روى إبن أبی الحدید فی إطار شرحه لهذه الخطبة أنّ نصر بن مزاحم قال: کان أبو الأعور السلمی على مقدمة جیش معاویة، وکان قد ناوش مقدمة جیش علی(علیه السلام)وعلیها الأشتر النخعی مناوشة لیست بالعظیمة، فانصرف أبو الأعور عن الحرب راجعاً، فسبق إلى الماء فغلب علیه فی الموضع المعروف بقناصرین ـ موضع فی الشام ـ إلى جانب صفین، فحال جیشه بین ماء الفرات وأهل العراق. فلما بلغ أمیر المؤمنین علی(علیه السلام) الخبر دعا صعصعة بن صوحان فقال: إئت معاویة وقل له: إنا سرنا إلیک مسیرنا هذا وأنا کره لقتالکم قبل الإعذار إلیکم، وإنّک قدمت خیلک فقاتلتنا قبل أن نقاتلک وبدأتنا بالحرب ونحن ممن رأینا الکف حتى ندعوک ونحتج علیک; فحل بین الماء والناس حتى ننظر فیما بیننا وبینکم; وفیما قدمنا له وقدمتم له; وإن کان أحب إلیک أن ندع ما جئنا له، وندع الناس یقتتلون حتى یکون الغالب هو الشارب فعلنا. فمضى صعصعة بالرسالة إلى معاویة، فقال معاویة لأصحابه: ما ترون؟ فأشار علیه بعض أصحابه بمنعهم الماء، غیر أنّ عمروبن العاص أشار علیه قائلاً: خل بین القوم وبین الماء فإنّهم لن یعطشوا وأنت ریان. بینما کان معاویة یرجح الرأی القائل بمنع جیش الإمام علی(علیه السلام) من الماء. فمکث أصحاب الإمام(علیه السلام) بغیر ماء فاغتم(علیه السلام) فألقى هذه الخطبة التی تفیض عذوبة وفصاحة وبلاغة، شاحذاً همم أصحابه فکشفوا أصحاب معاویة عن الماء.
جدیر بالذکر أنّ القسم الأول من هذه الخطبة یشیر إلى هذه الحقیقة وهى أنّ الإنسان إذا لم یقدم بکل شجاعة لأخذ حقه لم یکن أمامه سوى الذل والاستسلام للظلم والجور. أمّا القسم الثانی من الخطبة فیصور خداع معاویة ومکره فی تألیب الجهال وزجهم فی المعرکة بما یجعلهم یستمیتون من أجل الباطل!!
«قَدِ اسْتَطْعَمُوکُمُ الْقِتالَ فَأَقِرُّوا عَلَى مَذَلَّة وَتَأْخِیرِ مَحَلَّة أَوْ رَوُّوا السُّیُوفَ مِنَ الدِّماءِ تَرْوَوْا مِنَ الْماءِ فالْمَوْتُ فِی حَیاتِکُمْ مَقْهُورِینَ وَالْحَیاةُ فِی مَوْتِکُمْ قاهِرِینَ. أَلا وَإِنَّ مُعاوِیَةَ قادَ لُمَةً مِنَ الْغُواةِ وَعَمَّسَ عَلَیْهِمُ الْخَبَرَ، حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْراضَ الْمَنِیَّةِ».
