الأمر الأوّل ـ إنّ الأشیاء من حیث المالیة على ثلاثة أقسام

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
بحـوث فقهیة مهمّة
أحکام الأوراق المالیةحدود وصلاحیات الفقیه

1 ـ مالیة ذاتیة: هناک بعض الأشیاء ذات مالیة ذاتیة وهی الأشیاء المشتملة على خصلتین: 1 ـ کونها مفیدة للإنسان، 2 ـ عدم وفورها فی الخارج کالأغذیة ووسائل النقل خلافاً للهواء وضوء الشمس فإنه مع احتیاج الإنسان إلیهما فی بقائه وحیاته لا یبذل بازائهما شیئاً من المال وذلک لوفرتها فی الخارج.

 

وهذه الأشیاء لا یمکن سلب المالیة عنها واسقاطها عن المالیة فإن المالیة من ذاتها وسلب الذاتی محال، خلافاً للأوراق النقدیة حیث یمکن اسقاطها عن الاعتبار کما قد اتفق فی بعض الدول.

 

2 ـ مالیة شبه اعتباریة: وهی کما فی الأحجار الکریمة من الأشیاء التی یرى العقلاء لها قیمة وإن لم تکن کثیرة الفائدة للإنسان، ولعلّ من هذه الأشیاء الذهب فإنه وإنْ یمکن أنْ یصنع منه بعض الأشیاء المفیدة لکنه لیس بحیث یوجب له هذه القیمة الفائقة. ومن هنا توهم أن مالیة الذهب اعتباریة قد نشأت من اتفاق العقلاء على ذلک (أی اعطائه المالیة) ولکنّه فاسدٌ.

 

فإن حاجة الإنسان إلى هذه الأشیاء ذات المالیة الشبه الاعتباریة لیس أمراً موهوماً وناشئاً من محض الاعتبار بل الحاجة إلیها کالحاجة إلى الأغذیة والمسکن والمرکب حیث تمثل أمراً واقعیاً، وذلک لأن حاجات الإنسان لا تنحصر فی الحاجات الضروریة بل هناک بعض الحاجات ذات جذور عمیقة فی عواطف الإنسان ومشاعره توجب المالیة لبعض الأشیاء کالحاجة إلى التزین ببعض ادوات الزینة.

اضف إلى ذلک وجود خاصیة فی الذهب لا توجد فی غیره، وهو بقائه طوال الأزمنة المتمادیة بلا أیّ تغییر ولا فساد، الأمر الذی أوجب له مالیة ذاتیة، فإنّ البشر یمیل للبقاء فیطلب کلّ شیء یوجد فیه هذه الحالة.

 

ومن هنا یتضح عدم تمامیة ما ذهب إلیه بعض الاعلام من أنّ سرّ مالیة الذهب الغالیة عند نوع البشر هو تسلیط الله تعالى جنوناً علیهم لکی یطلبوا الذهب ویعتبروا له مالیة حتّى یقوم علیه نظام حیاتهم الاقتصادیة فهذا جنون إلهی لمصلحة نوع البشر وادارة اُمور معاشهم فإنه لولا ذلک لتعطّل أمر الاقتصاد.

 

لکنک قد عرفت أن للذهب مالیة ذاتیة لا اعتباریة.

 

3 ـ مالیة اعتباریة: کالنقود الورقیة فإن مالیتها بید المعتبر وهو فی زماننا الدولة أو الحکومة، فإنک ترى أن قطعة صغیرة من الورق المصرفی تعتبر له مالیة کثیرة بحیث تشترى به أشیاء غالیة مع أن مالیة نفس تلک القطعة من الورق قلیلة جدّاً، وترى أن نفس تلک الدولة تسقط بعض أوراقها المصرفیة عن المالیة فلا تبذل بازائها شیء من المال، وهذا یعبر بوضوح عن المالیة الاعتباریة فی هذه الأوراق بحیث یکون أمر وضعها ورفعها بید المعتبر خلافاً للمالیة الموجودة فی الأحجار الکریمة مثلاً، فإنه لایمکن لأحد من الناس اسقاطها عن المالیة.

 

 

ولکن لایذهب علیک انّ تمام المالیة الموجودة فی النقود الورقیة لا تنشأ عن اعتبار الحکومة، بل هناک عامل آخر یؤثر فی مالیة هذه الأوراق وذلک ما یعبر عنه بالرصید.

 

والرصید بعد نشوء الأوراق المالیة ورواجها بین الناس قد برز باشکال مختلفة:

 

الف ـ الدرهم والدینار، فإن الحکومات فی بدو ظهور الورق المصرفی کانوا یطبعون تلک الأوراق ویکتبون علیها «قابل للتبدیل بالدرهم والدینار» ثمّ نسخت هذه الطریقة.

 

ب ـ جمیع الأشیاء الموجودة فی خزانة الدولة ذات قیم غالیة من الدرهم والدینار والأحجار الکریمة والذهب وأمثالها بلا امکان تبدیل بینها وبین الأوراق المصرفیة إلاّ أن الحکومة نفسها کان بإمکانها أن تبدّل نقودها الورقیة بالدرهم والدینار أو غیرها من الأشیاء الثمینه.

 

ج ـ الثروات القومیة کالمعادن والنفط.

 

د ـ إلتزام الحکومة بتنفیذ أنواع المبادلات والمعاملات النقود الورقیة التی اعتبرتها ذات مالیة وروّجتها بین الناس، والیوم یُشاهد فی کثیر من الدّول لیس للنقود الورقیة رصید معیّن بل قد تقتضی ضرورة نشرها إلتزام الحکومة بتنفیذ المعاملات بواسطتها واعتبارها ذات مالیة معیّنة.

 

فنستنتج أنّ الأوراق المالیة لیست لها مالیة ذاتیة بل هی مالیة اعتباریة مبتنیةً على أمر واقعی وهو الثروات القومیة تارة، واُخرى إلتزام الحکومة بالمعاملة معها، ولهذا إذا أرادت الحکومة أن تلغى إعتبار بعض الأوراق المصرفیة الرائجة فی بلدها فتعلن ذلک للناس وتضع لهم مهلة معیّنة لتبدیل الأوراق الرابحة بالأوراق الجدیدة المعتبرة لدى الحکومة. ومن هنا یتضح أن النقود الورقیة لا تعبّر دائماً عن مقدار معیّن من الذهب والفضة الموجودین فی خزانة الدولة فلا تجری علیها جمیع الأحکام المرتبطة بالذهب والفضة، فینبغی الالتفات إلى ذلک فإنه سوف یفیدک فی هذا البحث.

 

هناک قسم آخر من الأوراق، لیس بورق نقدی أو ورق عملة لکنّه ذو مالیة معیّنة اعتباریة کطوابع البرید فإنّ أمر مالیته بید الحکومة لکنّه لا یقبل التبدیل بالنقود بل إنّما تنجز فی قباله خدمة بریدیة وهکذا بطاقات الباص والقطار والطیّارة التی تتم فی قبالها خدمات نقلیة معیّنة.

 

الأمر الثانی: تأریخ نشوء الأوراق المالیة

 

الأمر الثّانی: من الاُمور التی یجب تقدیمها لمحة تأریخیة عن کیفیة نشوء الأوراق المالیة وتحولها عبر الزمان، فإن الوقوف على ذلک یعیننا فی معرفة الموضوع الدقیق، ولایخفى أن التعرف على موضوعات الأحکام بصورة دقیقة یعدّ من وظائف الفقیه المهمّة فإنه بدون ذلک لایقدر على استنباط أحکامها، فما اشتهر من أنّ معرفة الموضوع لیس من شؤون الفقیه، فإنه من المشهورات التی لا أصل لها، فنقول وعلى الله الاتکال:

 

کانت المعاملات فی قدیم الأیّام وعند بزوغ المدنیة البشریة بصورة المقایضة أو تبادل السِلَع وذلک لعدم وجود النقود لیتداولونها بینهم، فصاحب الحنطة مثلاً کان یبادل سلعته بشیء من الارز أو الشعیر أو شیء آخر ممّا کان یحتاج إلیه. وهذا الشکل من المعاملة قد بقى بعدُ فی بعض المجتمعات الصغیرة وکذلک یشاهد فی أیّامنا بین بعض الدول التی لا تقبل نقود بعض آخر ویسمّى بالتجارة على نظام المقایضة.

