2 ـ النقطة الاُخرى التی تعتبر ضروریّة لحلِّ هذه المسألة هی أنّ الشمس فی المناطق التی لا تغرب فیها وکما یصطلح أنّها «شمس فی منتصف اللیل» نلاحظ أنّ الشمس فی الأفق فی حالة حرکة دائریة دائماً، حیث تدور حول الأفق دورة کاملة کلّ أربعة وعشرین ساعة (وفی الواقع أنّ الکرة الأرضیة هی التی تدور، ولکنّه یظهر للناظر أنّ الشمس هی التی تدور).

یعنی أنّکم لو کنتم لمدّة شهر فی بعض مدن فنلاند التی لا تغرب فیها الشمس، فسوف ترون أنّ قرص الشمس یقرب من الاُفق دائماً ویدور حوله کما تدورعقارب الساعة، وفی کلّ أربع وعشرین ساعة تدور الشمس دورة کاملة فی الاُفق بشکل تدریجی من جانب المشرق إلى الجنوب، ومنه إلى جهة المغرب، ومن المغرب إلى الشمال، وتعود مجدّداً إلى نقطة الشرق. والجدیر بالذکر أنّ قرص الشمس بالرغم من أنّه یُرى إلى جانب الاُفق دائماً، ولکنّ الفاصلة بینه وبین الأفق تختلف من مکان لآخر، یعنی أنّ الشمس تصعد قلیلاً أحیاناً، ثمّ تهبط شیئاً فشیئاً إلى جهة الاُفق حتّى تصل إلى حدّها النهائی، ثمّ تبدأ فی الصعود من جدید وهکذا.

والسبب فی تغییر وضع الشمس هو إنحراف محور الأرض 5,23 درجة بالنسبة إلى خط المدار (فتأمّل جیداً).

وبهذا الترتیب یمکن أن نحسب نصف الیوم عندما تصل الشمس إلى آخر نقطة من إرتفاعها لأن الشمس فی هذا الوقت تکون على خط نصف النهار تماماً.

وبعبارة أوضح: إنّ الشمس عندما تصعد تماماً یحین وقت الظهر فی تلک المنطقة. وعندما تهبط إلى آخر نقطة (وتصل إلى الحدّ الأقل من إرتفاعها) تکون بالضبط فی موقع (منتصف اللیل)، فعلى هذا تکون الشمس فی الحدّ الأقل من الارتفاع هی الشمس فی منتصف اللیل.

ومن الواضح أنّ ضیاء الشمس یختلف فی مدّة الأربع والعشرین ساعة فی هذه المناطق، فعندما ترتفع الشمس ویکون النهار قد حلّ فی تلک المناطق، فأنّ الجوّ سیکون مشرقاً، وعندما تهبط الشمس إلى مقربة من الاُفق فسیقل الضوء بطبیعة الحال ویمیل إلى الظلام هو الحال ما بین الطلوعین عندنا.

وعلى هذا الأساس نفهم من أنّ سکّان تلک المناطق یتمتّعون فی الأربع والعشرین ساعة بلیل ونهار، ولکن لیس مثل اللیل والنهار عندنا.

وهکذا یتّضح ممّا تقدّم آنفاً أنّ تشخیص وسط الظهر ومنتصف اللیل بشکل دقیق فی تلک المناطق أمرٌ بسیط تماماً، ویستطیع کلّ فرد معرفة الظهر ومنتصف اللیل من خلال شاخص قصیر (عود من خشب أو عمود من حدید ینصب بصورة عمودیّة على الأرض) من خلال زیادة ونقیصة ظل الشاخص، فعندما یصل ظلٌ الشاخص إلى حدّه الأقل یحین وقت الظهر، وعندما یصل إلى حدّه الأکثر، ففی ذلک الوقت یکون منتصف اللیل.

ولکن قد تقول: لقد اتضحت لدینا مسألة تعیین الظهر ومنتصف اللیل فی تلک المناطق حین یکون النهار طویلاً، ولکن عندما یکون اللیل طویلاً ماذا نصنع ؟

وفی الجواب نقول: إنّ من حسن الحظ أنّ حرکة النجوم والکواکب فی هذه اللیالی الطویلة حول الاُفق تشبه حرکة الشمس فی النهار هناک.

وبعباة أوضح نقول: إنّ الکواکب هناک لا تتمتّع بالطلوع والغروب کثیراً، بل أنّها تدور وتطوف حول الاُفق بشکل جماعی (وطبعاً إنّ الحرکة والدوران إنّما هو للأرض لا للنجوم).

غایة الأمر، إنّ دوران النجوم حول الافُق لا یتشابه فی کلّ الحالات، فتارة نلاحظ صعودها عن خط الاُفق ثمّ هبوطها إلیه کذلک، فلو أخذنا نجمة واحدة ولاحظنا صعودها إلى الحدّ الأعلى من الاُفق فعندها نعلم أنّ ذلک الوقت هو منتصف النهار. وهو وقت الظهر هناک حتماً، وعندما تهبط إلى الحدّ الأدنى من الاُفق فنعلم أنّه منتصف اللیل.

ولاینبغی الغفلة عن أنّ ظلام اللیل فی تلک المناطق لا یکون سواسیة دائماً، ففی مدّة الأربع والعشرین ساعة نلاحظ أنّ الجو تخف فیه الظلمة قلیلاً (کما هو الحال بعد طلوع الفجر عندنا) وهذا یکون علامة على حدوث النهار، ثمّ یشتدّ الظلام حتّى یکون الظلام غاسقاً، وهو حدوث اللیل هناک.

ومن مجموع ما بیّناه آنفاً نستنتج أنّ معرفة الظهر ومنتصف اللیل فی الأیّام واللیالی الطویلة فی المناطق القطبیّة مسألة محلولة ولا إشکال فیها، ولیست بحاجة إلى وسائل خاصّة من قبیل الساعة والاذاعة وأمثال ذلک.