إنّ تأسیس البنوک وإحداثها یعدّ أمراً ضروریاً وذا أهمیّة کبیرة، حیث إنه ما من نظام اقتصادی إلاّ والبنوک أحد أرکانه، والأسباب التی دعت إلى إحداث البنوک هی ما یلی:
أ ـ الاحتفاظ بالأموال لدى مرکز خاصّ مجهّز بوسائل الحفاظ والأمن وهذا بخلاف الاحتفاظ بها داخل البیوت حیث تکون معرضة للسرقة وسائر الآفات وهذه الضرورة وجدت بعد اتساع المدن والمبادلات الاقتصادیة المختلفة.
ب ـ إنّ مبادلة النقود الکثیرة فی المعاملات الخطیرة تحتاج إلى تسهیلات لایمکن توفیرها إلاّ عن طریق الارتباط بمرکز خاصّ یتوسّط بین المتعاملین فی تقدیم الصکوک أو الحوالات التی تیسّر إلى حدٍّ ما هذه المعاملات، مع أنّ هذا الأمر خال من الخطورة حتّى فیما إذا فُقدت الحوالة (الصک)، بخلاف ما إذا اُرید تبادل الأموال من ید إلى اُخرى; إذ لایخلو حملها من أخطار کثیرة، هذا مضافاً إلى أنّ الصک ـ وبعد ذکر الاسم فیه ـ یکون أصدق شاهد على ضرورة أداء المال لمستحقّه عند ظهور الخلاف; إذ لایمکن لأحد إنکاره بعد ذکر الاسم فیه.
ج ـ إنّ ادّخار الأموال فی البنوک یساعد کثیراً على رقیّ البلاد وازدهار اقتصادها ـ خصوصاً فیما لو کانت الحکومة حکومة صالحة ـ وذلک عن طریق استثمارها وصرفها فی المشاریع الإنتاجیة أو التجاریة الضخمة التی یرجع عائدها إلى المجتمع وإحیاء الاقتصاد فی البلاد، وحتّى لو کانت هذه البنوک تابعة لشرکات خاصّة فإنّ النفع سیعود إلى المجتمع أیضاً. بخلاف ما لو کانت هذه الأموال مودعة فی أماکن متفرّقة فإنّها لا یمکن استثمارها بالکیفیّة المطلوبة فی حین أنّ الأموال المودعة لدى البنک تستثمر وتصرف من قِبله فی مختلف أنواع المعاملات; کالمضاربة ونحوها، بل یبقى أغلبها مجمّداً ومعطّلاً.
د ـ أضف إلى ذلک ما للبنوک من منافع اُخرى، کسهولة نقل النقود من بلد إلى بلد، وإقراض المحتاجین لبناء المساکن وإنشاء المصانع والمتاجر، وغیر ذلک من المصالح والمنافع التی تقع فی قائمة المصالح الرئیسیة.
فالبنوک، على هذا، أصبحت ضروریاً من ضروریات المجتمعات البشریة; وذلک لما لها من دور کبیر فی تنمیة اقتصادها وازدهاره، وهذا بالطبع لا یتأتّى إلاّ إذا سارت وفق نهج صحیح وخطط مدروسة، وإلاّ فستکون مصدر تهدید یشکّل خطراً جدّیاً على النظام الاقتصادی للمجتمع. وعلى کلّ حال فإنّه لا یمکن الاستغناء عنها فی الوقت الراهن ولو یوماً واحداً; لأنّ ذلک یشلّ الاقتصاد ویعیق تطوّر البلاد.
هذه هی أهمّ المصالح المترتّبة على وجود البنوک. وتوجد إلى جنب ذلک مفاسد کبیرة قد تترتّب على وجود البنوک، کما لو کانت فی خدمة حکومة فاسدة لم تراعِ الضوابط الشرعیة فی الإقراض استعمال الاموال.
