إذا عرفت هذا، فیأتی الکلام فی أنّه ما هی النسبة بین الدلیلین: دلیل وجوب الأضحیة، ودلیل حرمة التبذیر أو الإسراف؟
فإن قلن: إنّ دلیل وجوب الأضحیة لا إطلاق له بالنسبة إلى المصادیق الفعلیة ممّا تدفن أو تحرق فتتلف ـ کما هو الحق ـ فلا کلام ولا إشکال. وإن قلن: له إطلاق یشمل ما نحن فیه، فإن کانا من قبیل المتعارضین کانت النسبة بینهما العموم والخصوص من وجه، واللازم تقدیم عمومات الإسراف; لأنّها أقوى دلالة على المطلوب، فإنّ الأضحیة فی یومنا هذا من أظهر مصادیقه، وأمّا أدلّة الأضحیة فإطلاقها أضعف منها بالنسبة إلى ما نحن فیه; لأنّه من أخفى مصادیقه.
سلّمنا أنّهما متساویان من حیث القوّة والضعف والظهور والخفاء، ولکنّ اللازم حینئذ التساقط فی محلّ الاجتماع، فیرجع إلى الاصول العملیة، والأصل العملی فی المقام هو البراءة، لأنّه من قبیل الأقل والأکثر الارتباطیین، والمعروف بین المعاصرین والقریبین من عصرنا إجراء البراءة فیه، وهو الأقوى، فیسقط الأمر بالأضحیة هنا، وإن کان الاحتیاط فعلها فی محلّ آخر لایحصل من الأضحیة فیه الإسراف والتبذیر.
هذاکلّه إذا قلنا إنّهما یتعارضان، وإن قلنا إنّ هذین من قبیل المتزاحمین، وأنّ ملاک الأضحیة موجود فی مثل هذه الأضاحی، کما أنّ ملاک الإسراف أیضاً موجود فیها، فاللازم الأخذ بأقوى الملاکین، ولا دلیل على أنّ ملاک الأضحیة أقوى، بل الأمر بالعکس. ولکنّ الإنصاف أنّ المقام لیس من قبیل المتزاحمین، فإنّ وجود ملاک الأضحیة فی المقام دعوى بلا دلیل، فاللازم معاملة المتعارضین معهما.
إن قیل: وجود ملاک الإسراف أیضاً دعوى بلا دلیل.
قلن: یلزم هذا الکلام الشکّ فی وجود أحد الملاکین إجمالا، وهذا اعترف بخروج المقام عن بحث التزاحم ودخوله فی مسألة التعارض، فیعود الکلام السابق فیه.
هذا کلّه بناءً على شمول المماشاة، وإلاّ قد عرفت أنّه لا ینبغی الشکّ فی عدم شمول إطلاقات الأضحیة للموارد التی لا تصرف فیها لحوم الأضاحی فیما یلزم صرفها فیه مع قطع النظر عن دلیل الإسراف، ومع ملاحظته فالأمر أوضح.
