الظاهر قیام الإجماع على البراءة عن الأکثر فیه، ووجهه واضح، لرجوعه إلى الشبهة البدویّة بالنسبة إلى الأکثر، کما إذا دار الأمر فی الصلوات الفائتة بین عشر صلوات وخمس عشرة، هذا فی الشبهة الموضوعیّة، وفی الشبهة الحکمیّة کما إذا علمنا بفوات عدّة صلوات یومیة وغیرها کصلاة الآیات، وشککنا فی وجوب قضاء غیر الیومیّة، فتجری البراءة بالنسبة إلى خمس صلوات فی المثال الأوّل وبالنسبة إلى غیر الیومیّة فی المثال الثانی.
نعم، إذا کان فی البین أصل موضوعی یوجب ارتفاع موضوع البراءة فلا إشکال فی تقدّمه علیها، کما إذا شککنا فی أنّ الدین کان عشرة دنانیر أو خمسة عشر دیناراً وکان له حالة سابقة تثبت اشتغال الذمّة.
ثمّ إنّ المحقّق النائینی(رحمه الله) قد تفطّن فی المقام إلى جریان هذا القسم من الدوران فی الشبهات التحریمیّة أیضاً ـ ونعم ما تفطّن به ـ ومثّل له بتردّد الغناء بین أن یکون هو مطلق ترجیع الصوت أو بقید کونه مطرباً. وقال: الظاهر أن تکون الشبهات التحریمیّة على عکس الشبهات الوجوبیّة، فإنّه فی الشبهات الوجوبیّة یکون الأقلّ متیقّن الوجوب والأکثر مشکوکاً، وفی الشبهات التحریمیّة یکون الأکثر متیقّن الحرمة ـ کترجیع الصوت المطرب ـ والأقلّ مشکوکاً ـ کالترجیع بلا طرب ـ والأقوى جریان البراءة عن حرمة الأقلّ مطلقاً; سواء کانت الشبهة حکمیّة کما فی المثال، أو موضوعیّة کما إذا شککنا فی کون الصوت الفلانی مطرباً أو غیر مطرب; وسواء کان الأقلّ والأکثر من الإرتباطیین أو غیره(1).

1. فوائد الاُصول، ج 4، ص 148 و 149.