ضرورة الحکومة للناس

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
بحـوث فقهیة مهمّة
المقام الخامس من صلاحیات الفقیه: «الاشراف على الحکومة»أولویة الفقیه من غیره

أمّا الأوّل: فیمکن إثباته من طرق:

 

أحده: لاریب فی أن الحیاه الإنسانیة حیاه تقوم على المجتمع، فلو تجردت الحیاة من هذه الخصیصة انحدر الإنسان إلى أقصى مراتب الجاهلیة الجهلاء والبهیمیة والشقاء، لأن جمیع المنافع والآثار المطلوبة الحاصلة فی المجتمع البشری من الحضارات والتقدّم نحو الکمال، والأخلاق والآداب والعلوم المختلفة، إنّما تکون ببرکة حیاته الاجتماعیة، والتعاون والتعاضد، فی مختلف الحقول، واجتماع القوى والطاقات، وتعاطی الأفکار بعضها ببعض، کما هو ظاهر، فالإنسان إذا عاش فی غیر المجتمع کان کأحدالحیوانات، وإنّما اعطاه الله المیل والتجاذب نحو هذا اللون من الحیاة کی یحصل على هذه المنافع العظیمة، والکمال اللائق بحاله فی جانبیه المعنوی والمادی، وقد أکد الشارع المقدس الإسلامی على الاحتفاظ بهذا النوع من الحیاة، وجعله کأصل ثابت، وکحجر أساسی فی جمیع أحکامه وقوانینه، کما لایخفى على من سبر أحکام الإسلام بالدقة والتأمّل.

 

ثمّ من الواضح أن حیاة الإنسان فی المجتمع، على رغم شتى البرکات والمنافع الضروریة، لا تخلو عن منافسات واختلافات ومنازعات، لا لغلبة الشهوات على الناس فحسب، بل لما یقع هناک من الخطأ فی تشخیص الحقوق وحدودها، فلابدّ لهم من قوانین تبین لهم ما یستحق کلّ واحد منهم، وما هو طریق التخلّص من التزاحم وردّ التعدی والتجاوز، وغیر ذلک، وهذه القوانین بنفسها لا أثر لها فی نفی هذه الاُمور، حتّى یکون هناک من ینفذها ویجریها، ولایتحقق ذلک إلاّ بقیام الحکومة ولو بشکل بسیط.

 

ولذا اتّفق المتکلمون من أصحابنا وغیرهم، على أن الإمامة واجبة بین المسلمین إلاّ ما قد یحکى عن أبی بکر الأصم من العامّة أنها غیر واجبة، إذا تناصفت الاُمة ولم تتظالم، وهو شاذ جدّاً(1).

 

وکذا اتفق العقلاء من جمیع الاُمم على ضرورة الحکومة للمجتمعات البشریة عدا ما یلوح من الشیوعیین من عدم لزومها بعد تحقّق التکامل لابناء البشر، وبعد طرد النظام الطبقی فإن الحکومة إنّما شرّعت لحفظ مصالح الطبقة الحاکمة، فإذا انتفى هذا النظام انتفت الحکومة.

 

ولکنّ هذه کلّها مجرّد أوهام لا اهمیة لها عندما نلمس الحقائق الموجودة فی المجتمع البشری، أمّا بلوغ الإنسان إلى مستوى عال من الأخلاق والتقوى الذی ینفی أی اختلاف بین ابناء المجتمع فهو أمر بعید المنال لاینبغی الاتکال علیه فی هذه الظروف التی نعیشها وفی المستقبل على ما نعهده.

ولو سلمنا تحقّق ذلک فهذا لایغنی عن الحکومة، لأنها لیست لرفع الاختلافات فحسب، بل هناک اُمور کثیرة تتعلّق بحیاة المجتمع لیست فی طاقة فرد أو أفراد خاصّه، کبناء الطرق، واسجلاب الأرزاق ودفع الآفات والقیام بشؤون الصحّة والتعلیم والتربیة، وتنظیم البرامج الاقتصادیة التی لا تستغنی عنها الأُمة إطلاقاً، أو تقع فی حرج شدید وعسر عسیر، فما ذکر من بلوغ الاُمة إلى حد التناصف، أو بلوغها إلى حدّ حذف الطبقة الظالمة، على فرض تحقّقها، إنّما یوجب استغناء الاُمة عن النظام القضائی وما یتعلّق به فقط، وأمّا ما تتصدى له الآن وزارة «الصحّة» و «التعلیم» و «الثقافة» و «الاقتصاد»، وغیر ذلک ممّا هو کثیر فضرورتها قائمة ما بقى الإنسان فی المجتمع، فحذف الحکومة من حیاة الإنسان وهم فی وهم، وخیال فی خیال!

