الأوّل: منصب الافتاء

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
بحـوث فقهیة مهمّة
حدود وصلاحیات الفقیهالمنصب الثّانی: القضاء والحکم بین الناس

قال شیخنا الأعظم فی مکاسبه:

 

«للفقیه الجامع للشرائط مناصب ثلاثة أحده: الافتاء فیما یحتاج إلیها العامی فی عمله، ومورده المسائل الفرعیة والموضوعات الاستنباطیة من حیث ترتب حکم شرعی علیها».

 

أقول: الافتاء کما أنه من مناصب الفقیه فإنه من وظائفه أیضاً، ویجب علیه وجوباً کفائیاً، وللعوام أن یقلدوه، ولابأس بالإشارة إلى دلیل جواز التقلید هنا إجمالاً وإن کان شرحه سیأتی لاحقاً.

 

والعمدة فیه قبل الآیات والروایات سیرةً العقلاء عموماً، وسیرة أهل الشرع خصوصاً فی رجوع الجاهل إلى العالم، والأولى حجّة بعد إمضاء الشرع ولو بعدم الردع، والثّانیة حجّة من دون حاجة إلى أمر آخر.

 

أمّا الأولى فهی ظاهرة لمن نظر فی اُمور العقلاء، لأنّ المتداول بینهم منذ قدیم الأیّام إلى حدیثها، ومن أرباب الدیانات إلى غیرهم، رجوع کلّ جاهل فی علم وفن إلى عالمه، لاتجد له نکیراً ولا تسمع فیه خلافاً.

 

والسرّ فیه أن العلوم والفنون کثیرة، متشعبة بشعب مختلفة، لایقدر کلّ إنسان ـ أی إنسان کان ـ على الاجتهاد فی جمیعها، بل ولا فی عشر من اعشارها، ولذا قد یکون مجتهداً فی علم أو علمین، فی فن أو فنین دون غیرها، فالطریق له هو الأخذ بقول من هو مجتهد فیها، فالمهندس یرجع إلى الطبیب إذا مرض، کما أن الطبیب یرجع إلیه إذا أراد بناء بیت أو مستشفى، ولا یستغنی أحدهما عن الآخر وکذا أرباب الحرف والصنایع والمهن وهذا أمر واضح.

 

وأمّا العمل بالاحتیاط فغیر ممکن إلاّ لبعض المتمیزین من أهل الفضل، ولا فی جمیع المسائل، فإن الأمر فی بعضها یدور بین المحذورین لابدّ من الاجتهاد فیها، کما إذا نذر الصوم فی السفر لایدری أنه صحیح حتّى یکون واجباً أو باطل حتّى یکون حراماً، وکذا إذا حکم الحاکم بأن الیوم، یوم عید، فإن قلنا باعتبار حکم الحاکم فی الهلال فیحرم علیه الصیام، وإلاّ فیجب علیه إلى غیر ذلک من أشباهه.

 

وما قد یقال ـ کما قال به فئة قلیلة ـ إن التقلید حرام وأنه یمکن لجمیع الناس الرجوع إلى کتاب الله وکتب الحدیث وأخذ الأحکام فیها والعمل بها، فاسد جدّاً، لایمکن التفوه به إلاّ من غافل عن کیفیة استنباط الأحکام من الکتاب والسنّة، فإنه یحتاج إلى معرفة اللغة والعلوم الأدبیة والتفسیر والحدیث والرجال وعلم الاُصول وغیر ذلک، ومعرفة الناسخ من المنسوخ، والحاکم من المحکوم، والعامّ من الخاصّ، والمطلق من المقیّد، ومعرفة أحکام المتعارضین، وطریق الجمع بینهما، وکیف یقدر جمیع الناس على ذلک، حتّى إذا فرضنا إقبالهم على الفقه وترک جمیع التجارات والزراعات والصنایع والحرف، الذی یؤدّی إلى اختلال النظام، لعدم استعداد جمیعهم لذلک، حتّى یشاهد فی بعض الحوزات العلمیة اُناس یدرسون أکثر من عشرین سنة لم یبلغوا مرتبة الاجتهاد ولو فی مسألة واحدة فقهیة، فکیف بغیرهم، والحقّ إن الاجتهاد أشد من طول الجهاد کما أشار إلیه شیخنا الأعظم الأنصاری فی بعض کلماته.

 

وهل یقدر جمیع الناس إذا مرضوا بأمراض مختلفة أن یراجعوا بأنفسهم الکتب الطبیة ویعملون بما فیها؟ وکذا إذا أرادوا بناء دار أو مدرسة أو سوق أو غیرها یطالعون کتب الهندسة ویستغنون بها عن مراجعة أهل الخبرة، وهذا أمر واضح ظاهر.

 

وأمّا سیرة أهل الشرع: فقد استقرت منذ زمن النبی (صلى الله علیه وآله) على رجوع الناس فی المسائل الشرعیة إلى فقهاء الأمة، فکان (صلى الله علیه وآله) إذا فتح بلداً أرسل إلیه أمیراً وقاضیاً، فالأمیر لنظم البلد، والقاضی للفتوى والقضاء، ولم یکن القضاء فی تلک الأیّام أمراً مستقلاًّ عن الافتاء، فإذا جهلوا بالحکم سألوه عنه، وإذا اختلفوا وتنازعوا فی الحقوق رجعوا إلیه للقضاء بینهم.

 

وقد کان بعضهم جامعاً بین مقام الامارة والفتوى وإن کان هذا قلیلاً بینهم، ومن هنا یتضح حال مقبولة عمر بن حنظلة وأنه لا عجب أن یکون صدره فی القضاء وذیلها فی الافتاء.

 

ثمّ إنه لمّا اتسع نطاق الفقه والعلم انفصل مقام القضاء عن الافتاء، فقد کان هناک فقهاء عارفون بالأحکام یراجعهم الناس فی کلّ بلد وإن لم یکونوا من القضاة فقد قال الصادق (علیه السلام) ـ کما فی الحدیث ـ لبعض أصحابه: «أحب أن تجلس فی مسجد المدینة وتفتی الناس».

 

نعم، الاجتهاد فی تلک الأعصار کان بسیطاً جدّاً بالنسبة إلى عصرنا هذا، یکفیه معرفة اللغة ومعرفة الحدیث والروایة وحکم التعارض بین الأحادیث وشبه ذلک.

 

وما قد یتوهّم أن الاجتهاد والاستنباط لم یکن فی تلک الأیّام بل کانوا یکتفون بنقل الأحادیث المأثورة باطل جدّاً، لأن الأحادیث کانت متعارضة، وکلمات أهل اللغة فی تفسیر بعض الآیات کانت متضاربة، إلى غیر ذلک ممّا یحتاج إلیه فی الإحاطة بمسائل الاُصول والفقه واللغة وغیرها، ومن ینکره إنّما ینکره باللسان وقلبه مطمئن بالإیمان.

 

هذا کلّه بالنسبة إلى الأحکام.

 

أمّا الموضوعات: فهی على أقسام ثلاثة:

 

1 ـ الموضوعات المستنبطة: کالمرکبات الشرعیة مثل الصلاة والصیام والحجّ التی تستفاد أجزائها وشرائطها من أدلّة الشرع، وفی الحقیقة البحث عن هذه الموضوعات یعود إلى البحث عن أحکام أجزائها وشرائطها وموانعها، وقد حقّق فی محلّه أن هذه الاُمور منتزعة عن الأحکام الشرعیة الواردة فی مواردها من الأمر والنهی، لا أنها مجعولة بذاتها، فالتقلید فیها تقلید فی الأحکام واقعاً.

 

2 ـ الموضوعات العرفیة غیر المستنبطة، وهی على قسمین: قسم منها ظاهرة واضحة یقدر المقلّد على معرفتها کالماء المطلق والمضاف والدم والبول وأشباهها، ولاشکّ أن معرفة حالها بید المقلّد الذی هو من أهل العرف، حتّى لو خالف علمه علم المرجع والمفتی یعمل بعلمه، ولایعتنى بقوله، والوجه فیه أنه لا فرق فی ذلک بینه وبین مرجعه، فإذا خالفه فی علمه بالموضوع لزمه العمل بعلم نفسه فقط. وقسم آخر الموضوعات العرفیة الخفیة ممّا تحتاج فی فهمها وفهم مصادیقها إلى دقة النظر، وسلامة الذوق، والممارسة والإحاطة بهذه الاُمور، فهذا أیضاً یرجع المقلّد فیه إلى مجتهده، وکثیر من المسائل الفرعیة فی الکتب الفقهیة والرسائل العملیة من هذا القبیل، فلیس فیها کشفاً لحکم شرعی، واستنباطاً من الأدلة الشرعیة، بل یکون من قبیل تطبیق الکلی على افراده، وتعیین الموضوعات الخفیة ولو لم یجز التقلید فی أمثالها کان ذکر هذه الفروع فی الرسائل العملیة لغواً بل اغراءً بالجهل.

 

مثلاً فقد ورد فی غیر واحد من الأحادیث أن السجود جائز علىالأرض وما انبتت إلاّ ما أکل ولبس(1).

 

والحکم مطلق واللفظ عام شامل ومفهومه ظاهر، ولکن مع ذلک فقد وقع الشک فی شمولها لبعض الأمر کقشر الفواکه والأدویة والعقاقیر والشای قبل اان یطبخ وما یکون مأکولاً فی بلد دون بلد، أو ملبوساً کذلک، وکذا فی ما لیس کذلک بالفعل ولکن یکون مأکولاً أو ملبوساً بالقوّة، إلى غیر ذلک من الفروع الکثیرة التی أوردوها فی الکتب، ولا یقدر العامی على استنباط أحکامها، فعلى الفقیه ملاحظة حال هذه الفروع و صدق هذین العنوانین علیها وعدمه، فإن غالب العوام غیر قادرین على الدقة فی هذه الاُمور، ولکن الفقیه لمزاولته هذه الفروع وأمثالها قادر على أخذ حقیقة هذه الاُمور من أعماق أذهان أهل العرف وردها إلیهم، ولا عجب فی ذلک فتدبّر جیداً.

 

وکذلک لاشکّ أن مسافة القصر ثمانیة فراسخ کما دلت علیه النصوص، ولکن فی صدقها على الثمانیة الدوریة أو المرتفع فی الجو أو فی أعماق الأرض غموضاً یتصدى لرفعه الفقیه.

 

وکذا یظهر من بعض الروایات کفایة المحاذات للمواقیت وافتى به الأصحاب، ولکن وقع الکلام فی أن المواقیت الخمسة (مسجد الشجرة والجحفة وقرن المنازل ویلملم والعقیق) محیطة بالحرم یحیث ینتهی کلّ طریق إلى أحدها، أو ما یحاذیها أو لا تکون کذلک، حتّى یقع الکلام فی حکم مثل هذا الشخص وأنه هل یجب علیه الأحرام من أدنى الحلّ أو غیرها، فهذا وإن کان من الموضوعات الخارجیة ولکن إدراکها لأکثر العوام مشکل، فعلى الفقیه بذل الجهد فیه ولو بالرجوع إلى أهل الخبرة ثمّ الفتوى بما تقتضیه الأدلّة بعد إحراز الموضوع، إلى غیر ذلک ممّا هو کثیر.

بقى هنا شیء ـ وهو أنه هل الافتاء للفقیه من المناصب أو من الأحکام کلام شیخنا الأعظم صریح أنه من المناصب کالقضاء والولایة، ولازمه أن یکون موکولاً إلى نصب ولی الأمر، ولکن لا دلیل علیه بل ظاهر الآیات مثل آیة الذکر وغیرها والروایات الکثیرة مثل قوله «فللعوام أن یقلدوه» وغیرها کونه حکماً، فالجاهل فی جمیع الحرف والصنایع والمهن یرجع إلى العلماء فیها من دون حاجة إلى نصبهم لهذا المنصب من طریق الحکومة، وکذلک فی أحکام الدین.

 


(1) راجع الوسائل: ج 3 ب 1 من أبواب ما یسجد علیه ص 591.

 

حدود وصلاحیات الفقیهالمنصب الثّانی: القضاء والحکم بین الناس
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma