والمعروف منه فی کلمات الأعلام «الناس فی سعة ما لا یعلمون»(1) ولکنّا لم نظفر به بهذا التعبیر فی الجوامع الروائیة بل الوارد فیها تعبیران آخران:
أحدهما: ما رواه السکونی عن أبی عبدالله(علیه السلام): «إنّ أمیر المؤمنین(علیه السلام) سئل عن سفرة وجدت فی الطریق مطروحة کثیر لحمها وخبزها وجبنها وبیضها وفیها سکّین فقال أمیر المؤمنین(علیه السلام): یقوّم ما فیها ثمّ یؤکل، لأنّه یفسد، ولیس له بقاء، فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن، قیل له: یاأمیر المؤمنین لا یدری سفرة مسلم أو سفرة مجوسیّ؟ فقال: هم فی سعة حتّى یعلموا»(1).
ولکن من الواضح أنّه لا دلالة لها على المطلوب لأنّها قضیّة خارجیّة، والحکم فیها أیضاً خاصّ بمورده وأمثاله، مضافاً إلى ما فی السند من جهة النوفلی والسکونی.
وإن شئت قلت: الوارد فی هذا الحدیث قضیّة شخصیة خارجیة وردت فی سفرة مطروحة فی الطریق، والمشکوک فیها للسائل إنّما هو طهارة السفرة أو حلّیة لحمها فلا یمکن التعدّی عنها إلى الشبهات الحکمیّة.
مضافاً إلى أنّ التعبیر الوارد فیها هو: «هم فی سعة حتّى یعلموا» لا «الناس فی سعة حتّى یعلموا» لکی یکون على نهج کبرى کلّیة.
ثانیهما: ما رواه فی عوالی اللئالی عن النبی (صلى الله علیه وآله): «الناس فی سعة ما لم یعلموا»(2).
وهو من ناحیة السند مرسل، وأمّا الدلالة فیحتمل فی کلمة «ما» وجهان:
الأوّل: أن تکون موصولة قد اُضیفت إلیها کلمة «سعة» أی «الناس فی سعة شیء لم یعلموا» فتکون بظاهرها عامّة تعمّ الشبهات الموضوعیّة والحکمیّة معاً.
الثانی: أن تکون مصدریّة ظرفیة متعلّقة بالسعة، أی «الناس فی سعة ما داموا غیر عالمین».
وعلى کلا الوجهین یتمّ المطلوب لظهورها فی کون الجهل ـ بعد الفحص ـ عذراً، إلاّ أنّها لا تصلح للاستدلال من ناحیة السند.
ولا یخفى أنّ النسبة بین هذه الروایة وأدلّة الأخباریین نسبة التعارض لا الورود; لأنّها تدلّ على کون الجهل عذراً وتلک الأدلة تدلّ بزعم الأخباری على عدمه، فإنّ هذا الحدیث یثبت السعة ما لم یعلم الواقع المجهول من الوجوب أو الحرمة، ودلیل الاحتیاط یثبت الضیق مع کون الواقع مجهولا فیتعارضان.

1. اُنظر: کفایة الاُصول، ص 342; فوائد الاُصول، ج 3، ص 364; نهایة الأفکار، ج 3، ص228.
2. وسائل الشیعة، ج 16، کتاب الصید والذبائح، أبواب الذبائح، الباب 38، ح 2.
3. عوالى اللئالی، ج 1، ص 424; مستدرک الوسائل، ج 18، کتاب الحدود، الباب12، ح 4.