 

لکنّ بما أنّ هذا الشکل من المعاملة قد واجَهَ مشاکل کثیرة کعدم احتیاج أحد المتعاملین إلى سلعة الآخر، وصعوبة حمل السلع إلى المسافات البعیدة خصوصاً إذا کانت ذات حجم کبیر، کل هذه الاُمور وأمثالها سببت فی ظهور فکرة ابداع النقود فی ذهن البشر، فأخذوا یبحثون عن شیء ذى ممیّزات ثلاث:

 

الف ـ کونه مقبولاً عند عامة الناس بحیث یمکن لهم أن یقضوا حاجاتهم المعاملیة معه.

 

ب ـ کونه سهل الانتقال من مکان إلى آخر.

 

ج ـ کونه غیر قابل للفساد.

 

وهذه المیزات کانت مجتمعة فی الذهب والفضة، فقطعوها إلى قطعات صغیرة وجعلوا علیهما نقوشاً مختلفة دالّة على رواجها فی مملکة معیّنة واعتبارها فیها، وهکذا ظهرت الحاجة إلى سَکُّ النقود (ضرب السکة)، وسمّى النقد المصنوع من الذهب دیناراً، ومن الفضة درهماً، وإنّما صنع الأوّل للمعاملات الضخمة، والثّانی للصغیرة، ثمّ لمّا احتاجوا إلى نقود اصغر من الدرهم، اخترعوا قطعات نقد من النحاس، ومضت على ذلک أزمنة طویلة إلى أن برزت مشکلة اُخرى وهی لزوم مقادیر کثیرة من الدرهم والدینار للمعاملات الضخمة وصعوبة حملها فی الاسفار، وقد قارن هذا الأمر، ظهور صنعة الطبع واختراع أنواع مختلفة من القرطاس، فاستفادوا منه کاداة للمبادلات وبما ان القرطاس لم یکن بنفسه ذا مالیة معتنى بها، جعلوا له رصیداً معیناً وطبعوا قطعات مختلفة منه مع الختم والتوقیع والتشریفات الرسمیة لئلاّ یغش فیه.

 

وهکذا ظهرت النقود الورقیة وبقیت رائجة فی مختلف الدول إلى یومنا هذا، وقد عرفت قدرة الحکومة وإلتزامها بتنفیذ المبادلات بواسطة هذه النقود یعدّ اهمّ رصید لها، وإن یوجد فی جنبها بعض الارصدة الاُخرى، کالثروات القومیة وسبائک من الذهب والفضة، لکنّها لا تعادل دائماً مقدار النقود الموجودة فی المملکة، لکن هذا لایعنی أنّ للحکومة حق طبع أی کمّیة من هذه النقود ونشرها بین الناس لأن ذلک یؤدی إلى التضخم المالی.

 

وممّا ذکرنا یظهر أن النقود الورقیة تختلف ماهیةً عن الدرهم والدینار وإن یمکن جعلهما رصیداً لها فی بعض الأوقات، لکنّه لا یعنی جواز تبدیلها بالذهب أو الفضة إلاّ فیما إذا کان الورق حوالة إلیهما، خلافاً لما هو الموجود فی النقود الورقیة الرائجة الیوم، فإنها تعدّ بنفسها مالاً مستقلاً بقطع النظر عن إمکان تبدیلها بالذهب أو الفضة وعدمه، فاحتفظ بهذه النتیجة فإن الدقّة فیها تعیننا على الأجابة عن الأسئلة التی طرحناها فی صدر البحث.

 

منه: هل یجری الربا فی النقود الورقیة أو یختص ذلک بالدرهم والدینار

 

والجواب: إن الربا على قسمین: قرضی ومعاوضی، ولا شکّ فی جریان الربا القرضی فی النقود الورقیة أیضاً، فلا یجوز أخذ الزیادة فی القرض ولو کانت قراءة سورة من القرآن.

 

أمّا الربا المعاوضی بحیث یعاوض (1000) تومان مثلاً مع (1100) تومان، فنقول أنه لایجری فی الأوراق المالیة خلافاً للدرهم والدینار حیث یجری فیهما وذلک لاختصاص الربا المعاوضی بالمکیل والموزون، ومن الواضح أن الدرهم والدینار لکونهما ذهباً وفضة یعدّان من الموزونات بینما النقود الورقیة تعدّ من المعدود.

 

نعم، لو کانت النقود الورقیة فی الواقع حوالة إلى الدرهم والدینار لجرى فیها الربا المعاوضی، لکنک قد عرفت أنّ لها مالیة مستقلة، وامّا الرصید فهو یشبه العین المرهونة، فکما أن العین المرهونة وثیقة عند الدائن قبال المدیون، کذلک الرصید شبه وثیقة عند الناس قبال الحکومة، فانّ مالک الورق المصرفی یعدّ دائناً والحکومة مدیوناً، ووثیقة هذا الدین هو ذاک الورق.

 

وبناءً على هذا أفتى بعض الفقهاء بجواز بیع مقدار من النقود الورقیة بأکثر منها فی مدّه معیّنة، کمن یبیع الیوم ألف تومان مثلاً بألف ومائتین تومان بعد شهرین، بشرط أن یکون قصده الجدّی هو البیع لا أخذ الزیادة فی القرض، فإنه لا یجوز قطعاً لکونه من الربا المحرّم ولنا على هذا الکلام اشکال یمنع عن صحّة المعاملة، وهو أن النقود الورقیة تجعل فی عرف العقلاء ثمناً لا مثمناً ولذا لا یقدم على بیعها إلاّ من کان قاصداً لاعطاء القرض إلى غیره وأخذ الزیادة فیه، وعلیه فلا یشمل الأمر بالوفاء فی قوله تعالى: (اوفوا بالعقود) بیع النقود الورقیة وشرائها، فإن المراد من العقود فی الآیة هی العقود المتعارفة الرائجة بین العقلاء فلا تشمل جمیع العقود.

نعم، یجوز بیع الأوراق المالیة فی موردین لا ثالث لهم:

 

الأوّل: تبدیل النقود المختلفة بعضها ببعض کمن یبیع الدولار بالریال فإن هذه المعاملة عقلائیة ورائجة بین العقلاء.

 

الثّانی: تبدیل الدین المؤجل بالحال کما إذا کان لزید مثلاً دینٌ مؤجل على عمرو بمقدار مائة ألف تومان وکان وقت استحقاقه بعد شهر، فیبیع زید هذا الدین من عمرو بتسعین ألف تومان حالاً. هذه المعاملة أیضاً لا إشکال فی صحّتها لرواجها بین العقلاء.

 

والظاهر أن العقلاء لا یعرفون لمعاملة النقود الورقیة إلاّ ثلاثة موارد، اثنان منها ما ذکرناه آنفاً والمورد الثّالث هو القرض الذی عرفت أنه لایجوز أخذ الزیادة، فیه فإذا لم یکن بیع الورق المصرفی لتبدیله بنقد آخر أو تبدیل الدین المؤجل بالحال، فلا دلیل على جوازه، بل الدلیل على خلافه لعدم تعارفه بین العقلاء، فیحرم، ولا أقل من وجوب الاحتیاط فی ترکه.

 

السؤال الثّانی من الأسئلة المطروحة حول الورق المصرفی التی طرحناها فی صدر البحث کان: أنه هل تجوز المضاربة بالنقود الورقیة أو ل

 

المشهور بین الفقهاء اشتراط صحّة المضاربة بوقوعها بالدرهم أو الدینار، وعلیه فلا یصحّ شیء من المضاربات الواقعة فی زماننا لعدم وقوعها على الدرهم أو الدینار، ولکنک بعد الخبرة بما ذکرناه سابقاً تعرف عدم صحّة هذه النظریة، وذلک لعدم کون الورق المصرفی حوالة إلى الدرهم أو الدینار حتّى یجری علیه حکمهما. هذا وقد أفتى بعض الأعاظم بصحّة المضاربة بکلّ شیء بشرط أن لا یکون عروضاً، وعلیه فتصح المضاربة بکل نقد من النقود الرائجة دیناراً کانت أو ریالاً أو دولاراً أو غیرها.

