لا شک أنّ اُولیاء اللّه یعیشون التضرع إلى اللّه فی جمیع الأحوال إلاّ أنّهم یکونون أکثر تضرعاً حین إشتداد المحن والخطوب، فیستأنفون أعمالهم بدعاء اللّه والتوسل إلیه لیفرج عنهم ویلهمهم القوة والصلابة والثقة بالنفس. الإمام(علیه السلام) من جانبه لما عزم على المسیر لصفین تضرع بهذا الدعاء «اللّهم إنّی أعوذ بک من وعثاء(1) السفر وکآبة(2) المنقلب(3) وسوء المنظر فی الأهل والمال والولد» فالواقع أنّ ما یشغل ذهن المسافر من جراء السفر أوجزه الإمام(علیه السلام)فی ثلاث; الأول (وعثاء السفر) والثانی کیفیة العودة (وکآبة المنقلب» والثالث القلق على الأهل (سوء المنظر فی الأهل والولد). ویستعیذ الإمام(علیه السلام)باللّه من هذه الاُمور المقلقة ویسأله تذلیلها، ثم قال(علیه السلام): «اللّهم أنت الصاحب فی السفر وأنت الخلیفة فی الاهل، ولا یجمعها غیرک» نعم الذات الإلهیة فقط المنزهة عن الزمان والمکان، فهى محیطة بجمیع الأمکنة
والأزمنة، فلیس هنالک من مکان أقرب إلیها من آخر، ومن هنا فان اللّه معنا فی السفر ومع أهلنا وولدنا فی الحضر، وما أروع أن نودع زمام أمور حیاتنا إلى من یحیط بکل شی ولا یحیط به شی. ثم یقدم الدلیل على ما قال: «لأنّ المستخلف لایکون مستصحباً، والمستصحب لا یکون مستخلفاً» فالمکان یسود ویحکم جمیع الکائنات المادیة، ومن هنا فان وجودها فی مکان یعنی خلو الاخر منها، وما ذلک إلاّ لوجودها المحدود، ولیس هنالک من وجود لا محدود سوى اللّه سبحانه الذی لا یعرف المکان ولا الزمان ولا البعد ولا القرب، وهو کما قال: (وَهُوَ مَعَکُمْ أَیْنَما کُنْتُمْ)(4) وقال: (فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ)(5).
قال السید الرضی (ره) آخر الکلام: وابتداء هذا الکلام مروی عن رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)، وقد قفاه أمیرالمؤمنین علی(علیه السلام) بأبلغ کلام وتممه بأحسن تمام من قوله «لا یجمعهما غیرک» إلى آخر الفصل.