 

وإن شئت ان تستدل علیه فی صبغة إسلامیة، فراجع آراء المتکلمین عند ذکر وجوب بعث الرسل وإنزال الکتب، أو وجوب نصب الإمام بعد ارتحال الرسول (صلى الله علیه وآله)من دار الدنیا، فإنه ینادی بأعلى صوته على ضرورة الحکومة فی کلّ عصر وزمان، مثل ما ذکره العلاّمة الطوسی فی شرح تجرید الاعتقاد، حیث قال فی بحث لزوم البعثة:

 

«منه: أن النوع الإنسانی خلق لا کغیره من الحیوانات، فإنه مدنی بالطبع، یحتاج إلى اُمور کثیرة فی معاشه، لایتم نظامه إلاّ بها، وهو عاجز عن فعل الأکثر منها إلاّ بمشارکة ومعاونة، والتقلب موجود فی الطبائع البشریة، بحیث یحصل التنافر المضاد لحکمة الاجتماع، فلابدّ من جامع یقهرهم على الاجتماع وهو السنّة والشرع ولابدّ للسنّة من شارع یسنها ویقرر ضوابطها... بحیث یتم النظام ویستقر حفظ النوع الإنسانی على کماله الممکن، ومنها أن مراتب الأخلاق وتفاوتها معلوم یفتقر فیه إلى مکمل لتعلیم الأخلاق والسیاسات بحیث تنتظم اُمور الإنسان بحسب بلده ومنزله».

 

وقال فی بحث لزوم نصب الإمام (علیه السلام) بعده (صلى الله علیه وآله):

 

«واستدلّ المصنّف على وجوب نصب الإمام على الله تعالى بأن الإمام لطف واللطف واجب، أمّا الصغرى فمعلومة للعقلاء، إذ العلم الضروری حاصل، بأن العقلاء متى کان لهم رئیس یمنعهم عن التغالب والتهاوش ویصدهم عن المعاصی ویعدهم ویحثهم على فعل الطاعات ویبعثهم على التناصف والتعادل، کانوا إلى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد» (انتهى محل الحاجة).

 

ثانیه: أن أحکام الإسلام لاتنحصر بالعبادات، بل فیها أحکام کثیرة ترتبط بالشؤون السیاسیة، والاجتماعیة، وغیرها، کأحکام الجهاد والحدود والقضاء والزکاة والخُمس والأنفال وغیرها ممّا لا یمکن تعطیلها فی أى عصر وزمان، سواء عصر غیبة الإمام (علیه السلام) أو حضوره، فهل یمکن تعطیل القضاء بین الناس، مع کثرة الخلافات والتنازع بینهم ؟ أو هل یمکن تعطیل الحدود والقصاص وشبهها الموجب لتجری أهل الفتنة والفساد فی الأرض ؟ أو هل یمکن ترک الدفاع عن ثغور الإسلام عند هجوم الأعداء علیها من الخارج أو من أهل النفاق من الداخل ؟!

 

ثمّ هل یمکن إعطاء کلّ من هذه الاُمور حقّها بغیر تأسیس الحکومة القویة القادرة على تنفیذ الأحکام الخاصّة بهذه المسائل ؟ ومن أنکر هذه إنّما ینکره باللسان وقلبه مطمئن بالإیمان.

 

فلذا نرى الرسول الأعظم (صلى الله علیه وآله) عندما هاجر إلى المدینه وثبتت قدماه فی أرضها أقدم على تأسیس الحکومة الإسلامیة قبل کلّ شیء، بتجنید الجنود، وتعیین بیت المال، وجمع الزکوات، وإرسال الرسل، ونصب القضاة و بعث العیون، وغیر ذلک، ولولاها لما ثبتت للإسلام قائمة، فإنه لم یکن الإسلام مجرد تبلیغ الأحکام وتعلیمها، وأی أثر للتعلیم المجرّد عمّا یوجب إنفاذ الأحکام واجرائها، اللّهم إلاّ أثراً ضعیفاً، بل السرّ فی انتشار الإسلام فی أکثر بقاع المعمورة من الأرض فی مدة قلیلة قد لا تبلغ قرناً واحداً، هو اعتماده على تأسیس الحکومة وایجاد حُکم یخضع لأوامره، کما لایخفى على الخبیر.

 

ثالثه: الروایات الکثیرة الدالّة على ضرورتها للأمة الإسلامیة منها ما یلی:

 

1 ـ ما رود فی نهج البلاغة عن أمیرالمؤمنین (علیه السلام) أنه لما سمع کلام الخوارج «لاحکم إلاّ لله» قال: «کلمة حقّ یراد بها الباطل، ولکن هؤلاء یقولون «لا أمرة إلاّ لله» وأنه لابدّ للناس من أمیر برّ أو فاجر، یعمل فی أمرته المؤمن، ویستمتع فیها الکافر ویبلغ الله فیها الأجل، ویجمع بها الفیء، ویقاتل بها العدو، وتؤمن به السبل، ویؤخذ به للضعیف من القوی»(2).

 

وحاصله أن الحکم له معنیان: أحدهم: الحکم بمعنى تشریع القانون الإلهی فهو منحصر بمشیة الله وارادته، والثّانی بمعنى اجراء هذا القانون، وهذا لایکون إلاّ بواسطة إنسان إن کان براً فهو، وإلاّ خلّفه فاجر، ولکن الخوارج قد لبسوا على أنفسهم وعلى الناس، بالخلط بین المعنیین، ثمّ أشار (علیه السلام) إلى فوائد سبعة لتأسیس الحکومة لا تتیسر بدونها.

 

وفی بعض الروایات المرویة من طرق العامّة أنه لما قال(علیه السلام): لایصلح الناس إلاّ بأمیر برّ أو فاجر، قالو: یا أمیرالمؤمنین! هذا البر، فکیف بالفاجر ؟ قال أن الفاجر یؤمن الله به السبل، ویجاهد به العدو، ویجبی به الفیء، ویقام به الحدود ویحج به البیت، ویعبد الله فیه المسلم آمناً(3).

 

وهذا دلیل أیضاً على أن حکومة الظالمین وإن کانت على خلاف ما أمر الله به ولکنها أحیاناً تحصل بها بعض المنافع المرتقبة من الحکومة العادلة، کالموارد المذکورة فی الروایة، وهذا أمر ظاهر فی بعض الحکومات الموجودة فی شتى أنحاء العالم.

 

2 ـ الروایة المعروفة لفضل بن شاذان رواها فی «علل الشرائع» وفیها بیان علل کثیرة لاُصول وفروع الدین ومنها بیان علل جعل اُولی الأمر، وقد ذکر (علیه السلام) له عللاً ثلاثة:

 

«أولها»: لزوم اجراء الحدود، وأنه لولا ذلک لظهر الفساد فی الاُمة، ولایکون ذلک إلاّ بنصب ولاة الأمر.

 

و«ثانیها» ما نصّة: «انا لا نجد فرقة من الفرق، ولا ملّة من الملل بقوا وعاشوا إلاّ بضمّ رئیس».

 

وذکر فی «الثّالث» حکمة حفظ أحکام الشرع عن الاندراس، والمنع عن تغییر السنه وزیادة أهل البدع(4).

 

ویظهر من «الوسائل» من أبواب مختلفة، أنه رواها عن الرضا (علیه السلام)، ولکن لیس فی البحار إلاّ روایته عن الفضل بن شاذان من دون انتهائه إلى الإمام (علیه السلام)، ولکن من البعید جدّاً نقل، مثل هذه الروایة، من غیر المعصوم (علیه السلام)، فراجع(5).

 

هذا مضافاً إلى ما حکاه فی عیون أخبار الرضا (علیه السلام) فإنه بعد نقل تمام الحدیث قال: «سأله علی بن محمّد بن قتیبة الراوی عن الفضل أن هذه العلل عن استنباط منه واستخراج ؟ قال: ما کنت لاعلم مراد الله عزّوجلّ من ذات نفسی، بل سمعتها من مولای أبی الحسن الرضا (علیه السلام) شیئاً بعد شیء فجمعتها»(6).

 

والعلل المذکورة لاتختص بالإمام المعصوم (علیه السلام)، بل یقوم بها الفقیه أیضاً ما عدا الأخیر على وجه.

 

3 ـ ما رواه النعمانی فی تفسیره عن علی (علیه السلام) بعد ذکر آیات من کتاب الله «وفی هذا أوضح دلیل على أنه لابدّ للأمّة من إمام یقوم بأمرهم، فیأمرهم وینهاهم ویقیم فیهم الحدود، ویجاهد العدو، ویقسم الغنائم، ویفرض الفرائض، ویعرفهم أبواب ما فیه صلاحهم، ویحذرهم ما فیه مضارهم، إذ کان الأمر والنهی أحد أسباب بقاء الخلق، وإلاّ سقطت الرغبة والرهبة ولم یرتدع، ولفسد التدبیر، وکان ذلک سبباً لهلاک العباد(7).

 

4 ـ ما رواه فی البحار أیضاً عن الصادق (علیه السلام) قال: لایستغنی أهل کلّ بلد عن ثلاثة، یفزع إلیه فی أمر دنیاهم وآخرتهم، فإن عدموا ذلک کانوا همج: فقیه عالم ورع وأمیر خیر مطاع، وطبیب بصیر ثقة(8).

 

إلى غیر ذلک ممّا هو ظاهر أو صریح فی عدم استغناء نوع الإنسان عن الحکومة، یجدها المتتبع فی تضاعیف کتب الروایة.

 


(1) حکاه ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة: ج 2 ص 308.
(2) نهج البلاغة: الخطبة 40.
(3) کنز العمال: ج 5 ص 75.
(4) رواها المجلسى (قدس سره) فی البحار: ج 6 ص 60.
(5) راجع البحار: ج 6 ص 58 وراجع الوسائل: ج 7 ص 4 و 173.
(6) عیون أخبار الرض: ج 2 ص 121.
(7) بحارالأنوار: ج 90 ص 541.
(8) بحار الأنوار: ج 75 ص 235.

 

المقام الخامس من صلاحیات الفقیه: «الاشراف على الحکومة»أولویة الفقیه من غیره
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma