إنّ إسقاط الجنین من المحرّمات القطعیّة فی الشریعة الإسلامیة بعنوانه الأوّلی، وعلى ذلک دلّت الأدلّة الأربعة من الکتاب والسنّة والعقل والإجماع.
أ ـ الکتاب العزیز:
لایبعد شمول آیات حرمة قتل النفس له بعد تمام الخلقة وولوج الروح فیه، فی مثل قوله تعالى: (وَ لاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ)(1); لصدق النفس علیه کذلک.
نعم، شمولها لدون ما ذکر ـ من مراحل تکامل الجنین کما إذا تمّ ولم تلجه الروح بعد ـ مشکل جدّاً فکیف بما دون ذلک من المراحل ! إذ لا حیاة إنسانیة له وإن کان ذو حیاة نباتیة.
ب ـ السنّة:
وممّا یدلّ على حرمته الروایات الکثیرة البالغة حدّ التواتر أو القریبة منه، المرویّة فی الجوامع المعروفة بین الفریقین، الدالّة على وجوب الدیة علیه. وقد عرفت أنّها بالدلالة الإلتزامیة تدلّ على حرمته; لأنّها جابرة للخسارة الحاصلة عن الإسقاط بالجنایة علیه وعلى الغیر، وأنّ العمد فی ذلک حرام قطعاً بدون إذن الشارع المقدّس.
ج ـ العقل:
فهو یدلّ على حرمة الظلم، وإسقاط الجنین ظلم فاحش، بل من أفحش الظلم; لأنّه اعتداء على من لا یقدر على الدفاع عن نفسه، وقد راج ذلک فی بعض المجتمعات الغربیة التی لا تأبى عن ارتکاب الشنائع والمظالم التی یحکم العقل والضمیر البشری بمنعها لقبحها.
د ـ الاجماع:
وقد أجمع علماء الإسلام على إیجابه الدیة جبراً للخسارة بسبب الجنایة العمدیة على الغیر وهی محرّمة، وفی ذلک قال شیخ الطائفة: «دیة الجنین التامّ إذا لم تلجه الروح مئة دینار، وقال جمیع الفقهاء دیته غرّة عبد أو أمة، وقال الشافعی: قیمتها نصف عُشر الدیة خمسون دیناراً أو خمس من الإبل.
دلیلن: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطریقة الاحتیاط تقتضی أیضاً ذلک»(2).
فالأقوال فی ذلک ثلاثة: مئة دینار، وخمسون دیناراً، وعبد أو أمة، هذا کلّه مع کون الجنین تامّ الخلقة لکن لم تلجه الروح بعد، وأمّا فیما دونه فالدیة أقلّ من ذلک. وقد عرفت أنّ الأصل فی وجوب الدیة کونها بسبب الجنایة، والجنایة العمدیة محرّمة قطعاً.
إن قلت: ألیست الدیة واجبة على مَن یرید الأخذ بحقّ القصاص من رجلین قتلا رجلاً; إذ لابدّ من دفع نصف دیة کلّ منهما لیجوز القصاص منهما.
قلت: لایجوز القصاص منهما إلاّ بإذن الشارع، ومن دونه یکون محرّماً قطعاً، ومثل هذا الاستثناء لا یمنع من حرمة الجنایة العمدیة بعنوان کونها قاعدة کلّیة بسبب وجوب الدیة.
فتحصّل ممّا ذکرنا أنّ حرمة إسقاط الجنین بعنوانه الأوّلی ممّا لا ینبغی الریب فیها، ولا یعتریها أدنى شکّ، فإن قیل بجوازه فی بعض المواضع فذلک لطرو العناوین الثانویة علیه.
هذا مضافاً إلى ما ورد فی بعض الروایات الخاصّة مثل روایة إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبی الحسن (علیه السلام): «المرأة تخاف الحبَل، فتشرب الدواء فتلقی ما فی بطنه قال: لا، فقلت: إنّما هو نطفة، فقال: إنّ أوّل ما یخلق نطفة»(3).
وظاهر النهی الحرمة، وقوله: «تخاف الحبل» دلیل على عدم الجواز حتّى فی فرض الشکّ احتیاطاً فی النفوس، إلاّ أن یکون المراد من خوفها الحبل هو الحبل المعلوم الذی تخاف من عواقبه.