 

أقول: حتّى لو لم نقل بصحّة هذا القول، بل قلنا أنه یعتبر فی صحّة المضاربة وقوعها بالدرهم أو الدینار، فلا سبیل لنا فی إنکار صحّة المضاربة بالنقود الرائجة، وذلک لا بما أنها مضاربة شرعیة، بل لأنها عقد مستحدث مشتمل على جمیع شرائط الصحّة، فیشمل قوله تعالى (أوفوا بالعقود)، وإن لم یسمّ مضاربة لانه لیس للتسمیة دخل فی صحّة العقود، إذ المضاربة لیست موضوعاً لأحکام خاصّة فی أخبارنا، فالملاک فی صحّة کلّ عقد هو شمول «أوفوا» له، قدیماً کان ذاک العقد أو حدیثاً، ولایخفى أن قوله تعالى (أوفوا بالعقود)قضیة حقیقیة لا خارجیة، فیشمل جمیع العقود الرائجة بین العقلاء حتّى المستحدثة منها.

 

ومن هنا یتضح أنّ ما درج فی زماننا من اعطاء شخص نقوداً معینةً لآخر لکی یصرفها فی الاُمور الانتاجیة ثمّ تقسم المنفعة بینهما، عقد صحیح شرعاً وإن لم یسمّ مضاربة، فإن المعروف فی صحّة المضاربة اشتراط وقوعها فی الاُمور التجاریة دون الانتاجیة کاحداث المصانع، ولکن قبول هذا الشرط لا ینتج عدم صحّة تشغیل رؤوس الأموال فی الاُمور الانتاجیة، وذلک لأنه عقد مستحدث عقلائى مشمول لقوله تعالى (أوفوا بالعقود)، سَمِّه ما شئت.

 

السؤال الثّالث: کان فی بیع الصرف بالنقود الورقیة، فإن من الشرائط المعتبرة فی بیع الصرف (وهو بیع الدرهم والدینار) وقوع القبض فی المجلس، فهل یعتبر هذا الشرط فی بیع النقود الورقیة، اَو ل

 

قد عرفت ممّا تقدّم أن النقود الورقیة لیست هی الدرهم والدینار ولا حوالة إلیهما، فلا یعتبر فی بیعها ما یعتبر فی بیعهما، ومنها (أی ممّا یعتبر فی بیع الدرهم والدینار التی لا تعتبر فی بیع النقود الورقیة) القبض فی المجلس کما لا یعتبر ذلک فی سائر المعاملات.

 

السؤال الرّابع: فی موضوع زکاة النقدین، فهل تجری الزکاة المعتبرة فی النقدین، بالنسبة إلى النقود الورقیة أو ل

 

أقول: إنّما تجب الزکاة فی النقدین إذا کانا مسکوکین رائجین وبما أن الورق المصرفی لیس بشیء من النقدین، أعنی الذهب والفضة ولا مسکوکاً فلا تجب الزکاة فیه.

 

سلمنا أن مالک النقود الورقیة، یملک فی الواقع مقداراً مساویاً لتلک النقود، من الذهب والفضة فی خزانة الدولة، فمن یملک عشرة آلاف تومان مثلاً فی زماننا، یملک سکّة ذهبیة واحدة لکنّه مع ذلک لا تجب فیها الزکاة إذا وصلت إلى حدّ النصاب، وذلک لأنه یعتبر فی النقد أن یکون مسکوکاً بسکة رائجة، بینما العملات الذهبیة الموجودة فی زماننا لیست دارجة فی المعاملات الواقعة فی الأسواق بحیث تُجعل ثمناً للمبیع، بل أنها بنفسها تحتسب مثمناً ویدفع الثمن بازائها.

 

وعلى هذا لو تملک شخصٌ عشرات من هذه العملات الذهبیة وحال علیها الحول، لم یجب فیها شیء من الزکاة.

 

هذا ولکن هنا إشکال، وهو أنّ المستفاد من مجموع الأخبار الواردة فی الزکاة، تقدیر الله تعالى اقوات الفقراء فی أموال الأغنیاء وهذا التقدیر بمکان من التدقیق بحیث لو عمل الأغنیاء بما وجب علیهم لما وجد فی المجتمع فی ظلَّ حکم إسلامی فقیر ولا محتاج مسکین.

بیان ذلک: أن الشارع الأقدس قد رأى أن المعاملات الرائجة بین الناس تنحصر فی اُمور ثلاثة من التجارة والزراعة وتربیة المواشی، والتجارة فی قدیم الأیّام کانت تدور على مدار الذهب والفضة، فلذا أمر الشارع بوجوب اداء زکاة النقدین فیما إذا اخرجا عن مدار المعاملة وحُبسا فی البیوت، وبما أنّ مدار المعاملات فی زماننا هی النقود الورقیة، فتأتی فیه علّة وجوب الزکاه فی النقدین فتجب فیها الزکاة، وبعبارة اُخرى الزکاه إنّما تجب فی النقدین بما أنهما نقدان رائجان لا بما أنهما جنسان مخصوصان، فتجب فی کلّ نقد رائج ذهباً کان أو فضة أو غیرهما وإن أبیت عمّا ذکرنا وأخرجت الذهب والفضة عن دائرة شمول الزکاه لکونهما غیر مسکوکین رائجین فی زماننا، فکیف تقول بکفایة الزکاة لقضاء حاجات الفقراء مع أن أکثر المواشی فی زماننا معلوفة ولیست بسائمة حتّى تشملها الزکاة فلا تبقى للزکاة إلاّ الغلات الأربع والزکاة الواجبة فیها إنّما هی نصف عشرها، فهل هذا هو الزکاة التی وصفت بأنها تسدّ حاجات الفقراء !

 

أقول: أوّلاً أنّ ما یصرف لسدّ حاجات المحتاجین لیس هی الزکاة فقط، بل هناک واجب مالی آخر وهو الخُمس، الذی یصرف نصفه بعنوان سهم الإمام فی الاُمور المرضیة عند الشارع، کإقامة الحوزات العلمیة الدینیة وطبع الکتب الإسلامیة ورفع حوائج الفقراء، ونصفه الآخر بعنوان سهم السادة فی سدّ حوائجهم، ومن الواضح أن الخُمس أکثر مقداراً ومورداً من الزکاة، إذ الزکاة فی الأنعام الثّلاثة والنقدین 5,2 فی المائة وفی الزراعة 10 فی المائة قبل اخراج مؤونة السنة، بینما مقدار الخُمس عشرون فی المائة ویجب فی جمیع أرباح المکاسب بعد اخراج مؤونة السنة، فلو لم تکف الزکاة لرفع حوائج الفقراء یمکن صرف الخُمس فی ذلک.

 

وثانی: هناک أحادیث اُخر تصرّح بانحصار موارد الزکاة فی الأشیاء التسعة المعروفة.

 

منه: ما فی معانی الأخبار عن أبیه عن محمّد بن یحیى عن محمّد بن أحمد عن موسى بن عمر عن محمّد بن سنان عن أبی سعید القماط عمّن ذکره عن أبی عبدالله (علیه السلام) أنه سئل عن الزکاة فقال: وضع رسول الله (صلى الله علیه وآله)الزکاة على تسعة وعفا عمّا سوى، ذلک الحنطة والشعیر والتمر والزبیب والذهب والفضة والغنم والإبل، فقال السائل: فالذرة فغضب (علیه السلام) ثمّ قال: کان والله على عهد رسول الله (صلى الله علیه وآله) السماسم والذرة والدخن وجمیع ذلک. فقال: أنهم یقولون إنه لم یکن ذلک على عهد رسول الله (صلى الله علیه وآله) وإنّما وضع على تسعة لمّا لم یکن بحضرته غیر ذلک فغضب ثمّ قال: کذبوا فهل یکون العفو إلاّ عن شیء قد کان ولا والله ما أعرف شیئاً علیه الزکاة غیر هذا فمن شاء فلیؤمن ومن شاء فلیکفر(1).

 

وبملاحظة هذه الروایة ومثلها یظهر أن ما ورد من قوله (علیه السلام): أن الله فرض فی أموال الأغنیاء أقوات الفقراء إنّما هو من باب بیان حکمة الحکم لا علته، وذلک لأن ظهور تلک الروایات فی الانحصار أقوى بمراتب من ظهور قوله (علیه السلام) أن الله فرض... فی عدم الانحصار، ولایخفى أن الحکمة تجری فی أکثر الموارد لا جمیعها، مع أن العلّة تجری فی کلّ الموارد، وهذا هو الفارق بین العلّةوالحکمة.

 

 

ومن مصادیق الحکمة وجوب الاعتداد على المرأة المطلّقة للاحتراز عن اختلاط المیاه، فانّ هذا الوجوب ثابت أیضاً فیما لم یکن بین الزوجین مواقعة أصلاً، فلیس هناک ماءٌ حتّى یحتمل اختلاط المیاه، لکنه لایوجب رفع الحکم، لکون الدلیل وارداً مورد الغالب، فیکون من باب لحکمة لا الغلة.

 

وهکذا یتضح أن ظاهر تلک الأحادیث، موضوعیة الأجناس التسعة لا طریقیتها، وأمّاعلّة انحصار الزکاة فی تلک الأشیاء فلم تظهر لنا ولیس بواجب علینا علمها، إذ ربّ حکم شرعی لیس لنا سبیل إلى فهم علته وإن یمکن فهم حکمته.

 

نعم، أن جمیع الأحکام الشرعیة دائرة مدار المصالح والمفاسد، فإنّ الله تعالى لایأمر إلاّ بما فیه مصلحة ولا ینهى إلاّ عمّا فیه مفسدة لکن باب العلم بشخص هذه المصالح والمفاسد بنحو العلّة التامّة (دون العلّة الناقصة أعنی الحکمة) فی کثیر من الأحکام الشرعیة مغلقٌ علینا.

 

إن قلت: هناک أحادیث تدلّ على أنّ أمیرالمؤمنین (علیه السلام) جعل على البرذون زکاة کما رواها محمّد بن مسلم وزرارة عنهما جمیعاً (علیهم السلام) قال: وضع أمیرالمؤمنین (علیه السلام)على الخیل العتاق الراعیة فی کلّ فرس فی کلّ عام دینارین وجعل على البَراذِین(2)دیناراً(3).

 

قلن: أن التدقیق فی أخبار الباب یرشدنا إلى أن ذلک من أمیرالمؤمنین (علیه السلام) کان حکماً حکومیاً مناسباً لظروفه الخاصّة، به ولم یکن بیاناً لحکم شرعی دائمی، ولذا صرّح الصادق أو الباقر (علیهما السلام) بأنه لیس فی شیء من الحیوان زکاة غیر هذه الاصناف الثلاثة الإبل والبقر والغنم(4).

 

ویشاهد نظیر هذا الأمر فی زمان الجواد (علیه السلام) حیث أمر شیعته فی السنة 220 الهجریة بدفع خمسین اثنین من باب الحکم الحکومی ولذا کان مختصاً بتلک الظروف.

 

ثالث: سلمنا شمول الزکاة للنقود الورقیة لکنّه لایوجب سدّ حاجات الفقراء ولا یترتب علیه ثمرة فقهیة مهمّة، وذلک لأن من شروط تعلّق الزکاة مضیّ الحول، ومن الواضح أن الناس فی الغالب لا یدّخرون نقودهم الورقیة حتّى حال علیها الحول وصارت مشمولة للزکاة، بل یجعلونها فی البنوک، وماهیة هذا الأمر هو القرض لا الامانة (کما سوف یأتی بحثه إن شاء الله تعالى) فإن البنک یتصرف فی النقود المودعة عنده، ومن الواضح عدم جواز التصرّف فی الامانة بینما یجوز ذلک فی القرض.

 

وعلى کلّ، إذا أقرض شخص شخصاً آخر وبقى مال القرض عند المستقرض حتّى حال علیه الحول، وجبت زکاته على المستقرض دون المقرض، وعلیه فلو بقیت النقود المودعة لدى البنک إلى مضیّ الحول، لوجبت زکاتها على البنک لکن بما أن البنک لایزال یتصرف فی النقود ویداولها ولا یدّخرها، فلا یجب علیه شیء من زکاتها بل لا تتعلّق بها زکاة أصلاً.

 

السؤال الخامس: کان فی النقود الورقیة وقوّتها الشرائیة، فهل المقیاس فی قیمة هذه النقود قوتها الشرائیة التی تتغیر فی طول الزمان أو قیمتها الأسمیة المکتوبة علیها وهی ثابتة فلو کان صداق امرأة قبل أربعین سنة مائة تومان مثلاً، وکان بإمکانها فی ذلک الزمان أن تشتری بها بیتاً صغیراً ثمّ طلبتها فی هذا الزمان، فهل یجب على زوجها اداء قیمتها الأسمیة من النقود الورقیة الموجودة فی زماننا والحال أنه لا یشتری بمائة تومان فی زماننا إلاّ طعام قلیل، أو یجب علیه دفع ما یعادل قیمتها الشرائیة فی ذلک الزمان، وهکذا یأتی الاشکال فی أبواب الضمانات وبعض الوقوف، حیث کتب الواقف بأن متولی الوقف یصرف مائة تومان مثلاً فی کلّ سنة لاطعام الناس بینما لایکفی ذلک لاطعام شخص واحد.

 

أقول: لایخفى أن هذه المشکلة إنّما حدثت بسبب التضخم المالی، والتضخم إنّما نشأ بعد رواج الأوراق المالیة فی حقل المعاملات، نعم هناک قسم آخر من التضخم لیس له صلة بالنقود الورقیة، فالتضخّم على قسمین:

 

1 ـ قد ینشأ التضخم من الاختلال فی قانون العرض والطلب بحیث لایکفی ما یوجد فی الأسواق لسدّ حاجات الناس، أمّا بسبب المجاعة الناجمة عن الجفاف مثلاً أو للاحتکار أو لبعض الحوادث کشیوع مرض معدی لا یوجد له دواء بالقدر الکافی. هذا التضخم یوجب ارتفاع الاسعار، ولیس أمراً حادثاً، بل کان معروفاً بین الناس منذ الأزمنة القدیمة عند واندلاع الحروب والمجاعة.

 

2 ـ وقد ینشأ التضخم من کثرة النقود الورقیة فی الأسواق بحیث تکون النقود أکثر من السلع الموجودة فتصیر سبباً لارتفاع الأسعار وإن کانت النقود ذات رصید فی الخزانة الحکومیة فإنّ ارتفاع الأسعار ناشىء من عدم التوازن بین السلع والنقود ومن الواضح أن هذا الملاک موجود عند وجود الرصید للنقود الورقیة کما هو ذلک عند عدمه.

 

ولایخفى أن هذا النحو من التضخم لایحصل عند انحصار النقود فی الدرهم والدینار (ولم یکن له أثر قبل رواج النقود الورقیة)، وذلک لأن مالیة الذهب والفضة مالیة ذاتیة فلا یمکن سقوطهما عن المالیة بالرغم من عدم الاستقرار فی مالیتهما، بخلاف الأوراق المالیة فإن مالیتها اعتباریة محضة، فیمکن سقوطها عن المالیة، ولهذا ترى أن النسبة بین قیمة الأجناس المختلفة وقیمة الذهب والفضة قد بقیت ثابتة تقریباً منذ الأزمنة القدیمة، بینما النسبة بینها وبین النقود الورقیة قد تغیّرت کثیراً.

 

إذا عرفت هذا فنقول:

 

إذا کانت قیمة النقود الورقیة متغیرة من زمان إلى زمان متأثرة بالظروف الاقتصادیة المختلفة فإنه لا یصحّ أن یجعل الملاک فی احتساب مالیتها، قیمتها الاسمیة المکتوبة علیها، فإنّ من الواضح البیّن لدى کلّ أحد من الناس عدم التساوی بین مائة تومان فی زماننا هذا، ومائة تومان قبل أربعین سنة.

 

وبعبارة اُخرى دقیقة، انّا نأخذ الأحکام من الشرع والموضوعات من العرف (إلاّ فی الموضوعات التی توجد فیها حقیقة شرعیة) فإذا قال الشارع الاقدس: ادّوا دیونکم، أو قال: على الید ما أخذت حتّى تؤدیه، نأخذ المعیار فی تحقّق الاداء وعدمه من العرف، فإنَّ وجوب الأداء حکم شرعی مأخوذ من الشارع، بینما نفس الأداء موضوع الحکم فیؤخذ ممّا القى إلیه الحکم، وهو العرف أعنی عرف العقلاء، وواضح أن العرف لا یرى الأداء محقّقاً عند دفع المستقرض مائة تومان لمن استقرضه ذلک المقدار قبل أربعین سنة مثلاً، وعلیه فلم یمتثل أمر الشارع بوجوب اداء الدین.

 

هذا مضافاً إلى أن أصل العدل من الاُصول الإسلامیة المسلّمة لدى الإسلامیین، ویدلّ علیه قول تعالى (یا أیّها الذین آمنوا کونوا قوامین بالقسط شهداء لله)، ومن الواضح أن دفع مائة تومان فی المثال لایکون من العدل عند عرف العقلاء بل اشبه شیء عندهم بالهزل.

 

وأن أبیت عن جمیع ذلک فنقول لا أقل من الشکّ فی تحقّق الاداء فی المثال بینما لا نشک فی اشتغال ذمّتنا بالدَیْن، والاشتغال الیقینی یقتضی البراءة الیقینیة وهی توجب الاحتیاط بأن یدفع إلى المقرض من النقود الورقیة ما یعادل مالیة مائة تومان قبل أربعین سنة.

 

إن قلت: الإلتزام بهذا الأمر یقتضی الإلتزام به فی الاختلافات الیسیرة الواقعة فی مالیة الأوراق المالیة، وعلیه فمن استقرض مائة تومان مثلاً فی هذه السنة، یجب علیه عند دفعه فی السنة الآتیة محاسبة میزان التضخم فی هذه المدّة ودفع ما یوازن مالیة مائة تومان من النقود فی السنة الآتیة، ولو کان التفاوت بینهما یسیراً کثلاثة توامین مثلاً.

 

قلن: استقرت سیرة العقلاء على عدم الاعتناء بتغیر المالیة إذا کان یسیراً، فیحسبون مائة تومان فی هذه السنة مساویاً لمائة تومان فی السنة الآتیة، وإن کانا فی الواقع غیر مساویین، ویشهد لذلک اقدامهم على الاقراض مع علمهم بأن مالیة النقود تتغیر، وهذا یعنی قبولهم لهذا المقدار الیسیر من سقوط المالیة بخلاف ما إذا کان التفاوت فاحشاً فإنهم لا یقدمون على قبول هذا النحو من التفاوت فی مالیة النقود أبداً.

 

نعم، لو تغیّرت سیرة العقلاء فی هذا الأمر وصارت تحتسب أی تفاوت فی المالیة ولو کان یسیراً (کما هو کذلک فی بعض البلاد) فعند ذاک یجب احتساب التفاوت بأیّ مقدار کان عند دفع القرض.

 

لکن بما أن العرف العام فی بلادنا لیس کذلک ولا یعتنى بالمقادیر القلیلة من التفاوت فی المالیة، لم یجب على المستقرض احتساب هذا النحو من التفاوت عند الدفع.

 

ولایخفى أننا نرجع إلى العرف العام أو السیرة العقلائیة فیما نحن فیه لتبین الموضوع لا الحکم، ولذا قلنا أن العرف العام فی بلادنا یختلف عن العرف فی البلدان الأُخرى وهذا الاختلاف بما أنه اختلاف فی تشخیص الموضوع یوجب بالتالی اختلافاً فی تعیین الحکم کما انّ بعض الأشیاء تباع فی بعض البلاد بالعدد فی حین تباع فی بلاد اُخرى بالوزن، ولذا یأتی فیه الربا فی الثّانی دون الأوّل، فإنه لا ربا فی العدد.

 

فتلخص أنه یجب عند انخفاض مالیة الأوراق المالیة (أو ارتفاعها فی الموارد النادرة) احتساب القوّة الشرائیة الموجودة فی النقود بالذهب أو الفضة لتأدیة الدیون.

 

لکن إذا کانت قیمة الذهب والفضة متفاوتة یجب ملاحظة الأقل قیمة، فإنّ المقام من باب الدوران بین الأقل والأکثر واشتغال الذمّة بالأقل یقینی، بینما اشتمالها بالأکثر مشکوک فتجری فیه البراءة، وعلى أیة حال لا إشکال فی عدم الاجتزاء بالمقدار الأسمی المکتوب على الأوراق المالیة عند تغییر مالیتها تغییراً معتنى به عند العرف العام.

 

وإن أبیت عمّا ذکرناه وحققناه فلا أقل من کونه موافقاً للاحتیاط فی أموال المسلمین فیلزم العمل به احتیاطاً وجوبیاً أو المصالحة بین الداین والمدیون.

 

وهناک دلیل آخر یمکن الاستدلال به على المطلوب، وهو القاعدة المعروفة بـ «لا ضرر»، فإن مقتضاها انتفاء کلّ حکم یوجب ضرراً، ومن الواضح أن عدم الاعتناء بتغییر مالیة النقود فیما إذا کانت کثیرة یوجب ضرراً على الدائن فیکون منفیاً بلا ضرر.

 

إن قلت: أن هذه القاعدة إنّما تنفی الأحکام الضرریة، لکنّها لا تثبت أحکاماً اُخرى مقامها، فهی تنفی الوضوء والغسل الضرریین أو الاداء الموجب لضرر الدائن، لکنّها لا توجب على المدیون اداء ما یوازن مقدار الدَیْن فی مالیتها.

 

قلن: أولاً لا نسلّم عدم کون «لا ضرر» مثبتاً للحکم، بل أن هذه القاعدة تثبت الحکم کما تنفیه، والشاهد على ذلک نفس دلیلها، أعنی حدیث سمرة بن جندب، حیث أمره النبی (صلى الله علیه وآله) بالاستیذان من الأنصاری، ومن الواضح أن وجوب الاستیذان من باب إثبات الحکم بقاعدة لا ضرر.

 

وثانی: أن الاستدلال هنا یتم ولو لم تکن القاعدة مثبتة للحکم، وذلک لأن المقصود من الاستدلال إثبات عدم کفایة اداء الدین بملاحظة المقدار الاسمّى، ولا شکّ أن هذا حکم منفی مترتب على القاعدة، وامّا اداء الدین بملاحظة میزان المالیة فاثباته لا یحتاج إلى الاستناد بالقاعدة، بل یثبت ذلک بقاعدة على الید، وإنه على الید ما اخذت حتّى تؤدیه، والاداء لا یتحقّق إلاّ بدفع ما یعادل مالیة الدین.

 

السؤال السّادس: من المسائل المربوطة بالأوراق النقدیة کان فی إبطال اعتبارها بید الحکومة واسقاطها عن المالیة وترویج نقود ورقیة اُخرى مکانها فهل یجوز لأحد کان مدیوناً لآخر أن یدفع دَیْنه إلى الدائن بالنقود الساقطة عن الاعتبار اَوْ ل

 

أقول: جواب هذا السؤال اتّضح بحمد الله بعدما حققناه من اعتباریة مالیة هذه النقود اعتباراً محضاً، فلا مالیة للنقود الساقطة عن الاعتبار أصلاً وعلیه فلا یجزی اداء الدین بها کما لایشکّ فی عدم اجزائه أحدٌ من أهل العرف فی زماننا هذا.

 

لکن العجب من بعضهم حیث قال: إن سقطت الأوراق عن المالیة یمکن اداء الدین بها. واستدل له، بأن المعتبر فی اداء الدین إذا کان مثلیاً إنّما هو دفع المثل فقط، فیجب على المدیون أن یدفع إلى الدائن مثل ما استقرضه منه من النقود الورقیة، وامّا سقوط تلک النقود عن الاعتبار فلا ربط له بالمدیون ولا شیء علیه من هذه الجهة، لأنه أمرٌ قد صدر من جانب الحکومة والمدیون قد ادّى ما وجب علیه.

 

ثمّ شبَّه کلامه بما ذکره الشیخ الأعظم فی المکاسب، من أنه إذا أخذ شخص من آخر شیئاً من الثلج فی الصیف جاز له أن یدفع إلیه مثل ذاک الثلج فی الشتاء، وکذا إذا أخذ منه شیئاً من الماء فی الصحراء فإنه جاز له أن یدفع إلیه مثل ذلک الماء على شاطئ النهر، فکما أن الزمان فی مثال الثلج والمکان فی مثال الماء أوجبا سقوطهما عن المالیة کذلک فیما نحن فیه، فانّ الحکومة أوجبت سقوط الأوراق عن المالیة، وکما یجوز اداء الدین بهما فی المثالین، کذلک یجوز اداء الدین بالأوراق الساقطة فی ما نحن فیه. والسرّ فی جمیع ذلک کفایة اداء المثل فیما إذا کان الدین مثلیاً.

 

أقول: هذا القول یحمل فی طیاته العجب وترد علیه الایرادات التالیة:

 

أوّل: إن العقلاء لا یرون الاداء فی شیء من هذه الموارد، اداءاً واقعیاً للدَیْن، وقد عرفت أن الاداء أمرٌ عرفی، وتشخیص، تحقّقه وعدمه موکول إلیهم، فکیف یصحّ تخطئة قولهم فیما أرجع إلیهم الشارع !

 

ثانی: إن معیار المثلیة فی النقود الورقیة إنّما هو میزان المالیة والاعتبار لا الشکل الظاهر، فلا مثلیة بین الأوراق المعتبرة والأوراق الساقطة عن الاعتبار، وعلیه فلا یجزی اداء الدین بالأوراق الباطلة.

 

ثالث: سلّمنا تحقّق اداء الدین فی الأمثلة الثّلاثة لکنّه مع ذلک لایجزی لکونه موجباً للضرر المنفی. وبعبارة اُخرى دقیقة: یقع التعارض فی هذه الموارد بین قاعدة على الید وقاعدة لا ضرر، ومن الواضح رجحان قاعدة لا ضرر على قاعدة على الید.

 

لایقال: أن قاعدة لا ضرر هی نافیة للأحکام الضرریة، ولا تثبت حکماً آخر مکانها، فلا یمکن أن یثبت بها وجوب دفع الأوراق المعتبرة على المدیون.

 

فإنه یقال: قد عرفت منّا آنفاً أن هذه القاعدة مثبتة للحکم کما تکون نافیة للأحکام الضرریة، والشاهد على ذلک إلزام النبی الأعظم (صلى الله علیه وآله) لسمرة بن جندب بوجود الاستیذان اعتماداً على هذه القاعدة. هذا أولاً.

 

وثانی: سلّمنا عدم کون القاعدة مثبتة للحکم، لکنّه لا یضرّ بالمقصود، لأنه إذا کان اداء الدین بالثلج فی الشتاء وبالماء على شاطىء النهر وبالأوراق الباطلة منفیاً بهذه القاعدة، فلا شکّ فی بقاء الدین على حاله واشتغال ذمّة المدیون، به فیجب علیه ادائه، ومن الواضح أنه لا یتحقق الاداء إلاّ بدفع الأوراق المعتبرة.

 

رابع: أن للزمان والمکان دخلاً فی مالیة بعض الأشیاء، فالثلج مثلاً یشترى ویباع فی الصیف، بینما لا مالیة له فی الشتاء، بل یبذل المال بازاء ازاحته عن سطوح المنازل، کما أن الماء یبذل بازائه ثمن غال فی صحراء قاحلة بینما لا قیمة له على شاطىء النهر.

 

اضف إلى ذلک کلّه أن هناک بعض الأشیاء تقوم قیمتها بالاعتبار ولا دخل لغیر الاعتبار فیها، ومنها الأوراق المالیة ولا شکّ أن المالیة هی عمود الرئیسی فی المعاملات، وإن کان لغیرها احیاناً تأثیر فی المعاملة کالعینیة والمثلیة ونظائرها لکن مدار المالیة فی النقود الورقیة إنّما هو المالیة لیس إلاّ وعلیه إن استقرض شخص من آخر ورقاً باللون الأخضر لم یجب علیه دفع ورق بذاک اللون إلى الدائن، بل یجب علیه أن یدفع ما یساوی مالیته من النقود الورقیة بأیّ لون کانت.

 

هذا وقد أُجیب عمّا ذکرناه بجوابین: نقضی وحلّی:

 

أمّا الجواب النقضی: فهو أنه بناءً على ما ذهبتم إلیه من اعتبار تساوی المالیة بین القرض والاداء، لوجب القول بعدم تحقّق الاداء عند حصول التفاوت الیسیر، فمثلاً إذا استقرض أمس شیئاً من الثلج وأراد أن یدفع إلى الداین مثله فی هذا الیوم مع أن قیمة الثلج قدنزلت قلیلاً بسبب برودة الهواء، لوجب على المدیون مضافاً إلى دفع مثل الثلج، أن یدفع تفاوت القیمة بین الثلج فی هذا الیوم والثلج فی الامس مع أنه لم یقل به أحد.

 

وأمّا الجواب الحلّی: فهو وجوب اداء المثل فی المثلی والقیمة فی القیمی بصرف النظر عن التغییر الحادث فی المالیة بسبب الزمان أو المکان أو الحکومة.

 

أقول: یرد على الجواب النقضی ما ذکرناه سابقاً من عدم اعتناء العقلاء بالتفاوت الیسیر فی القیمة، فإنهم یوطنون أنفسهم على قبول هذا التفاوت فیما إذا حدث خلافاً للتفاوت الکثیر، وبعبارة اُخرى التفاوت الیسیر یصیر مشمولاً لقاعدة الاقدام دون الکثیر منه، وذلک یوجب صدق الاداء عرفیاً عند التفاوت الیسیر فقط، وعلیه فقیاس أحدهما بالآخر قیاس مع الفارق.

 

وأمّا الجواب الحلّی: فهو أشبه بالهزل، فکیف یصح قصر النظر على المثل والقیمة وصرفه عن المالیة فهل اعتبر بقاء المثل أو القیمة إلاّ للتحفظ على المالیة کلاّ، فلا یشترط فی اداء الثلج والماء مجرد المالیة، بل هی مع المالیة، والمراد من التحفظ على المثلیة هو اعتبار المماثلة فی الصفات مضافاً إلى اعتبارها فی القیمة، بینما لا یشترط فی القیمی إلاّ المماثلة والتساوی فی القیمة، فإنهم قالو: یجب فی المرتبة الاُولى فی اداء الدین دفع العین فیما إذا کانت موجودة، وفی المرتبة الثّانیة اداء المثل فیما إذا کان مثلیاً وکانت الأوصاف مرغوباً فیها ومعتبرة، وفی المرتبة الثّالثة دفع القیمة.

 

ولایخفى أن المعیار فی المالیة هو عرف العقلاء، فالمال هو ما یکون مالاً عند نوعهم لا عند شخص منهم دون آخرین، فلو بذل شخص من العقلاء اموالاً بازاء الأوراق المالیة الباطلة لبعض الأغراض الشخصیة، لم یوجب ذلک اعتبار المالیة لهذه النقود فإن ملاک المالیة هو الاغراض النوعیة عند عرف العقلاء.

 

ثمّ أعلم أن فی اداء الدین بالمثل والقیمة أقوالاً ثلاثة:

 

1 ـ کفایة اداء المثل ولو سقط عن المالیة، فیکفی دفع الثلج فی الشتاء والماء على شاطىء النهر، وقد اسند هذا القول إلى المشهور مع أن الظاهر خلافه، ویشهد لذلک ما ذکره شیخنا الأنصاری (قدس سره) فی کتاب البیع بقوله: «واحتمل أن یکون اداء المثل کافیاً والأقوى خلافه» فإنه لم یسند القول إلى المشهور، بل ضعَّفه وجعل الأقوى خلافه.

 

2 ـ کفایة اداء العین فیما إذا کانت باقیة، ولو سقطت عن المالیة دون ما إذا لم تکن باقیة، فیجب التحفظ على المالیة باداء ما یساوی مالیة العین المصروفة، ولایکفی اداء المثل، فیکون هذا القول قولاً بالتفصیل.

 

3 ـ عدم کفایة اداء العین ولا المثل فیما إذا لم تکن المالیة محفوظة بالمعیار الرئیسی فی تحقّق الاداء إنّما هوالتحفظ على المالیة سواء بقیت العین أم لا فلو کانت العین باقیة والمالیة زائلة لم یجز اداء العین، ولو لم تکن العین باقیة، لم یجز اداء المثل إلاّ إذا کانت المالیة محفوظة، وهذا هو المختار.

 

توضیح ذلک: انّ لکلّ عین ثلاث جهات:

 

1 ـ الصفات الشخصیة.2 ـ الصفات النوعیة. 3 ـ المالیة.

 

فصاع من الحنطة مثلاً له صفات شخصیة بملاحظة کونها من الحقل الزراعی الفلانی، وصفات نوعیة بملاحظة کونها حنطة لا شعیراً، وله مالیة أی یبذل بازائه المال.

 

فلو غصب الغاصب مالاً لأحد یشتمل على هذه الممیّزات الثّلاث وجب علیه فی المرتبة الاُولى تدارک جمیع تلک الممیّزات ویحصل ذلک بردّ العین إلى المالک، وإلاّ لو کانت العین تالفة والمثل باقیاً وجب علیه اداء المثل المشتمل على الصفات النوعیة والمالیة فی المرتبة الثّانیة، وإلاّ لولم یکن المغصوب مثلیاً (والمفروض تلف العین) وجب دفع المالیة فی المرتبة الثّالثة.

ولایخفى أنه متى کان تدارک جمیع الخصوصیات ممکناً لا یصل الدور إلى الرتبة الثّانیة، کما أنه لایجوز الاقتصار على دفع المالیة فیما إذا کان المثل باقیاً.

ومن هنا یتضح عدم صحّة القولین الأوّلین، وذلک لعدم التحفظ على المالیة فیهما کما فی ردّ عین الماء إلى مالکه على شاطىء النهر والثلج فی الشتاء. هذا وقد استدلّ للقول الأوّل بدلیلین:

 

1 ـ أن قاعدة «على الید ما أخذت حتّى تؤدیه» إنّما تشمل العین دون المالیة، فإن المالیة أمر اعتباری عقلائی، والمأخوذ هو العین فیتحقّق الاداء بدفعها إلى مالکها إن کانت موجودة، وإلاّ فیدفع المثل، وعلیه فلا یلزم دفع المالیة.

 

أقول: جوابه قد ظهر ممّا ذکرناه، فإنّ العین قد أخذت بما أنها مالٌ، فالمأخوذ إنّما هو العین الموصوفة بالمالیة، والمدار فی الضمان هو المالیة، ولذا لا ضمان على الآخذ فیما إذا أخذ شیئاً من زبالة بعض البیوت لعدم مالیتها خلافاً لما إذا أخذ عیناً ذات مالیة، فإنه یجب علیه اداء العین أو المثل مع التحفظ على المالیة لکی یصدق الاداء عرفاً. هذا أوّلاً.

 

وثانی: لو لم تکن المالیة منظوراً إلیها فلماذا وجب دفع القیمة فی القیمی

 

أقول: وجوب دفع القیمة یدلّ على أن المالیة إنّما اُخذت بتبع العین، فالمالیة مأخوذة لکن لا مستقلاً بل بتبع العین، ولذا قالو: یضمن القیمی بقیمته وإلاّ لو لم تکن المالیة مأخوذة لوجب عدم الضمان فی القیمی فإن العین لیست بموجودة والمأخوذ لیس مثلیاً والمالیة غیر مأخوذة فرضاً.

 

ثمّ لایخفى وجود الفرق بین باب الامانة والضمان، فلو اودع نقوداً ورقیة عند واحد أمانةً ثمّ سقطت تلک النقود عن درجة الاعتبار لا شیء على الودعی إلاّ دفع نفس تلک النقود، وذلک لأن یده امانیة، والمفروض أنه لم یُفْرِط ولم یفرّط.وبعبارة اُخرى: الامانة فی هذا الفرض امانة مالکیة وکان بامکان المالک أن یأخذ نقوده من الودعی ویبدلها بالنقود الجدیدة المعتبرة متى شاء، لکنّه کفّ عن ذلک باختیاره ولا ضمان على الأمین.

 

وهکذا الکلام فی اللقطة فإنها امانة شرعیة، وعلیه فلو وجد ورقاً وفحص عن مالکه حتّى یردّه إلیه، لکن الورق سقط عن الاعتبار فی هذا الاثناء من قِبل الحکومة، لیس علیه ضمان فإنه امین ولا ضمان على الأمین.

 

2 ـ وهو العمدة، الروایتان 2 و 4 فی الباب 20 من أبواب بیع الصرف من کتاب وسائل الشیعة وإلیک نصهم:

 

الروایة 2 ـ باسناده (أی الشیخ الطوسی) عن محمّد بن الحسن الصفار عن محمّد بن عیسى عن یونس قال:

 

کتبت إلى أبی الحسن الرضا (علیه السلام) إنه کان لی على رجل عشرة دراهم وإن السلطان اسقط تلک الدراهم وجاءت دراهم أعلى من تلک الدراهم الاُولى ولها الیوم وضیعة ]الضمیر راجع إلى الدراهم الاُولى یعنی نزلت مالیة تلک الدراهم فإنها بعد تباع وتشترى لکن بقیمة أرخص من قبل[ فأیّ شیء لی علیه الاُولى التی اسقطها السلطان أو الدراهم التی أجازها السلطان فکتب: لک الدراهم الاُولى.

 

أقول: الظاهر اعتبار سندها فلا نبحث من هذه الجهة. أما دلالتها فقد یبدو للناظر أنها ناظرة إلى ما نحن فیه، وعلیه فلو سقطت الأوراق عن المالیة لم یجب دفع ما یوازن مالیتها بل یکفى دفع مثلها.

 

لکن یظهر ضعف هذا الکلام عند الدقّة، فإنّ السؤال فی الروایة عن الدرهم کما أن الجواب کذلک، والدرهم لکونه من الفضة لا یسقط عن المالیة تماماً بل قد یقلّ شیء من مالیته لاخراجه عن مدار المعاملة وبطلان مسکوکة مثلاً، بخلاف النقود الورقیة حیث تسقط عن المالیة بالکلیة، فلا یمکن قیاس احدهما بالآخر لوجود الفارق، وعلیه فالروایة لا ترتبط بالمقام.

 

الروایة 4 ـ والظاهر کونها معتبرة أیضاً. عن العباس بن صفوان قال سأله معاویة بن سعید (فالروایة کما ترى مضمرة لمجهولیة مرجع الضمیر فی قوله «سأله» فلم یعلم أن الراوی عمّن سأل مطلوبه والمسؤول عنه مَنْ هو) عن رجل استقرض دراهم من رجل وسقطت تلک الدراهم أو تغیّر (أی انخفضت قیمتها) ولا یُباعُ بها شیءٌ (أی لیست رائجة بین الناس فی الأسواق ولا یعنی أنها سقطت عن المالیة لکونها من الفضة والفضة لا تسقط عن المالیة أبداً نعم یمکن سقوط شیء من مالیتها لخروجها عن دائرة المبادلات وذهاب رواجها) اَلِصاحب الدراهم، الدراهمُ الاُولى أو الجائزة التی تجوز بین الناس فقال: «لصاحب الدراهم، الدراهم الاُولى» هذا وامّا الجواب:

 

فأوّل: قیاس الدرهم بما نحن فیه قیاس مع الفارق لعدم سقوط الدرهم عن المالیة لکونه من الفضة، وقد عرفت أنّ لها مالیة شبه اعتباریة ولیست مالیتها اعتباریة محضة حتّى یمکن سقوطها عن المالیة.

 

ومن الواضح أن الدراهم کانت تُصنع من الفضة لا من الحدید أو النحاس، ولذا ورد فی الحدیث: «اهلک الناس الدرهم البیض والدینارالصفر» فلایمکن سقوطه عن المالیة بالکلیة. نعم یمکن ذهاب شیء من مالیته لذهاب رواجه بین الناس وهذا بخلاف النقود الورقیة فإنها تسقط عن المالیة بالکلیة بعد ذهاب رواجها کما الأمر کذلک فی بعض آخر من الأشیاء کالثلج فی الشتاء والماء على شاطىء النهر، ومن هنا یتضح انه لا یصح قیاس المقام بالدرهم فإنه قیاس مع الفارق. ومنه ینتج صحّة القول بأنه لیس لصاحب المال فیما إذا اقرض دراهم وتغیرت قیمتها إلاّ الدراهم الاُولى خلافاً لما إذا أقرض نقوداً ورقیة فإن تفاوت القیمة فی الأول یسیر بینما هو فی الثّانی کثیر.

 

وملخص القول أن هاتین الروایتین اجنبیتان عمّا نحن بصدده وقیاس المقام بهما مع الفارق.

 

وثانی: یمکن جعل الروایة الاُولى قرینة لفهم الثّانیة حیث ورد فی الاُولى: «جاءت دراهم أعلى من تلک الدراهم الاُولى ولها الیوم وضیعة» ومنه یفهم أن الدراهم الثّانیة کانت أعلى قیمة من الدراهم الاُولى لا بسبب رواجها فقط بل لکونها أحسن من السابقة أیضاً. فبناءً علیه یمکن حمل الروایة الثّانیة على الاُولى وجعل الثّانیة ناظرة إلى ما إذا کانت الدراهم الثّانیة أعلى قیمة من الدراهم الاُولى فإن الروایات الواردة عن الأئمّة المعصومین (علیهم السلام) تُکمل بعضها بعضاً کما أن القرآن یُکملُ بعضه بعضاً.

 

وثالث: لو سلمنا وغضضنا النظر عن الجوابین الأولین نقول: إن هاتین الروایتین معارضتان بالروایة 1 من هذا الباب(5) محمّد بن یعقوب عن علی بن إبراهیم عن محمّد بن عیسى عن یونس قال: کتبت إلى الرضا (علیه السلام)أنّ لی على رجل ثلاثة آلاف درهم وکانت تلک الدراهم تُنْفَق بین الناس (أی کانت رائجة بین الناس) تلک الأیّام ولیست تُنْفَق الیوم فلی علیه تلک الدراهم باعیانها أو ما ینفق الیوم بین الناس قال فکتب إلیّ: لک أن تأخذ منه ما ینفق بین الناس کما أعطیته ما ینفق بین الناس.

 

والظاهر أن قوله (علیه السلام) «کما اعطیته ما ینفق بین الناس» بمنزلة التعلیل فکأنه قال (علیه السلام): «لأنک أعطیته ما ینفق بین الناس» وهذه الروایة أقوى ظهوراً من السابقتین، فلو دار الأمر بینها وبینهما أخذ بها لکونها أظهر منهما ولاشکّ فی تقدّم الأظهر على الظاهر، هذا مضافاً إلى کونها (أعنی هذه الروایة 1 من الباب 20 من أبواب الصرف) أوفق واشبه باُصول المذهب أعنی وجوب مراعاة العدل بین الناس، فإنّ من الواضح أنّ اداء نقود ورقیة ساقطة عن المالیة بدل نقود اُخرى کانت لها مالیة فی زمن الأخذ، لا یوافق العدل والانصاف.

 

هذا وقد ذکر شیخنا الصدوق (رحمه الله) بعد نقل هذه الروایات، طریقاً آخر للجمع بینها حکایة عن استاذه محمّد بن الحسن الصفار وإلیک نص کلامه: کان شیخنا محمّد بن الحسن (رضی الله عنه) یقول الحدیثان متفقان غیر مختلفین فمتى کان له علیه دراهم بنقد معروف فلیس له إلاّ ذلک النقد (والمراد من النقد المعروف هو النقد الرائج) ومتى کان له دراهم بوزن معلوم بغیر نقد معروف فإنّما الدراهم التی تجوز بین الناس.

 

والمستفاد من کلامه (قدس سره) أن النقد فی تلک الأعصار کان یعامل به بنحوین من المعاملة:

 

1 ـ المعاملة به باحتساب وزنه مع غض النظر عن کونه یجوز بین الناس اَوْ لا. ففی هذه الصورة یجوز للمدیون اداء النقود السابقة بذلک الوزن المعلوم إذ المدار فیها هو الاحتفاظ بالوزن.

 

2 ـ المعاملة به بعنوان کونه رائجاً بین الناس ففی هذه الصورة لایجوز للمدیون إلاّ اداء النقود الرائجة.

 

فالروایتان الأوّلیتان ناظرتان إلى الصورة الاُولى، والأخیرة ناظرة إلى الصورة الثّانیة.

 

فتلخص من جمیع ما ذکرنا اُمور:

 

1 ـ إذا سقط المال عن المالیة کالماء على الشاطىء والثلج فی الشتاء، وجب اداء قیمته ولایکفی اداء المثل وأوضح منه ما إذا سقطت الأوراق المالیة عن المالیة فإنه لا یکفی فیها اداء المثل قطعاً.

 

2 ـ لا فرق فی ذلک بین بقاء العین وفواتها. نعم إذا کانت العین امانة عنده ولم یطلبها مالکها وسقطت عن المالیة بغیر تقصیر من الأمین لم یکن علیه شیء وذلک لعدم کونها دیناً فی ذمّته بل إنّما کانت امانة لدیه.

 

3 ـ لایبعد وجوب القیمة الأدنى التی لا یکون سقوطها فاحشاً، ففیما إذا أخذ شیئاً من الثلج ثمّ أراد أن یؤدی إلى مالکه قیمته، والمفروض أن القیمة غیر ثابتة فی الفصول المختلفة من السنة بل تزید وتنقص، لایبعد أن نقول بوجوب القیمة الادنى بشرط أن لایکون سقوطها فاحشاً، وذلک لأنه إذا دار الأمر بین أعلى القیم وأدناها التی لا تکون سقوطاً فاحشاً، فالاشتغال بالادنى متیقن وبالأعلى مشکوک، فتجری البراءة بالنسبة إلى الأعلى دون الادنى.

 

وأمّا سقوط القیمة إذا لم یکن فاحشاً فقد عرفت استقرار سیرة العقلاء على عدم لحاظه.

 

4 ـ تجب المصالحة فیما إذا سقطت القیمة سقوطاً فاحشاً فیما إذا لم یر العقلاء اداء المثل کافیاً واداءاً واقعیاً. کما إذا جعل صداق زوجته الف تومان قبل ثلاثین سنة وأراد أن یؤدیه إلیها فی هذه السنة، فإنه لا شکّ أن اداء المثل لا یحتسب اداءاً واقعیاً عند العقلاء فلا یکفی شرعاً.

 


(1) الوسائل: کتاب الزکاة باب 8 من أبواب ما تجب فیه الزکاة ح 3.
(2) براذین على وزن مفاعیل جمع بِرذَوْن بکسر الباء وفتح الذال المعجمة وسکون الواو یطلق  على غیر العربی من الخیل والبغال من الفصیلة الخیلیة.
(3) الوسائل: کتاب الزکاة باب 16 من أبواب ما تجب فیه الزکاة ح 1.
(4) الوسائل: کتاب الزکاة باب 17 من أبواب ما تجب فیه الزکاة ح 4.
(5) الوسائل: ج 12 باب 20 من أبواب الصرف.

 

أحکام الأوراق المالیةحدود وصلاحیات الفقیه
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma