قد مرّ أنّ المعیار فیها هو شدّة القوّة والقدرة على استخراج الأحکام الشرعیّة من أدلّتها، ولا إشکال فی أنّ معرفة هذا لیس مشکلا لأهل الخبرة ولو کانوا فی المراتب التالیة بالنسبة إلى المجتهد محتمل الأعلمیة، وهذا ما ندرکه بوجداننا العرفی، فمن کان له معرفة بقواعد الشعر وموازینه مثلا یقدر على أن یرجّح بعض الشعراء على بعض، وکذا فی الأطبّاء والحکماء وغیرهم.
ویمکن تلخیص موازین الأعلمیة فی عدّة اُمور:
1. أن یکون أعلم فی معرفة اُصول الفقه ومبانیه وکیفیة الورود فی المسألة والخروج عنها.
2. أن یکون أعلم بمنابع الأحکام من الآیات والروایات ورجال الحدیث وسائر الأدلّة الأربعة.
3. أن یکون أدقّ وأعمق نظراً فی فهم الأدلّة.
4. أن یکون أقوى حفظاً وأشدّ تسلّطاً على الفروع فإنّ مسائل الفقه مع افتراق بعضها عن بعض وانتشارها فی أبواب مختلفة تکون ذا ارتباط ونسج خاصّ فی کثیر منها، کما لا یخفى على الخبیر، فإنّ ملاحظة بعضها مع بعض یورث معرفة خاصّة بمواقع الأحکام.
5 . أن یکون أعرف فی تشخیص الموضوعات العرفیّة ومذاق أهل العرف، فإنّ لمعرفة الموضوعات دخل تامّ فی معرفة الأحکام، مع أنّ کثیراً من مسائل الشرع امضاء لما عند العقلاء فلابدّ للعلم بها من معرفة ما یدور بین العقلاء والعرف والإرتکازات العقلائیّة والمناسبات العرفیّة.
6. أن یکون أکثر ممارسة فی المسائل الشرعیّة لکثرة الرجوع إلیه فی أبواب مختلفة من الفقه، ولهذا فاحتمال أعلمیّة من تربّى فی الحوزات العلمیة الکبرى یکون أکثر من احتمال أعلمیّة غیره ممّن ترعرع فی غیرها، کما أنّه کذلک فی سائر الفنون کالطبابة مثلا فإنّ من داوى الجرحى وعالج کثیراً من المجروحین فی أیّام الحرب مثلاً یصیر أقوى ملکة فی الطبابة وعملیّة الجراحة من غیره ممّن لم یوفّق لذلک.
7 . أن یکون له حسن سلیقة واعتدال وذهن مستقیم فی اختیار الرأی، لا طبع سقیم واعوجاج فی السلیقة.
ولا یخفى أنّ کثیراً من أعاظم الفقه مثل الفقیه الماهر صاحب الجواهر أو الشیخ الأعظم الأنصاری(رحمه الله)کانوا واجدین لجمیع هذه الخصوصیّات کما هو ظاهر لمن تتبّع آثارهم.