أقبروا هذه الفتنة الخبیثة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
نظرة إلى الخطبة1 ـ ضرورة العیش فی ظل العزة والکرامة

أشرنا سابقاً إلى أنّ الإمام علی(علیه السلام) ألقى هذه الخطبة فی ظل تلک الظروف العصیبة التی ألمت بصحبه. وقد إختار الإمام ـ الذی یمثل مصدر البلاغة والفصاحة ـ هذه العبارات الحماسیة من أجل تحقیق الهدف المنشود والذی جعل أصحابه یهبون مسرعین لطرد عتاة الشام ومردتها عن شریعة الفرات.

نعم ما زالت هذه العبارات ـ ورغم تقادم الزمان علیها ـ تقرع أسماع الجمیع وتلهمهم الصمود والتصدی للأعداد إذا ما شکلوا خطراً على عزتهم وشرفهم. فقد استهل الإمام(علیه السلام)خطبته بالقول: «قد استطعموکم القتال». وهى کلمة مجازیة تعنی: طلبوا القتال منکم، وهى تستعمل حیث یطلب أحدهم الطعام من آخر، وکأنّ الحرب والقتال طعام یطلبونه من أصحاب الإمام(علیه السلام). وما أشبه هذا الکلام بما تتناقله ألسنة عوام الناس فی حیاتهم الیومیة من قبیل تعبیرهم «هذا الفرد یحکه جلده» فی إشارة واضحة إلى أنّه یأتی بالأفعال التی ستؤدی إلى ضربه. والحق أنّ هذا أبلغ تعبیر أورده الإمام(علیه السلام) بشأن منع أهل الشام للماء عن أصحابه(علیه السلام). ثم یواصل الإمام(علیه السلام) خطبته بأن لیس أمامکم سوى سبیلین لا ثالث لهما تجاه خسة هذا العمل الذی ارتکبه أهل الشام; فإمّا السلة وإمّا الذلة «فأقروا على مذلة وتأخیر محلة(1) أو روو(2) السیوف من الدماء ترووا من الماء».

أجل لم یکن لهم من سبیل ثالث، فلو وهنوا أمام العدو وغلب علیهم العطش بحیث أمات رهطاً من جندهم لکان ذلک وصمة عار فی جبینهم ولفقدوا مکانتهم ومنزلتهم لدى العدو والصدیق، إلاّ أنّهم حین نهضوا بالأمر وحملوا على العدو قد حظوا بمکانتهم ومنزلتهم لدى العدو والصدیق، کما کشفوا عن مروءتهم وعظمة خلقهم حین لبوا طلب مولاهم بالابقاء على شریعة الماء مفتوحة بوجه جیش الشام; الأمر الذی جعل جیش معاویة یشعر بخسة عمله، وهذا ما أدى بدوره إلى ارتفاع معنویات أصحاب الإمام علی(علیه السلام)وضعف روحیة جیش الشام فی معرکة صفین ولا سیما فی أوائل تلک المعرکة حین شهدت هذه الواقعة.

ثم یشیر الإمام(علیه السلام) إلى مفهوم کلی ودائمی على أنّه السر فی انتصار وعزة ورفعة کل اُمّة، فیخاطب جنده قائل: «فالموت فی حیاتکم مقهورین والحیاة فی موتکم قاهرین».

نعم لیس هناک من قیمة لهذه الحیاة المادیة فی قاموس الأفراد الصالحین،کما لا یعتبر الموت مناهضاً لهذه القیمة، بل القیمة فی نظر الأحرار إنّما تکمن فی الحیاة التی تسودها العزة والکرامة، ولذلک تراهم یؤثرون الموت مع العزة على الحیاة مع الذلة، وهذا هو السر فی انتصار الفئة الإسلامیة القلیلة فی عصر النبی(صلى الله علیه وآله) ـ وما تلاه من عصور ـ على الفئة الضالة الکثیرة العدد والعدة. أجل فالعزة فی المجتمع الإسلامی مقدمة على کل ما سواها; ولا یتوانى مثل هذا المجتمع فی التضحیة بالغالی والنفیس من أجل تحققها. وهذا المعنى قد تجلى بأروع صورة فی کلمات شبل علی(علیه السلام) الإمام الحسین(علیه السلام) فی حادثة کربلاء الدمویة، فقد کان(علیه السلام) لا ینفک ینادی: «لا والله لا أُعطیکم بیدی إعطاء الذلیل ولا أُقر لکم إقرار العبید»(3). ثم رد على الحر بن یزید الریاحی ـ بعد أن جعجع بالحسین(علیه السلام) فی طریقه إلى کربلاء وسقاهم الحسین(علیه السلام) بعظمته المعروفة الماء ورشف خیولهم ـ حین نصحه بعدم مقاتلة یزید حفظاً لنفسه قائلاً: أفبالموت تخوفنی. ثم تمثل(علیه السلام) بالشعر الذی أنشده شاعر الأوس حین حذره ابن عمه من نصرة النبی(صلى الله علیه وآله)فقال:

سأمضی فما بالموت عار على الفتى *** اذا مانوى حقاً وجاهد مسلماً

وواسى الرجال الصالحین بنفسه *** وفارق مثبوراً وباعد مجرماً

فان عشت لم أندم وان مت لم أُلم *** کفى بک ذلاً أن تعیش وترغم(4)

ولا غرو فهذا هو المعنى الذی أکده القرآن الکریم (قُلْ هَلْ تَرَبَّـصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدى الحُسْنَـیَیْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّـصُ بِکُمْ أَنْ یُـصِـیبَکُمُ اللّهُ بِعَذاب مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَیْدِینا فَتَرَبَّـصُوا إِنّا مَعَکُمْ مُتُرَبِّـصُونَ)(5).

ثم یشیر أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی خطبته إلى مکر معاویة وسذاجة أهل الشام. الذین انطلقت علیه ألاعیب معاویة وحیله فقال(علیه السلام): «ألا وإن معاویة قاد لمة من الغواة وعمس علیهم الخبر، حتى جعلوا نحورهم أغراض المنیة»(6).

فالإمام(علیه السلام) یصور فی هذه العبارات حکومة معاویة التی تستند إلى الحیلة والمکر والخداع واستغفال السذج من الناس، إلى جانب تصویره إلى أهل الشام الذین بلغوا حداً من الضلال والغوایة ما جعلهم یضحون بأنفسهم باطلاً من أجل تحقیق مآرب معاویة وأهدافه المشؤومة.

ولعل العبارة الوارة فی الخطبة تمثل إجابة على السؤال الذی قد یتبادر إلى أذهان أصحاب الإمام(علیه السلام) عن علة دفاع أهل الشام عن مطامع معاویة إلى حد الاستماتة. فالإمام(علیه السلام)یکشف النقاب عن هذه الحقیقة وهى أن مکر معاویة فی تزویر الواقع من جانب وجهل أهل الشام وغفلتهم من جانب آخر قد جعلتهم یظنون بأنّهم یقاتلون فی سبیل الله ونیل الشهادة. نعم لقد کان للدعایة الواسعة والأسالیب النفسیة التی إعتمدها معاویة وعمرو بن العاص بالغ الأثر فی صفوف أهل الشام إلى درجة أنّ البعض منهم أیقن بأنّ عثمان قد قتل مظلوماً وإن قاتله هو الإمام علی(علیه السلام).

وقد نهض معاویة للطلب بدمه إلى جانب الدفاع عن القرآن والإسلام وخلافة رسول الله(صلى الله علیه وآله)، وعلیه فلیس القتل فی هذا السبیل سوى الجنّة والشهادة التی یتعطش إلیها کل مسلم غیور!

طبعاً حبل الکذب والخداع مهما طال قصیر ولا یمکن للشمس أن تحجبها الغربان وسرعان ما تتضح الحقائق، غیر أنّ ذلک لا یکون إلاّ بعد انجلاء الغبرة وإزهاق الأرواح ولات حین مناص.


1. «محلة» تستعمل بمعنى المکانة والمنزلة الاجتماعیة.
2. «رووا» من مادة «الترویة» بمعنى الارتواء من الماء، ولهذا یصطلح على الیوم الثامن من شهر ذی الحجة بـ «یوم الترویة» حیث کان الحجیج فی السابق یتزودون بالماء حین الذهاب إلى عرفة ومنى والمشعر الحرام، کما قد تستعمل هذه المفردة ویراد بها المعنى الکنائی کإرواء السیوف الذی ورد فی هذه الخطبة.
3. بحار الأنوار 45 / 7.
4. ارشاد المفید 2 / 81 . طبعة آل البیت.
5. سورة التوبة / 52.
6. «لمه» من مادة «لمى یلمو لموا» بمعنى أخذ الشیء بأکمله و(لمه) بضم اللام وفتح المیم بدون التشدید» بمعنى الجماعة القلیلة، (غواة) جمع غاوی بمعنى الضال، والعمس بمعنى محو الأثر وعدم العلم بالشیء، ومن هنا أطلق العمیس على الظلام الدامس، فیقال لیل عماس; أی مظلم.

 

نظرة إلى الخطبة1 ـ ضرورة العیش فی ظل العزة والکرامة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma