ثانی: أدلّة الطرفین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
بحـوث فقهیة مهمّة
أوّل: عنوان المسألةثالث: تفاوت الظروف

أمّا أدلّة القائلین برجحان الکثرة فهی آیات من الذکر الحکیم وروایات کثیرة.

 

أمّا الآیات:

 

فمنه: ما عرفت فی قصّة نوح بما مضى من البیان.

 

ومنه: ما ورد فی قصّة بنی إسرائیل، وأنّ الله منَّ علیهم بزیادة الأموال والبنین، فقال تعالى: (وَ أَمْدَدْنَاکُم بِأَمْوَال وَ بَنِینَ وَ جَعَلْنَاکُمْ أَکْثَرَ نَفِیراً)(1)، فکونهم أکثر نفیراً فذلک من نِعم الله علیهم.

 

ومنه: ما ورد فی قصّة قوم هود فقال تبارک وتعالى: (أَمَدَّکُم بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّکُم بِأَنْعَام وَ بَنِینَ)(2).

 

ومنه: أنّه قد ورد فی أکثر من عشر آیات من الذکر الحکیم أنّه جعل الأموال والأولاد قرینین، وهی تدلّ على أنّ کلیهما سبب للقوّة والقدرة: أمّا الأوّل فهو سبب للقدرة الاقتصادیة وأمّا الثانی فهو سبب للقدرة الإنسانیة والبشریة، وکلّ واحد منهما یکمل الآخر کما لایخفى.

 

فجمیع ذلک دلیل على أنّ کثرة الأولاد سبب للقوّة والعزّة والشوکة.

 

وأمّا الروایات: فهی أیضاً کثیرة، ویمکن تقسیمها إلى قسمین:

 

الأوّل: وهو القسم الغالب: ما یدلّ على کون الولد من العطایا الإلهیة والنِعم المبارکة. ولکنّها خارجة عن المقصود; لأنّ الکلام لیس فی صِرف وجود الولد، بل الکلام فی کثرة الأولاد. فالاستدلال بهذه الروایات خروج عن طور البحث(3).

 

الثانی: ما یدلّ على أنّ کثرة الولد مطلوبة.

 

1 ـ منه: ما رواه فی الوسائل فی أبواب أحکام الأولاد، عن محمّد بن مسلم، عن الصادق (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله علیه وآله): أکثروا الولد اُکاثر بکم الاُمم غداً»(4).

 

2 ـ ومنه: ما ورد فی روایة اُخرى عن محمّد بن مسلم أو غیره عن أبی عبدالله (علیه السلام)قال: «قال رسول الله (صلى الله علیه وآله): تزوّجوا فإنّی مکاثر بکم الاُمم غداً فی القیامة»(5).

 

3 ـ ومنه: ما ورد فی باب رفع الصوت بالأذان فی المنزل لطلب کثرة الولد، عن هشام بن إبراهیم أنّه شکا إلى أبی الحسن (علیه السلام) سقمه وأنّه لا یولد له، فأمره أن یرفع صوته بالأذان فی منزله، قال: ففعلت فأذهب الله عنّی سقمی وکثر ولدی(6).

وصدره ناظر إلى مجرّد تولّد الأولاد، ولکن ذیله ناظر إلى کثرتهم.

 

4 ـ ومنه: ما ورد فی مَن رزقه الله ثمان بنات من دون بنین فشکا الى الإمام الصادق (علیه السلام) فأمره بأمر ففعله، فرزق سبع بنین(7).

 

والعمدة الروایتان الأولیان; لأنّ الأخیرتین لا تخلوان من ضعف فی الدلالة، وهذه عمدة فی هذا الباب.

 

وقد یلاحظ على الآیات والروایات الآنفة الذکر، بأنّها لیست من قبیل القضایا الحقیقیة التی تجری فی کلّ زمان، بل من قبیل القضایا الخارجیة. بمعنى أنّها ناظرة إلى زمان کانت کثرة الأولاد دلیلاً على القدرة والشوکة، بحیث کانت الأقوام تتفاخر بکثرة الأموال والأولاد مثل ما حکاه الله تبارک وتعالى عن المترفین فی الاُمم السالفة بقوله: (وَ مَا أَرْسَلْنَا فِی قَرْیَة مِن نَذِیر إلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا بِمَا اُرْسِلْتُم بِهِ کَافِرُونَ * وَ قَالُوا نَحْنُ أَکْثَرُ أَمْوالاً وَ أَوْلاداً وَ مَا نَحْنُ بِمُعذَّبِینَ)(8). فهذا دلیل على أنّ الأمر فی کثیر من الاُمم الماضیة کان کذلک; أی کانت کثرة الأولاد مثل کثرة الأموال سبباً لازدیاد القوّة والاقتدار.

 

وکقوله تبارک وتعالى فی مقام تهدید المنافقین فی سورة التوبة: (کَالَّذِینَ مِن قَبْلِکُمْ کَانُوا أَشَدَّ مِنکُمْ قُوَّةً وَ أَکْثَرَ أَمْوالاً وَ أَوْلاَداً)(9)، وهی صریحة فی أنّ کثرة الولد والمال کانت من أسباب القوّة والقدرة.

 

وقال تعالى أیضاً فی سورة القصص مشیراً إلى قارون المستکبر: (أَوَلَمْ یَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَکَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَکْثَرُ جَمْعاً)(10). وهذه الآیة تدلّ على أنّ کثرة الجمع أمر قرین للقوّة.

 

وحینئذ لو ثبت لنا بالأدلّة القطعیة أن کثرة النفوس فی بعض الأزمنة توجب الضعف والوهن والفقر والجهل والمرض والبطالة، فلا تکون امراً یفتخر به، بل تکون سبباً للتوانی والفشل. وبذلک تخرج عن شمول تلک الآیات والروایات; لأنّها وردت فی ظروف اُخرى ناظرة الى اُناس آخرین. وأنت ترى فی العصر الحاضر أنّه لا یفتخر إنسان على غیره بأنّی أکثر منک مالاً وولداً، نعم یمکن أن یفتخر بماله، ولکن لا یفتخر بکثرة أولاده.

 

وممّا یشهد على ما ذکرناه قوله تعالى فی سورة الأنفال مخاطباً للمسلمین: (وَ اذْکُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِیلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِی الاَْرْضِ تَخَافُونَ أَن یَتَخَطَّفَکُمُ النَّاسُ فَآواکُمْ وَأَیَّدکُم بِنَصْرِهِ)(11). فکان المسلمون قلیلینَ بحیث یمکن أن یتخطّفهم الناس، فوجب علیهم فی هذه الظروف الاهتمام بکثرة الأفراد وتکثیر الأولاد، حتّى لا یقدر أعداؤهم على السیطرة علیهم.

 

أمّا لو فرض زمان تکون الکثرة فیه سبباً للاستضعاف فلا شکّ أنّ الحکم یتغیّر.

 

کما هو الأمر فی زماننا فقد صارت کثرة النفوس سبباً للضعف والفتور والتخلّف، وتشهد لذلک عدّة مؤشّرات:

 

1 ـ کان کثرة النفوس فی السابق سبباً للتقدّم والغلبة، لا سیّما فی الحروب، فإنّ الأدوات الحربیة والأسلحة کانت بصورة بدائیة وبسیطة لا تحتاج إلى علم خاصّ; وکذلک الأمر بالنسبة للزراعة وبناء الأبنیة وما شابه ذلک من مرافق الحیاة. ولکن فی زماننا أصبحت هذه الاُمور أکثر تعقیداً حیث تحتاج إلى علوم مختلفة، فالتقدّم والغلبة سواء فی الحروب أو فی شؤون ومجالات الاُخرى للحیاة إنّما یحصل بوجود کوادر علمیة متخصّصة بفنون الأسلحة الحدیثة والصناعات البدیعة والآلات المستحدثة. فالمطلوب الکثرة من الناحیة الکیفیة وإن کانوا قلّة من جهة العدد والکم، فکم من فئة قلیلة من العلماء والمتخصّصین بهذه الفنون فی عصرنا غلبت فئة کثیرة جاهلة ضعیفة. نعم، للایمان بالله والیقین والصبر دوره الخاصّ الذی لاینکر.

 

ولذا نرى بعض الدول الغاصبة قد استولت على کثیر من بلاد المسلمین بالرغم من قلّة عدد نفوسها ـ بالنسبة للمسلمین ـ وذلک لتقدّمهم من الجهات المذکورة.

 

ففی الواقع انقلب موضوع الحکم وتغیّر، وتبدّل الموضوع سبب لتبدّل الحکم. فالأوْلى أن یقال إنّ الکثرة مطلوبة فی عصرنا أیضاً، ولکن بشرط اقترانها بالعلم والخبرة فی سائر میادین الحیاة، لا الکثرة بمجرّد العدد.

 

وممّا یدلّ على أنّ الکثرة العددیة کانت مطلوبة فی فروض خاصّة هو ترکیز الکلام فی غیر واحدة من الآیات على البنین دون البنات، فقال تعالى فی قصة نوح: (وَیُمْدِدْکُم بِأَمْوَال وَ بَنِینَ)(12) وقال تعالى فی قصّة هود: (أَمَدَّکُم بِأَنْعام وَ بَنِینَ)(13).

 

2 ـ ما نشاهده فی بعض البلدان، مثل الهند والصین من تزاید النفوس بشکل هائل بحیث عجزت حکوماتهم عن توفیر الحدّ الأدنى من متطلّبات الحیاة الأساسیة کالطعام والمسکن، فأصبح الکثیر منهم ـ لاسیّما فی الهند ـ یعیشون على حافات الطرق مع فقر شدید، یولدون ویموتون فیها، فهل تعدّ مثل هذه الکثرة دلیلاً على القوّة والقدرة أم هی من أسباب الضعف والوهن  والهلاک؟

 

ولعلّک تقول إنّهم قصّروا فی تحصیل ما یجب علیهم من وسائل وإمکانیّات الحیاة، فلولا تقصیرهم لکانوا جماعة عظیمة قویّة غنیّة من جمیع الجهات.

 

ولکن سیأتی ـ إن شاء الله تعالى ـ أنّ ذلک مجرّد فرض لا یوافق الواقعیّات، وأنّ المحاسبات الدقیقة تشهد بأنّ کثرة الموالید لو لم تکن تحت ضابطة لتفاقمت وتحوّلت إلى مشکلة تعیق سائر الخطط والمشاریع الحیویة.

 

3 ـ لا شکّ فی أنّ نِعم الله تعالى عنده فی خزائنه، ولکن ینزّلها بقدر معلوم; ولذا نرى أنّ الإمکانیات الطبیعیة الموجودة على وجه الأرض برّها وبحرها تشکّل مقداراً معیّناً یمکن إحصاءها وفق المحاسبات الدقیقة. فالمساکن والمیاه القابلة للری والشرب ومصادر الحرارة والأراضی القابلة للزراعة والمعادن وغیرها، لیست على نحو لا تنفد أبداً; فلابدّ من تدبیر الاُمور بنحو لا یوجب العسر والحرج، مع العلم بأنّ النفوس إذا ازدادت بشکل غیر طبیعی لم یبق مجال لحیاة هادئة وعیشة راضیة.

 

وبعبارة اُخرى: إنّ الله تعالى جعل فی الإنسان العقل والدرایة ولازمه التدبیر فی الاُمور، فلو رأى أنّه إذا بذل غایة مجهوده لم یقدر على تربیة أکثر من ولدین مثلاً من حیث تأمین الاحاجات المادیة والمعنویة، لزم علیه الأخذ بما هو الموافق لقدرته ووسعه فی ذلک.

 

إن قلت: إنّ الفقر والجهل وأمثالهما لا ینشأ من ازدیاد النفوس، بل ینشأ من عدم تنفیذ العدالة الاجتماعیة، ومن تفشّی الظلم والفساد فی المجتمعات، وسیاسةً الدول الاستعماریة وغیر ذلک. فلو عمل الناس بما یجب علیهم من التکالیف الإلهیّة من العدالة وشبهها، لم یبق فقیر محتاج مهما ازدادت النفوس.

 

ویشهد الخبراء أنّ بلدنا ـ مثلاً ـ قادر على التحکّم بمیاه الأمطار والأنهار والانتفاع بها فی الزراعة والتنمیة بإحداث القناطر والسدود و...، وأنّ الأراضی الصالحة للزراعة والقابلة للتنمیة أکثر بکثیر من التی ینتفع بها الآن، وکذلک الحال بالنسبة للمعادن وغیرها.

 

فلو بذلنا غایة الجهد وانتفعنا بجمیع ما خلق الله لنا من النعم الوافرة، لأمکن العیش لجموع کبیرة حتّى لو بلغت أضعاف العدد الموجود.

 

قلت: نعم، الأمر کذلک فی الجملة، ولکن هنا أمران لابدّ من ملاحظتهما فی هذا البحث الخطیر جدّاً.

 

أحدهم: أن البحث الذهنی الکلّی غیر مفید فی هذه المباحث، بل لابدّ من الرجوع إلى الأعداد والأرقام، ومحاسبتها لمعرفة عدد السکان مثلاً بعد عشرین سنة أو خمسین سنة، مع فرض ازدیاد النفوس على النحو الموجود، ثمّ محاسبة الأرقام فیما یخصّ الأراضی والمیاه وغیرها. ومجرّد القول بأنّ هذا یکفی مع ازدیاد النفوس مهما کان أمر وهمی . فهو أشبه شیء بما إذا کانت لشخص کمیّة کبیرة من المواد الغذائیة فی مخازن بیته، فقال لأصدقائه ادعوا کلّ من مررتم به إلى بیتی، من دون حساب عدد الضیوف المدعوّین، وکمّیة المواد الغذائیة الموجودة عنده.

 

ثمّ إنّ الخبراء یصرّحون بأنّ النفوس لو تزایدت بهذا النحو الموجود، لم تکفهم المیاه الموجودة، وکذا الأراضی مهما کانت.

 

ثانیهم: إنّ إحیاء هذه الأراضی مثلاً والسیطرة على موارد المیاه الموجودة لایمکن أن ینجز فی یوم ولیلة، بل یحتاج إلى زمن طویل مثلاً فی عشرین سنة أو خمسین أو أکثر، وعمدة المشاکل إنّما هی طول هذه الفترة، وأنّه لو لم نأخذ بما یمنع من الزیادة السکانیة فی هذه المدّة لبلغ العدد إلى حدٍّ یستحیل معه الوصول إلى تلک الغایة قطعاً.

 

والأوْلى أن یقال: إنّ سیرة الفقه والفقهاء رضوان الله تعالى علیهم استقرّت على استنباط الأحکام الکلّیة والرجوع فی تشخیص الموضوعات إلى العرف، فإن کانت من الاُمور التی تحتاج إلى مراجعة ذوی الخبرة حیث لا یقدر على فهمها کلّ أحد فلابدّ من الرجوع إلیهم.

واللازم فی المقام أیضاً الرجوع إلى خبراء ومتخصّصی علم الاجتماع بشرط أن یکونوا مسلمین موثّقین معتمدین ـ وهذا دیدنهم فی جمیع الأبحاث الفقهیّة ـ فلو شهدوا أنّ ازدیاد النفوس بهذا النحو سوف ینتهی إلى کارثة کبیرة لا ینفع معها توسیع الأراضی الزراعیة بالقدار الممکن ولا غیرها، فلابدّ من الأخذ بآرائهم فی إثبات هذه الموضوعات وعدم التخطّی عن قولهم، وإلاّ لم یکن الفقیه معذوراً أمام الله إذا تسبّب ذلک فی حدوث کارثة، أو صار المسلمون أذلاّء فقراء وجهلاء یمدّون ید الحاجة إلى غیرهم، ویرزحون تحت نیر السلطات الکافرة لا سمح الله.

 

وأمّا ما یدلّ على أنّ الرزق بید الله فهو حقّ لا ریب فیه، ولکنّ الله أعطانا عقلاً وفهماً وشعوراً، أوضح لنا طریق تحصیله بالأسباب الموجودة، فلو تعدّینا الأسباب ووقعنا فی العسر والشدة کان ذلک بما کسبت أیدینا. وهل یمکن لنا أن ندعو ضیوفاً کثیرین ونقول إنّ رزقهم على الله من دون ملاحظة ما بأیدینا لإطعامهم ورزقهم

 

وقد ورد فی الروایات: أنّه لابدّ للمؤمن من تقدیر المعیشة، ولیس تقدیر المعیشة إلاّ الأخذ بمقتضى حکم العقل فی تدبیر اُمور الحیاة.

 


(1) الإسراء: 6.
(2) الشعراء: 132 ـ 133.
(3) راجع الوسائل: ج 15 ص 94 ب 1 أحکام الأولاد.
(4) الوسائل: ج 15 ص 96 ب 1 أحکام الأولاد ح 8 .
(5) المصدر السابق: ح 14، وفی نفس هذا الباب اثنتا عشر روایة اُخرى لایدلّ شیء منها إلاّ على کون الولد محبوباً ولو بصرف وجوده، لا بکثرته.
(6) الوسائل: ج 15 ص 109 ب 11 أحکام الأولاد ح 1.
(7) المصدر السابق: ص 110 ب 12 ح 2، والخبر طویل نقل ملخّصاً.
(8) سب: 34 ـ 35.
(9) التوبة: 69.
(10) القصص: 78.
(11) الأنفال: 26.
(12) نوح: 12.
(13) الشعراء: 133.

 

أوّل: عنوان المسألةثالث: تفاوت الظروف
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma