ذکر الفاضل التونی(رحمه الله) لجریان أصالة البراءة شرطین آخرین:
أحدهما: أن لا یلزم من العمل بالبراءة إثبات حکم آخر، وإلاّ لا تجری، کما فی أطراف العلم الإجمالی فإنّ جریان الأصل فی بعضها یثبت وجوب الاجتناب عن الآخر.
ثانیهما: أن لا یلزم من جریانها ضرر على الغیر(1).
أقول: أمّا الشرط الأوّل: فله صورتان:
تارةً یکون ما یترتّب على البراءة من الآثار الشرعیّة کجریان أصالة الحلّیة فی الحیوان المتولّد من مأکول اللحم ومحرّمه، فیترتّب علیه إباحة جلده ووبره إذا کان المراد من حلّیة أجزاء ما یؤکل لحمه الأعمّ من الحلّیة الواقعیّة والظاهریّة، ففی مثل هذه الصورة لا إشکال فی جریان البراءة وما یترتّب علیها من الآثار.
واُخرى یکون الأثر من الآثار العقلیّة کما فی مثال العلم الإجمالی، فإنّ وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر لازم عقلی لجریان البراءة فی الطرف الأوّل، ولا إشکال فی عدم ترتّب ذاک الأثر علیه لکونه من الأصل المثبت، ولکن هذا غیر مانع عن جریانها فی مورده.
وأمّا الشرط الثانی: فهو أیضاً لا اختصاص له بأصالة البراءة، فکلّ أصل عملی إذا أوجب الضرر منع من جریانه، هذا مضافاً إلى أنّه لا یختصّ بقاعدة لا ضرر، بل یعمّ سائر الأدلّة الاجتهادیّة; إذ مع وجود الأدلّة الاجتهادیّة أو العناوین الثانویّة ینتفی موضوع الاُصول العملیّة وهو الشکّ، ولا مجال حینئذ للرجوع إلى الأصل.