أی وجوب الموافقة القطعیّة، والحقّ فیها أیضاً ثبوت ذلک، أی وجوب الاجتناب عن جمیع أطراف الشبهة بنفس القاعدة العقلیّة الّتی مرّ ذکرها فی المقام الأوّل وهی کون المقتضی موجوداً والمانع مفقوداً، أمّا وجود المقتضی فلشمول أدلّة تحریم المحرّمات للمعلوم إجمالا، وأمّا عدم المانع فلأنّ الموضوع فی أدلّة البراءة من حدیث الرفع وغیره الشکّ وعدم العلم، وهو مفقود فیما نحن فیه; لأنّ العلم أعمّ من العلم التفصیلی والعلم الإجمالی، وکذلک قاعدة قبح العقاب بلا بیان; لأنّ العلم الإجمالی بیان کالعلم التفصیلی.
هذا هو مقتضى القاعدة الأوّلیة.
أمّا الروایات الخاصّة الدالّة على وجوب الاحتیاط فکثیرة وأدلّها على المقصود طائفتان:
الطائفة الاُولى: ما ورد فی لزوم الاحتیاط فی موارد العلم الإجمالی بشکل عامّ من غیر تقیید بموضوع خاصّ.
منها: ما مرّ عند ذکر أدلّة الأخباری ممّا ورد فی ذیل حدیث التثلیث المعروف: «فإنّ الوقوف عند الشبهات خیر من الإقتحام فی الهلکات»(1).
ومنها: قوله:(علیه السلام) «ما اجتمع الحرام والحلال إلاّ غلب الحرام الحلال»(2).
ومنها: قوله:(صلى الله علیه وآله) «اترکوا ما لا بأس به حذراً عمّا به البأس»(3) ولا إشکال فی أنّ موردها أو القدر المتیقّن منها أطراف العلم الإجمالی.
الطائفة الثانیة: روایات إهراق الإناءین المعلومة نجاسة أحدهما:
منها: ما رواه سماعة عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی رجل معه إناءان، وقع فی أحدهما قذر، ولایرى أیّهما هو،ولیس یقدر على ماء غیرهما،قال: «یهریقهما جمیعاًویتیمّم»(4).
ولا إشکال فی دلالة هذه الطائفة على المقصود لعدم جریان الاُصول النافیة فی موردها.
وبذلک یظهر أنّ مقتضى القاعدة والروایات العامّة وکذلک مقتضى بعض الروایات الخاصّة حرمة المخالفة القطعیّة والاحتمالیّة معاً.
نعم إنّ موردها الشبهات التحریمیّة، ولکن یستفاد منها حرمة المخالفة فی الشبهات الوجوبیّة أیضاً بإلغاء الخصوصیّة.