قد أشار المحقّق الخراسانی(رحمه الله) إلى هذه المسألة بغیر اهتمام یلیق بها، وقال بعدم الفرق بین الشبهتین مع فعلیّة التکلیف المعلوم بالإجمال، فالمدار فی تنجّز العلم الإجمالی إنّما هو فعلیّة التکلیف لا قلّة أطرافها، نعم ربّما تکون کثرة الأطراف فی مورد موجبة لعسر أو ضرر أو غیرهما ممّا لا یکون معه التکلیف فعلیاً فلا یجب الاحتیاط حینئذ، لکن یمکن طروء هذه الموانع فی الشبهة المحصورة أیضاً فلا خصوصیّة لعدم انحصار أطراف الشبهة فی عدم وجوب الاحتیاط(1).
لکن الشیخ الأعظم الأنصاری(رحمه الله) قد بحث عنها بحثاً مشروحاً وذهب إلى عدم وجوب الاحتیاط فیها من ناحیة کثرة الأطراف، وتبعه غیره من الأعلام(2)، فالمسألة حینئذ ذات قولین على الأقلّ.
والکلام هنا فی وجوب الاحتیاط وعدمه مع عدم وجود العناوین الثانویة ویدلّ على العدم اُمور:
الوجه الأوّل: الإجماعات المنقولة على حدّ الاستفاضة(3).
ولا إشکال فی إمکان حجّیة الإجماع فی اُصول الفقه فی مثل هذه المسألة; لأنّ ملاک الحجّیة وهو الکشف عن قول المعصوم(علیه السلام) جار فیها أیضاً، لکن الإشکال فی المقام کون الإجماع محتمل المدرک لو لم یکن متیقّنه.
الوجه الثانی: لزوم العسر والحرج فی أغلب موارد هذه الشبهة لأغلب أفراد المکلّفین وهو علّة لارتفاع الحکم عن جمیعهم حتّى من لا حرج بالنسبة إلیه.
ویرد علیه: أنّه قد قرّر فی محلّه فی البحث عن قاعدة لا حرج أنّ المدار فیها على العسر والحرج الشخصیین فلا یرتفع الحکم بالنسبة إلى من لا عسر علیه وإن کان واحداً من المائة، مضافاً إلى أنّ العسر من العناوین الثانویة الطارئة، وقد مرّ خروجه عن محلّ النزاع.
الوجه الثالث: الأخبار الدالّة على حلّیة کلّ ما لم یعلم حرمته فإنّها بظاهرها وإن عمّت الشبهة المحصورة إلاّ أنّ مقتضى الجمع بینها وبین ما دلّ على وجوب الاجتناب بقول مطلق هو حمل أخبار الرخصة على غیر المحصور وحمل أخبار المنع على المحصور.
وفیه: أنّ هذا جمع تبرعی لا شاهد له، ولا یمکن أن نرفع به الید عن إطلاق «اجتنب عن الخمر» الشامل قطعاً للخمر المعلوم بالإجمال مطلقاً; سواء کان ضمن الأطراف المحصورة أو غیر المحصورة.
الوجه الرابع: بناء العقلاء بضمیمة عدم ردع الشارع، فلا إشکال فی أنّه لو علم شخص أنّه سیحدث ما یوجب قتل واحد من الأفراد فی بلد کبیر جدّاً، لا یمنع هذا العلم عن وروده فی هذه البلدة لاحتمال انطباقه علیه، ولو کانت الحادثة ممّا یوجب ضرراً أقلّ من القتل کان الأمر أوضح، ولذا نعلم دائماً بوقوع الحوادث فی بعض الطرق من السیارات أو الطائرات فی کلّ یوم ولا یمنع هذا العلم أحداً من السفر لکثرة الأطراف وضعف احتمال انطباقه علیه.
والمهمّ من بین هذه الأدلّة هو الوجه الأخیر; أعنی بناء العقلاء على عدم الاعتناء لضعف الاحتمال بسبب کثرة الأطراف، ویؤیّده الإجماع المتضافر نقله.