الانفراد فی مجابهة العدو

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
القسم الثالثالعزم النهائى للزعیم الشجاع

یتحدث الإمام(علیه السلام) عن العناصر الضعیفة والهزیلة التی تمکن عدوها من نفسها فیقول «والله إن إمرء یمکن عدوه من نفسه یعرق(1) لحمه ویهشمّ(2) عظمه و یفری(3) جلده لعظیم عجزه، ضعیف ما ضمت علیه جوانح(4) صدره» فالعبارة تبین بصراحة أنّ الضعف والوهن بلغ ذروته فی جیش الکوفة بحیث اندفع العدو یکل ما اُوتی من قوة لیسدد له الضربات التی تحز اللحم وتطحن العظام، وهى أروع عبارة تجسد تسلط العدو وتحکمه فی مصیر الضعفاء العجزة، کما تضمنت قمة الفصاحة والبلاغة بحیث تکفی لا ثارة من بقی لدیه ثمة إحساس وشعور.

نعم هکذا کانت سیطرة أهل الشام ومعاملتهم لأهل العراق، لم یرعوا إلاّ ولا ذمة فی أحد، فکانوا یقتلون الأبریاء ولا یرحمون الضعفاء وینهبون الأموال والثروات ویخربون البیوت. فالواقع عمل هؤلاء أشبه بفعل القصابِ بالذبیحة یسلخ جلدها ویحز لحمها عن عظمها ویعدها لقمة سائغة للأکل. أمّا بعض المفسرین فقد ذهبوا إلى أنّ کل عبارة من هذه الجمل الثلاث مستقلة، فقوله «یعرق لحمه» تعنی نهب الأموال و«یهشم عظمه» قتل الناس و«یفری جلده» إشارة إلى الاخلال بنظام المجتمع(5)، وبالطبع لیست هنالک من قرینة واضحة على هذا التفسیر. أمّا الشیخ المرحوم مغنیة قد علق فی شرحه على هذه العبارة فی أننا سمعنا کثیراً عن المقاومة السلبیة تجاه الطواغیت والظلمة کأن ینتحر الفرد أو یحرق نفسه إلاّ اننا لم نسمع من یستسلم للعدو إلى الحد الذی یعرق لحمه ویهشم عظمه ویفری جلده دون أن یدافع عن نفسه، فلیس هنالک أرعب وأشنع من هذا الخوف بحیث یلقی الجبان الضعیف بنفسه إلى قصابی البشریة لیذبحوه بهذه الطریقة ویجعلوه لقمة سائغة لهم(6).

کما یحتمل إلاّ تکون العبارات الثلاث المذکورة بشأن فرد واحد، بل یفعل العدو هذه الاُمور بشأن عدة أفراد کأن یعرق لحم البعض ویهشم عظم الآخر ویفری جلد الثالث وعلى ضوى هذا التفسیر یمکن حل السؤال الوارد بشأن ترتیب العبارات فی أنّ الإمام (علیه السلام)لم جعل فری اللحم فی آخر العبارة. فکأنّ جواب الإمام(علیه السلام) أنّ جنایات العدو تجاهکم فی مرحلة هى فصل اللحم عن العظم، ثم یتقدم فی مرحلة اُخرى لیهشم العظم وأخیراً لا یبقى أمامه سوى فری جلد البدن. وذهب بعض المفسرین إلى أنّ هذه العبارات إشارات إلى بعض الحوادث التی وقعت بعد شهادته (علیه السلام) وسیطرة معاویة وأهل الشام على العراق ولم یرحموا صغیراً ولا کبیراً ولا صحیحاً ولا مریضاً ولا فقیراً ولا غنیاً ولا رجالاً ولا نساء(7). ولکن یبدو أنّها لیست مختصة بذلک الزمان، وإن کانت أشد وأقسى آنذاک.

أمّا العبارة«ما ضمت علیه جوانح صدره» ـ بالالتفات إلى أن الجوانح جمع جانحة بمعنى الاضلاع ـ فالمراد بها القلب، وهدف الإمام من قوله«ما ضمت علیه جوانح صدره» بیان روحیة جیش الکوفة ومدى عجزه. ثم یتطرق الإمام(علیه السلام)إلى نقطة مهمّة وأساسیة یکشف فیها عن إتخاذه القرار الحاسم بشأن المستقبل وما یحمله من أحداث «أنت فکن ذاک إن شئت فأمّا أنا فوالله دون أن أعطی ذلک ضرب بالمشرفیة تطیر منه قراش(8) الهام، وتطیح(9)السواعد والأقدام، ویفعل الله بعد ذلک ما یشاء».

وأمّا من المخاطب بقوله(علیه السلام) أنت فکن ذاک؟ هنالک احتمالان: الأول أن إنّما خاطب من یمکن عدود من نفسه کائنا من کان، غیر معین ولا مخصص، والاحتمال الاخر أنّه خاطب بذلک الأشعث بن قیس، فانّه روى أنّه(علیه السلام) قال وهو یخطب ویلوم الناس على تثبیطهم وتقاعدهم:

هلاً فعلت فعل ابن عفان! فقال له:«إن امراً مکن عدوه من نفسه، یعرق لحمه ویهشم عظمه ویفری جلده. أنت فکن ذاک...» فالواقع هو أنّ الإمام (علیه السلام) فصل نفسه عنهم بعد أن یأس منهم، فافهمهم أنکم إن آثرتم الاستسلام للعدو فسبیلی غیر سبیلکم ولیس للعدو عندی إلاّ السیف وسأقاتله بمفردی، فلکل وظیفة ولیس أنا من یتقاعس عن إداء وظیفته، فان تخلیتم عن وظیفتکم ورضیتم لأنفسکم الذل والهوان والاستسلام للعدو وعرضتم البلد الإسلامی للدمار والابتزاز وخلیتم وأهل الشام لینهبوا الأموال ویعتدوا على الاعراض، فلیس لی إلاّ أن أقاتلهم وحدی وأنا مستعد للشهادة التی لا أوثر علیها شیئاً ولن أشعر بالضعف أبداً. وکأنّ الإمام(علیه السلام) أراد أن بهذه الکلمات أن یشد أزر ذلک النزر الیسیر من الأفراد الشجعان الذین لا یخلو منهم جیش الکوفة، کما یزیل الشک عن قلوب بعض المترددین لیلتحقوا به، ویرشد التأریخ إلى مدى الأثر الذی لعبه کلام الإمام(علیه السلام)فیهم. فقد شعروا بقوتهم من جدید وتأهبوا لمنازلة العدو.


1. «یعرق» من مادة «عرق» بمعنى فصل اللحم عن العظم، کما ورد بمعنى فصل اللحم عن العظم بالأسنان وأکله.
2. «یهشم» من مادة «هشم» بمعنى کسر الشی الیابس کما ورد بمعنى کسر مطلق العظام، أو عظام الرأى و الوجه.
3. «یفری» من مادة «فرى» بمعنیشق الشئ و تمزیقه.
4. «جوانح» جمع «جانحة»، و هى الضلوع تحت الترائب، اصلها من مادة «جنح» بمعنى المیل و الانحراف، و قد اطلقت على الاضلاع لأنّها لیست بشکل مستقیم.
5. شرح نهج البلاغة ابن میثم البحرانی 2 / 81 .
6. فی ظلال نهج البلاغة / 228.
7. مفتاح السعادة 6 / 82 .
8. «قراش» جمع «قراشه» بعنى العظام الرقیقة التی تلی القحف أو عظام الجبهة والرأس، وهام جمع هامة بمعنى الرأس کما تطلق على زعیم القبیلة.
9. «تطیح» من مادة «طوح» بمعنى الهلاک أو الاشراف على الهلاک. ولما کان فصل الید والرجل یشکل القضاء علیهم فقد اُطلقت بهذا المعنى فی العبارة المذکورة.

 

القسم الثالثالعزم النهائى للزعیم الشجاع
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma