المنزه عن الظن والخیال

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
نظرة إلى الخطبة وجوده ظاهر وکنه ذاته خفی

ذکرنا سابقاً أن الخطبة واردة فی صفات الجلال والجمال، حیث أشارت إلى عدد من أسماء اللّه الحسنى بعبارات قصیرة بعیدة المعنى، فقد استهل الخطبة بذکر خمس صفات من صفاته التی توضح کل واحدة منها الاُخرى فقال «الحمدللّه الذی بطن(1) خفیات الاُمور ودلت علیه أعلام الظهور» ولیس للعین من سبیل إلى رؤیته «وامتتع على عین البصیر» ومن هنا «فلا عین من لم یره تنکره ولا قلب من أثبته یبصره». وقد أورد شرّاح نهج البلاغة عدّة تفسیرات لقوله(علیه السلام) «الذی بطن خفیات الاُمور» فقال البعض: بطن هنا بمعنى علم، وقیل بطن هنا بمعنى الخفاء; أی اللّه الذی خفیت به الأسرار، إلاّ أنّ التفسیر الذی ذکرناه أنسب وهو أن بطن بمعنى الخفاء ومفهوم العبارة أنّ اللّه مخفى فی الأسرار، وبعبارة أخرى فانّ ذاته أعظم خفاءاً من الخفاء، وزبدة الکلام فان مفهوم العبارة ما أنشده الفیلسوف فی شعره:

وجوده من أظهر الاشیاء *** وکنهه فی غایة الخفاء

أمّا العبارة «دلت علیه أعلام الظهور» فتعنی أنّ آیاته ظاهرة جلیة فی کل مکان، فی السموات والنجوم والمجرات والمنظومات وفی الأرض فی الصحارى والبحارى والجبال والأنهار وعلى جبین کافة الکائنات الحیة فی أوراق الأشجار والبراعم والثمار وفی باطن الذرات والجزئیات. وبالطبع کلما تقدم العلم وکشفت الأسرار ازدادت الاَدلة والآیات على قدرة الذات الإلهیة وعلمها المطلق. والعبارة الثالثة «وامتنع على عین البصیر» تفید تعذر رؤیة جماله سبحانه على أحدّ العیون، وذلک لأنّ المشاهدة الحسیة إنّما تختص بالجسم والجسمانیات ذات الجهة والمکان، بینما ذاته المطلقة لیست بجسم ولا جسمانیة ولیس لها من جهة أو مکان، بل هى مطلقة منزهة عن کل هذه العوارض والنقائص (لا تُدْرِکُهُ الأَبْصارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِـیفُ الْخَبِـیرُ)(2). ولما سأل موسى(علیه السلام) من جانب بنی إسرائیل ربّه (رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْک َ) الشهود الحسی، خوطب (لَنْ تَرانِی)(3) ثم شاهد موسى(علیه السلام)قبسات من تجلیات اللّه التی دکت الجبل فصعق موسى ومن معه فلما أفاق قال (سُبْحانَک َ تُبْتُ إِلَیْک َ وَأَنَا أَ وَّلُ الْمُؤْمِنِـینَ)والعبارة «فلا عین من لم یره...» نتیجة طبیعة تشیر إلى أنّ العاقل لا یسعه إنکار الذات الإلهیة المقدسّة بفعل وجود هذه الأدلة والآیات، رغم تعذر المشاهدة الحسیة، أما المؤمنون باللّه فلا ینبغی لهم أن یعتقدوا بمشاهدته حتى قلبیاً، وبالطبع یمکن رؤیته قلباً کما ورد عنه(علیه السلام) «لا تدرکه العیون بمشاهدة العیان ولکن تدرکه القلوب بحقائق الإیمان»(4)، غیر أنّ هذه المشاهدة تتعلق بالأسماء والصفات لا مشاهدة کنه الذات، وهنا یصدح حتى أولیاءاللّه فضلاً عن عامة المخلوقات «ما عرفناک حق معرفتک» ثم قال(علیه السلام): «سبق فی العلو فلا شیء أعلى منه وقرب فی الدنو فلا شیء أقرب منه» ثم یخلص على(علیه السلام)إلى هذه النتیجة «فلا استعلاؤه(5) باعده عن شیىء من خلقه ولا قربه ساواهم فی المکان به» لعله یتصور بأنّ هذه الصفات تناقض مع بعضها فکیف یکون الشی بعیداً عالیاً وفى نفس الوقت قریباً ملازماً؟ کیف یکون بعیداً فی القرب وقریباً فی البعد؟ نعم إذا کان المقیاس هو المخلوقات التی من حولنا فهناک تناقض، غیر أنّ الالتفات إلى هذه النقطة یزیل مثل هذا التناقض ویرشد إلى معرفة صفات اللّه، وهى أنّ وجوده سبحانه لامنتاهی وغنی ومطلق من جمیع الجهات، وهو الوجود الذی لایشوبه أیة محدودیة من حیث الزمان والمکان والعلم والقدرة، بل هو فوق الزمان والمکان فهو فی کل مکان وکل زمان وفى نفس الوقت لیس له مکان ولا زمان. ومثل هذا الوجود قریب من جمیع الأشیاء وهو بعید عنها جمیعاً لأنّه لا یشبهها، هو أظهر من کل شی، لأنّ کل شی متقوم بوجوده، وهو ابطن من کل شی لأنّه لا یشبه المخلوقات والکائنات التی نعرفها ونألفها. وبناءا على هذا فالمراد بالعلو فی العبارة المذکورة فوقیته للوجود وعلوه علیه لا علوه فی المکان، والمراد بالقرب قربه فی الاحاطة الوجودیة لا القرب فی المکان. وهنا لابدّ من الاذعان إلى أن فهم وإدراک هذه الصفات لیس سهلاً علینا بفعل تعاملنا مع صفات الممکنات; إلاّ أنّه یمکن تقریبها إلى الأذهان من خلال التأمل والاستعانة ببعض الأمثلة وإن کانت ناقصة قاصرة. على سبیل المثال للرد على السؤال الذی یقول کیف یکون له وجود فی کل مکان وزمان ولا یحویه مکان وزمان، یمکننا أن نستعین ببعض الأمثلة الناقصة من قبیل بعض المعادلات والقوانین الریاضیة، فکلنا نعلم بأنّ (2 + 2 = 4) فهى صادقة فی کل زمان ومکان فی السماء والأرض، وفى نفس الوقت لیس لها من زمان أو مکان. فقوله(علیه السلام): «فلا استعلاؤه باعده عن شی من خلقه ولا قربه ساواهم فی المکان به» نتیجة واضحة لتلک الحقیقة المذکورة، فقد قال بعض شرّاح نهج البلاغة بعد أن إستعانوا بمثال ناقص إلاّ أنّه مناسب، فی أنّ أمواج الضوء تنعکس على الزجاج وتنفذ إلى داخله فتضیئها، وهى فی نفس الوقت أقرب إلیها من کل شی، وهى لیست مثلها، بل هى وجود لطیف وأعلى وأرفع، ولعل هذا المعنى هو المراد بالآیة (اللّهُ نُورُ السَّمـواتِ وَالأَرْضِ...)(6) ثم أشار(علیه السلام) إلى صفة اُخرى: «لم یطلع العقول على تحدید صفته ولم یحجبها عن واجب معرفته» فکنه ذاته لیس واضح لأحد ولا حقیقة صفاته، لأنّ ذاته وصفاته لا متناهیة، فأنى لعقل الإنسان المتناهی والمحدود أن یحیط باللامتناهی واللامحدود مع ذلک فانّ أثاره الوجودیة التی تجلت فی کافة الوجودات جعلت الإنسان یلم على سبیل الإجمال بذاته وصفاته وإلیک هذا المثال الناقص: کلنا نعلم بوجود الروح، وانّ الزمان حقیقة واقعة، إلاّ أنّ إدارک حقیقة الروح وا لزمان لیس بالامر إلهین. وکلنا نعرف الفارق بین الکائن الحی والمیت، ولکن ما کنه حقیقة الحیاة؟ یبدو فهم ذلک صعباً، بعبارة أخرى لنا علم إجمالی بهذه الاُمور لاتفصیلی(7) ثم قال(علیه السلام)«فهو الذی تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذی الجحود(8)» الواقع أن جاحدی اللّه إنّما یجحدوه لساناً بینما یقرون به قلباً (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمـواتِ وَالأَرْضَ وَسَـخَّرَ الشَّـمْسَ وَالقَمَرَ لَیَقُولُـنَّ اللّهُ فَأَ نّى یُـؤْفَکُونَ *... وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَـزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْیا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِـها لَـیَقُولُنَّ اللّهُ قُلِ الحَمِدُ لِلّهِ بَلْ أَکْثَـرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ)(9). کیف یمکن إنکار وجود اللّه وکل شی یهتف باسمه ویتقوم بوجوده. ثم إختتم(علیه السلام)کلامه بالقول «تعالى اللّه عما یقول المشبهون به والجاحدون له علواً کبیراً» والمشبهة على نوعین: من یشبه اللّه بعباده فیرى له جسماً ویداً ورجلا، والآخر من یشبه الآخرین به فیرى له شریکاً وشبیهاً فیعبده ویسجد له بدلاً من اللّه. وقد ذهب بعض الشرّاح إلى المعنى الأول هو المراد من العبارة، فی حین ذهب البعض الآخر إلى المعنى الثانی، ویبدو المعنى الثانی أصح إستناداً لقوله «المشبهون به» وان کانت الطائفتان على خطأ، لأنّه لایشتمل على صفات المخلوقین بحیث تتخلل الحوادث ذاته المقدسة، ولا یمکن لمخلوق أن یشمل مکانه لأنّه لا یتحلى بأی من صفاته.


1. «بطن» من مادة «بطن» على وزن متن تستعمل للأشیاء الخفیة، ویقال بطنت الأمر بمعنى علمت ببواطنة وأسراره. ولما کان داخل البطن خفی فقد استعملت هذه المفردة بشأن کل شیء خفی، وباطن الأشیاء بمعنى داخلها، وله معنى الفعل اللازم والمتعدی.
2. سورة الانعام / 103.
3. سورة الاعراف / 143.
4. نهج البلاغة، الخطبة 179.
5. الاستعلاء قد یکون بمعنى الافضلیة وارید بها هنا هذا المعنى.
6. سورة النور / 35.
7. للوقوف على المزید بهذا لاشأن راجع المجلد الأول من الشرح، الخطبة الاولى.
8. «جحود» و «جحد» بمعنى الإنکار الممزوج بالعلم ـ وقال الراغب فی المفردات تعنی نفی ما ثبت فی القلب، أو إثبات ما نفاه القلب ـ وعلیه ففی مفهوم الجحود نوع من التعصب والعداء الخفی ضد الحق.
9. سورة العنکوبت / 61 ـ 63.

 

نظرة إلى الخطبة وجوده ظاهر وکنه ذاته خفی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma