الاتعاظ بالماضین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
القسم الرابعالخطبة 33

یدعو الإمام (علیه السلام) الناس فی ختام هذه الخطبة بعبارات مقتضبة بعیده المعانی إلى الزهد فی الدنیا بصفته مفتاح سعادة الإنسان بعد أن ذکر صفات الأصناف الأربعة الأثیمة والصنف الخامس الذی یمثل الاتقیاء من أولیاء الله، مؤکدا على أن البؤس والشقاء الذی طال الأصناف الأربعة إنّما یستند إلى حب الدنیا والتعلق بزخارفها.

فقال (علیه السلام):«فلتکن الدنیا فی أعینکم أصغر من حثالة(1) القرظ وقراضة(2) الجلم(3)».

والتشبیهات رائعة غایة فی الدقة، فالقرظ (على وزن مرض) بمعنى ورق الأشجار الذی یستفاد منه لدبع الجلود حتى یشدها ویجعلها أکثر فائدة، وبالطبع فإن الحثالة التی تطرح بعد الاستفادة تکون قذرة ومتعفنة ومدعاة للنفرة، وکذلک حین تقص أصواف الحیوانات تطرح بعض القطعات الصغیرة منه على الأرض دون أن یکون لها أدنى فائدة. فالتشبیه الأول استبطن النفرة والثانی التفاهة وعدم القیمة والاعتبار، والإمام (علیه السلام) یوصی بأن تکون الدنیا أهون من هذا فی الأعین، الدنیا التی أدى عشق أموالها إلى ظهور القوارین، وعشق مناصبها إلى ظهور الفراعنة والطواغیت الظلمة، وأنّ حبّها رأس کل خطیئة.

من جانب آخر فقد أشار (علیه السلام) إلى قصر مدة الدنیا وضرورة الاتعاظ بها «واتعظوا بمن کان قبلکم قبل أن یتعظ بکم من بعدکم».

لقد جمعوا لها وجهدوا من أجلها وانصرفوا، ولم تعد قصورهم الخاویة وتیجانهم البالیة وقدرتهم الجوفاء التی خلفوها هنا وهناک سوى عبرة لمن اعتبر، فان اعتبربها فهو المطلوب، وإلاّ ستکونون أنتم عبرة یعتبر بکم من یأتی بعدکم.

القرآن الکریم من جانبه لم ینفک عن دعوة الناس للاعتبار بالماضین، فقد أورد عبارات توقظ الضمیر وتهز الاعماق بشأن الفراعنة وضرورة الاتعاظ بهم (کَمْ تَرَکُوا مِنْ جَنّات وَعُیُون* وَزُرُوع وَمَقام کَرِیم * وَنَعْمَة کانُوا فِـیها فاکِهِـینَ * کَذ لِکَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِینَ * فَما بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُ وَما کانُوا مُنْظَرِینَ).(4)

غیر أنّه من المؤسف أن بنی إسرائیل لم یعتبروا بهذه الدروس حتى أصبح مصیرهم عبرة لغیرهم.

ثم قال (علیه السلام): وارفضوها ذمیمة، فانّها قد رفضت من کان أشغف(5) بها منکم».

ومن الطبیعی أن یکون مراد الإمام (علیه السلام) بهذه الدنیا المذمومة هى الدنیا التی تقود صاحبها إلى الظلم والطغیان والهوى والفساد لا الدنیا التی تشکل الجسر لعبور أولیاء الله إلى الآخرة.

کلام السید الرضی

قال الشریف الرضی: وهذه الخطبة ربما نسبها من لاعلم له إلى معاویة، وهى کلام أمیرالمؤمنین (علیه السلام) الذی لایشک فیه، وأین الذهب من الرغام، وأین العذب من الاجاج! وقد دل على ذلک الدلیل الخریت ونقده الناقد الباصر عمرو بن بحر الجاحظ، فانّه ذکر هذه الخطبة
فی کتاب البیان والتبیین وذکر من نسبها إلى معاویة، ثم تکلم من بعدها بکلام فی معناها، جملته أنّه قال: وهذا الکلام بکلام علی علیه السلام أشیه، وبمذهبه فی تصنیف الناس، وفی الأخبار عما هم علیه من القهر والاذلال، ومن التقیة والخوف، ألیق. قال: ومتى وجدنا معاویة فی حال من الأحوال یسلک فی کلامه مسلک الزهاد ومذهب العباد.

الدنیا فی عین أولیاء الله.

ماورد فی الخطبة بشأن الأصناف الخمسة فی عصر الإمام (علیه السلام) (من یقعد به عن طلب الإمرة قلّة ماله، ومن یطلب الامارة ویفسد فی الأرض، ومن یظهر ناموس الدین ویطلب به الدنیا، ومن لامال له أصلاً ویطلب الملک ولایطلب الدنیا، وأولیاء الله الاتقیاء الأبرار) لا یقتصر على عصر الإمام (علیه السلام) وزمانه، وهم متواجدون فی کافة المجتمعات الماضیة والمعاصرة والآتیة، وإنّ کافة المشاکل التی تعانی منها المجتمعات إنّما تنشا من الأصناف الأربعة المذکورة، التی سفکت الدماء وأحرقت الاخضر والیابس وجرعت اتباع الحق صنفوف الأذى والعذاب.

مع ذلک فان الدنیا لم تف لهم وقد أتت علیهم حتى آخرهم لیکونوا عبرة لمن بعدهم.

أما العبارات التی أوردها الإمام (علیه السلام) بشأن کل صنف وعلاماته وصفاته جعلت من الیسیر التعرف علیهم.

ولما کان حبّ الدنیا والتعلق بحطامها هو مصدر الشر والفساد الذی سلکته هذه الأصناف، فانّ الإمام (علیه السلام) إختتم خطبته بتصویر حقیقته الدنیا بما یجعل العاقل لا یعیرها أدنى أهمیة، فقد وصفها بادى ذی بدء بانها اتفه من حثالة القرظ (و هو ما یسقط من ورق السلم أو ثمر السط یدبغ به ممّا لاخیر فیه ولا قیمته له)، ثم أشار إلى تقلب حال الدنیا وعدم دوامها وکیف قضت على الماضین وجعلتهم عبرة للآخرین.

فقد ورد فی حدیث أن رسول الله (صلى الله علیه وآله) مر بجثة حیوان متعفنة ملقاة على الطریق فأومأ إلیها قائلا: أترون هذه هنیة على أهلها؟ فو الله الدنیا أهون على الله من هذه على أهلها» ثم واصل(صلى الله علیه وآله) حدیثه عن الدنیا قائلا: الدنیا دار من لادار له ومال من لامال له ولها یجمع من لاعقل له وشهواتها یطلب من لافهم له وعلیها یعادی من لا علم له وعلیها یحسد من لا فقه له ولها یسعى من لایقین له»(6).

وجاء فی حدیث أن الدنیا مثلت للمسیح (علیه السلام) کعجوز شمطاء فسألها: کم تزوجت.

قالت: کثیر. کلهم طلقت. قالت: بل کلهم قتلت. قال(علیه السلام): یا ویح أزواجک الباقین، ألا یتعظون بازواجک الماضین(7)».


1. «حثالة» بالضم: القشاوة وما لاخیر فیه، واَصله ما یسقط من کل ذی قشر، ومن هنا تطلق الحثالة على حشاشة الدهن المتساقطة.
2. «قراضة» من مادة «قرض» بمعنى قطف الشی وتطلق على القطع الصغیرة المتناثرة من المقراض ومن هنا یطلق المقراض على المقص.
3. «جلم» على وزن قلم بمعنى المقراض.
4. سورة الدخان / 25 ـ 29.
5. «أشغف» من مادة «شغف» بمعنى اَکثر تعلق بالدنیا و حبالها. وقد أخذت فی الأصل من شغاف وهو الغلاف الذی یضم القلب، کما تستعمل فی العشق الشدید الذی یجتاح القلب وینفذ إلى أعماقه.
6. بحار الانوار 70 / 122.
7. منهاج البراعة 4 / 58; بحار الانوار 14 / 328.

 

القسم الرابعالخطبة 33
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma