواب المعاملات والعقود المستحدثة بین الأفراد بل الدول أیضاً، وکقوله تعالى: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ کُونُواْ قَوَّامِینَ بِالْقِسْطِ)(5)، فالقیام بالقسط فی المجتمع له عرض عریض یشمل جمیع أنحائه إلاّ ماخرج بالدلیل. وکقاعدة البراءة وقبح العقاب بلا بیان، فإنّها توجب الترخیص فی جمیع ما یحدث من الاُمور ممّا لم یرد فیها منع من الشرع والعقل کجمیع المخترعات المستحدثة طوال القرون والأعصار ومن جملتها أنواع الریاضات والعلوم والفنون هی من هذا القبیل، وکذا قاعدة کلّ ما حکم به العقل حکم به الشرع.

 

هذا، وکثیر من هذه الاُمور مندرج فی ظلّ العناوین الثانویة، وبفضلها ینحلّ کثیر من عقدها ومعضلاتها، وهذه العناوین ـ کما عرفت ـ کثیرة جدّاً، وکلّ واحد منها له عرض عریض ومصادیق کثیرة تشمل جوانب وسیعة من حیاة الإنسان، فهذه العناوین وإن کانت ثابتة على کلّیتها ولکن مصادیقها متغیّرة.

 

وإن شئت قلت: اُصول حوائج الإنسان ثابتة وهی فطریة طبیعیة وإن کانت أشکال قضائها مختلفة، مثلاً إنّ للإنسان حاجة طبیعیة فطریة إلى الطعام والکسوة والمسکن وعلاج الأمراض، وکذا له حاجة إلى العلم والصناعة والزراعة والترفیه المزیل لأتعاب الحیاة ومرارتها، هذه اُصول ثابتة، ولکن تتغیر طرق إشباع هذه الحوائج، فأصلها ثابت وفروعها متغیرة. وکذا قوانین الإسلام لها اُصول ثابتة موافقة للفطرة وفروع متغیرة على مرّ الدهور والأیام مندرجة ضمن العناوین الثانویة، وکثیر من المسائل المستحدثة تنحل بواسطتها.

 

إذا عرفت ذلک فلنرجع إلى کیفیة الاستناد إلى العناوین الثانویة فی حل هذه المسائل، وإلیک نماذج منه:

 

1 ـ مسألة إحداث الشوارع فی البلاد، ممّا یوجب تخریب البیوت بغیر إذن مالکیها. توضیح ذلک: لا شکّ أنّه لایمکن لأحد فی العصر الحاضر الاکتفاء بوسائل النقل القدیمة وصرف النظر عن الوسائل السریعة الجدیدة سواء لنقل الأشخاص أو الأمتعة الاثقال.فلو اجتمعت اُمة من الاُمم على رفضها وطیّ المسافات داخل المدن وخارجها بواسطة الجمل أو الفرس وشبههما،وترک المکائن الحدیثة الجدیدة فی الصناعة والزراعة وغیرها، ورفض استخدام الآلات الحربیة الحدیثة لکانت من أذل الاُمم وأفقرها وأقلّها قدرة وأشدها حاجة إلى الغیر، ولم یستقر لهم حجر على حجر. وهذا مخالف لقول الله تعالى: (وَ أَعِدُّواْ لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم مِن قُوَّة)(6)، وقوله: (وَ لَن یَجْعَلَ اللهُ لِلْکَافِرِینَ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلاً)(7)، وقوله (علیه السلام): «الإسلام یعلو ولا یعلى علیه»(8).

 

وإذا تعیّن استعمال الوسائل الحدیثة وادوات النقل الجدیدة وهذه المصانع والأسلحة الثقیلة وجب إحداث طرق تستوعبها; إذ لایمکن الاستفادة منها فی الطرق والشوارع الضیقة القدیمة، هذا من ناحیة.

 

ومن ناحیة اُخرى لایجوز تخریب بیوت المسلمین والتصرّف فی أموالهم بغیر إذنهم; لما ثبت بالعقل والنقل أنّه لا یحلّ لأحد أن یتصرّف فی مال غیره إلاّ بطیب نفسه، فإذا دار الأمر بین الأول والثانی دخل فی قاعدة الأهم والمهم ووجب الأخذ بالأهم وترک المهم.

 

ومن الواضح أنّ حفظ عزّة المسلمین وعظمتهم أهم، ولکن یجوز ذلک بالمقدار الواجب، فیجب تدارک خسارات البیوت التی تقع فی الشوارع المستحدثة، وتنحلّ هذه العقد بفضل القاعدة المذکورة; فإنّ الذهاب والإیاب والعبور والمرور مع هذه الوسائل إن کان خالیاً عن النظم اللازم حدث قطعاً کلّ یوم حوادث مؤلمة من هلاک النفوس وجرحها وتلف الأموال والثروات، فمن باب مقدمة الواجب ـ أعنی حفظ النفوس والأموال بل حفظ نظام المجتمع ـ یجب وضع مقرّرات للمرور، وهذا ـ أعنی حفظ مقدمة الواجب عنوان آخر من العناوین الثانویة، ومن المعلوم وجوب اتّباع هذه الضوابط إذا شرعتها الحکومة الإسلامیة أو أمضتها بعد إنشائها من جهة غیرها.

 

2 ـ حفظ النفوس المحترمة واجب، وقد یکون التشریح مقدمة له، وقد لاتوجد أجساد غیر المسلمین لهذا الأمر، فلا مناص من تشریح أجساد المسلمین، فیدور الأمر بین هتک حرمة هذه الأبدان وترک حفظ النفوس، ومن الواضح کون الثانی أهمّ، ولکن لابدّ أن یکون ذلک بالمقدار اللازم، فیجب الاقتصار علیه وعدم التعدّی عنه.

 

3 ـ فی الخسارات الناشئة عن الجنایات العمدیة أو الخطأ، فقد یحتاج جبرها إلى مصارف کثیرة جدّاً أکثر من مقدار الدیة بمراتب.

 

ولقائل أن یقول: إنّ قاعدة لا ضرر تقتضی جبران هذه الخسارات، وکیف یمکن القول بوجوب تحمّلها من ناحیة المجنی علیه مع أنّه لا ضرر ولا ضرار فی الإسلام !

 

4 ـ ما یضرّ بالزوجة من ناحیة الزوج بحیث یکون بقاؤها فی بیته حرجاً شدیداً وعسراً أکیداً، مثل: سمعت أنّ هناک رجلاً قد أرتکب جنایات کثیرة تبلغ 18 جنایة من السرقة والفحشاء وهتک الأعراض والنفوس و...، فبقاء الزوجة معه والحال هذه أمر متعذّر.

 

إن قلت: إنّ قاعدتی لا ضرر ولا حرج إنّما تنفیان الأحکام الضرریة والحرجیة ولا تثبتان شیئاً من الأحکام، مثل جواز الطلاق لحاکم الشرع أو تدارک خسارة المجنی علیه أو نحو ذلک.

 

قلن: قد ذکرنا ذلک فی محلّه وأجبنا عنه.

 

إلى غیر ذلک من أشباه هذه المسائل التی سنتکلم فیها إن شاء الله مفصّلاً، فإنّ المقام مقام الإیجاز.

 

بقی هنا اُمور یجب التنبیه علیه:

 

التنبیه الأول: إنّ العناوین الثانویة على قسمین: قسم منها مبنی على الضرورات، فهی تتقدّر بقدرها ولا یجوز أن یتعدى عن موردها ـ بحسب الزمان والمکان وسائر الخصوصیات ـ إلى غیرها مثل مسألة جواز أکل المیتة فی المخمصة وما یحذو حذوها. وقسم آخر لیس من هذا القبیل، فقد یبقى مدى الدهور والأعصار، مثل جواز التشریح فی أعصارنا فی الجملة، وجواز إیجاد بعض الشوارع، والمحافظة على قوانین المرور.

 

ولابدّ فی القسم الأول ـ أی الضرورات وما یضطرّ إلیها ـ من تعیین حدود الموضوع، ولیس ذلک على عاتق الفقیه، بل فتواه تکون کلّیة تشمل الموضوع المفروض وجوده.

 

نعم، قد یتصدّى الفقیه لتطبیق الحکم الاضطراری على موضوعه بما أنّه ولیّ أمر المسلمین ویحکم حکماً خاصاً على موضوع خاص، ولکن لیس ذلک بما أنّه مقنّن، بل بما أنّ له ولایة الأمر، کما هو کذلک فی الحکم المعروف من السید السند العلاّمة الشیرازی ـ المرجع الدینی الأعلى فی زمانه ـ فی استعمال التنباک وأنّه بحکم المحاربة لإمام العصر صاحب الزمان (عج)، فالفتوى هنا أنّ کلّ ما یکون سبباً لضعف المسلمین وتقویة شوکة المعتدین فهو حرام من باب أنّه مقدمة الحرام أو إعانة على الإثم، فهذه هی الفتوى الکلّیة فی المسألة، أما تطبیقها على خصوص التنباک فی تلک البرهة من الزمان فهو من باب حکم الفقیه والولایة الإلهیة.

 

هذا، ومن الواضح أنّ الضرورات اُمور قسریة استثنائیة لا تدوم وإنّما یحتاج إلیها فی برهة خاصة من الزمان وإن کان قد یتفاوت ذلک طولاً وقصراً.

 

ومن هنا یعلم أنّه لا یمکن بناء أکثر القوانین فی زمن طویل على الضرورات; فإنّ معنى هذا حینئذ أنّ عصر الشریعة الإسلامیة قد انقضى، فإنّ أحکامه الأولیة غیر قابلة لإدارة شؤون المجتمع، ولذا فهو یلجأ دائماً إلى المستثنیات لمعالجة ذلک.

 

وإن شئت قلت: الأحکام الثانویة کلّها تدور على موضوعاتها، فإذا انتفت انتفت، وموضوع الضرورة والاضطرار أمر عارضی غالباً ما ینتفی بعد مضی زمن ولایبقى مدى الأعصار والقرون عادة، فبناء غالب أحکام الدین علیها لایناسب خلود الشریعة وقدرتها على إدارة الحیاة وحل معضلاتها.

 

التنبیه الثانی: قد یقع الإفراط والتفریط فی الاعتماد على العناوین الثانویة، فیؤخذ بالضرورة والاضطرار فی کلّ شیء فیه کلفة ما، مع أنّ غالب الاُمور فی حیاة الإنسان لا تخلو عن کلفة، وجمیع التکالیف فیها کلفة ما; ولذا سمّی تکلیفاً، فلا یمکن رفع الید بمجرّد ذلک والحکم بحلّیة کلّ محرّم; لأنّ فی ترکه کلفة یسیرة وإلاّ انفتح باب ارتکاب الکبائر والصغائر على الناس، وقد رأینا بعض مَن لا خبرة له بالأحکام وموضوعاتها فی عصرنا هذا یتوقّع ارتفاع الحرمة عن الکبائر والصغائر بمجرّد أدنى ضرورة خفیفة، ولو کان الأمر کذلک فعلى الإسلام السلام.

 

وبالعکس نرى بعض الأفراد یوسوس فی جریان لا ضرر فی أبواب النکاح وغیرها، وکذا لایرى کفایة العسر والحرج الشدید فی تجویز بعض الممنوعات، مع ما ورد من أنّه ما من شیء حرّمه الله إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إلیه(9)، قال الله تعالى: (وَ مَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِى الدِّینِ مِنْ حَرْج)(10)، ومفهوم الدین واسع جدّاً.

 

التنبیه الثالث: هناک أربعة أقسام من الحکم:

 

1 ـ الحکم الجاری على العناوین الأولیة کوجوب الصلاة وحرمة الخمر.

2 ـ الحکم الجاری على العناوین الثانویة کوجوب المقدمة ونفی الضرر والضرار.

3 ـ أحکام القضاء فی الخصومات.

 

4 ـ الأحکام الناشئة عن ولایة الفقیه.

 

والقسمان الأولان أحکام کلّیة ترتبط بالفتوى. والثالث أحکام خاصة جزئیة حاصلة من تطبیق تلک الأحکام الکلّیة على مواردها ومصادیقها فی بابالخصومات.. والرابع أیضاً أحکام جزئیة حاصلة من تطبیق الأحکام الکلّیة على مصادیقها فی ما یرتبط بالحکومة وتدبیر اُمور المسلمین وکلّ ما لیس له مسؤول خاصّ من اُمور الغیّب والقصّر وما أشبه ذلک.

 

ولاشکّ أنّ جواز فصل الخصومة بین المسلمین بالقضاء حکم أولی، کما أنّ ولایة الفقیه فی حدّ ذاتها من الأحکام الأولیة، ولکن القاضی قد یعتمد فی قضائه على الحکم الأولی لفصل الخصومة فی أبواب الإرث، وقد یعتمد على العنوان الثانوی کطلاق المرأة المسلمة من باب العسر والحرج الشدید الذی لا یتحمّل عادة، کذلک الولی الفقیه قد یعتمد فی أحکامه ـ مثل الحکم بقتال الکفّار المهاجمین لحوزة الإسلام ـ على الأحکام الأولیة، فیتصدّى لتطبیق تلک الأحکام الکلّیة الواردة فی مسألة الدفاع مثلاً على موردها، ویبیّن ساعة القتال ومکان الشروع فیها واُمراء الجیش وسائر الاُمور الجزئیة الخاصة بهذه الحرب، واُخرى یعتمد فی حکمه على العناوین الثانویة، مثلاً یرى استعمال التنباک فی برهة من الزمان من قبیل مقدمة الحرام أو الإعانة على الإثم ویحکم بحرمته.

 

والحاصل: إنّ الأوّلین حکمان کلّیان یرجعان إلى الفتاوى، والأخیرین حکمان جزئیان یعتمدان على الأولین. وإلاّ فلا یقول أحد من علماء الشیعة بجواز تشریع أحکام کلّیة مخالفة للعناوین الأولیة والثانویة الواردة فی الشرع من ناحیة الفقیه.

 

وإن شئت قلت: إنّ النبیّ الأعظم (صلى الله علیه وآله) له مناصب ثلاثة: منصب النبوة والرسالة، ومنصب إمامة الاُمة، ومنصب القضاء. وکذلک الأئمّة (علیهم السلام) لهم مناصب ثلاثة: منصب تبیین الأحکام، ومنصب القضاء، ومنصب الإمامة وتدبیر أمر الاُمة.

 


(1) المائدة: 1.
(2) البقرة: 275.
(3) النساء: 128.
(4) مستدرک الوسائل: ج 13 ص 301 ب 5 من التجارة ح 7.
(5) النساء: 135.
(6) الأنفال: 60.
(7) النساء: 141.
(8) الوسائل: ج 26 ص 125 ب 15 من میراث الأبوین ح 2.
(9) الوسائل: ج 4 ص 273 ب 13 من لباس المصلّی ح 6. ولفظ الحدیث: «لیس شیء ممّا حرّم الله إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إلیه».
(10) الحجّ: 78.

 

(2) أقسامها(4) نسبة أدلّة العناوین الثانویة إلى الأولیّة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma