الرحیل الوشیک

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
القسم الثانی1 ـ خیر الزاد

أشار الإمام (علیه السلام) إلى مسألة مهمّة ربّما غفل عنها أغلب الناس: «ألا فاعملوا فی الرغبة کما تعملون فی الرهبة» فعبادة الله وطاعته لا تعنی الفزع إلیه فی الشدة والبلاء والتولی عنه فی الیسر والرخاء ; ولو کان الأمر کذلک لکان مشرکوا الجاهلیة من خلص العباد، فقد وصفهم القرآن الکریم بالقول:(فَإِذا رَکِبُوا فِی الفُلْکِ دَعَـوُا اللّهَ مُـخْلِصِـینَ لَهُ الدِّینَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلى البَرِّ إِذا هُمْ یُشْرِکُونَ)(1) ثم خاطبهم فی آیة اُخرى (وَ إِذا مَسَّـکُمُ الضُّـرُّ فِی البَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِیّاهُ فَلَمّا نَجّاکُمْ إِلى البَـرِّ أَعْرَضْتُمْ وَکانَ الإِنْسانُ کَفُور)(2). والواقع أنّ العبرة لیست فی الاقبال على الله عند الفزع، بل العبرة أن یقبل العبد علیه حین الرخاء والرفاه والشعور بالقوة والاقتدار، فما کان مع الله فی هذه الظروف کان الله معه فی الظروف العصیبة. فعلامة الإیمان الخالص أن یتوجه العبد إلى الله ویذکره على کل حال فی العافیة والسقم والفتوة والکهولة والفقر والغنى والهزیمة والانتصار والحریة والسجن وما إلى ذلک. ومن هنا نرى الأنبیاء والأوصیاء والأولیاء لا ینفکون فی حال من الأحوال عن التضرع إلى الله والتوجه إلیه. فالمتتبع لسیرة الإمام علی (علیه السلام) لا یرى فی عبادته من تفاوت بین جلوسه فی البیت حین زحزحت عنه الخلافة ونهوضه بالأمر وإدارته لشؤون البلاد الإسلامیة، فالزهد والتهجد وإعانة الضعفاء والفقراء وطلاق الدنیا إلى غیر رجعة کان من المعانی الواضحة فی عبادة الإمام (علیه السلام): ثم قال (علیه السلام): «ألا وإنّی لم أر کالجنة نام طالبها، ولا کالنار نام هاربها». لقد رأینا عدّة أفراد من الذین یعیشون الأرق لیالی حین یهمون ببعض الأسفار القریبة التی تدر علیهم بعض الأرباح والفوائد، فکیف ینام طالب الجنّة الباقیة ـ النعمة التی لا تفوقها نعمة أو الخائف من نار جهنم التی لا یتصور عذابها وأن رؤیته غیر سماعه ـ ولا یکترث لهذه الاُمور؟! ولعل ذلک یعزى إلى ضعف ایمان الفرد بالعالم الآخر، أو إلى سکر النعم والمنافع التی یتمتع بها فی حیاته، ومهما کان السبب فانّ الغفلة عن الآخرة لمن الظواهر المأساویة الالیمة التی ینبغی للإنسان التوقف عندها ومعالجتها. ولاشک أنّ من وظائف أئمة الدین وزعماء المسلمین ایقاظ الناس من غفلتهم وترسیخ دعائم ایمانهم ولفت أنظارهم إلى الدار الآخرة وتحذیرهم من الاغترار بالدنیا والذوبان فیها. وفی النقطة الثامنة یشیر الإمام (علیه السلام)إلى مسألة ذات صلة بهذا الموضوع فیقول: «ألا وإنّه من لا ینفعه الحق یضره الباطل، ومن لا یستقیم به الهدى، یجر به الضلال إلى الردى». طبعاً لا یتضح عمق هذا الکلام مالم نقف على التعریف الصحیح للحق والباطل. فالحق عبارة عن الواقعیات، سواء کان هذا الحق تکوینیاً أم تشریعیاً. ویراد بالحق التکوینی واقعیات عالم الوجود، ویقابل ذلک الباطل المتمثل بالخیال والسراب الذی لا واقع له ولا وجود سوى فی عالم التصور والوهم. أما الحق التشریعی فیتمثل بالقوانین والتعالیم الإلهیة التی شرعت من أجل الفرد أو مجموعة الأفراد على ضوء المصالح والکفاءات الذاتیة أو الاکتسابیة، ویقابله الباطل الذی یتجسد بعرقلة القوانین والتمرد علیها باسم القانون وتضییع العدالة وسلب الحریات وذبحها بمرأى ومسمع من الناس. ومن البدیهی أنّ من یولی ظهره للحق سواء على مستوى التشریع أو التکوین فانّه یقع فی حبائل الباطل من قبل الوهم والخیال والسراب الذی یحسبه الظمآن ماء ; الأمر الذی لا یرتقی بالإنسان إلى الشیء، والواقعیات هى التی تبلغ بالإنسان الهدف لا الوهم والخیال الذی لا یجر على الإنسان سوى الخذلان والخسران. ولعل الإنسان یستطیع عن طریق الباطل اغفال الآخرین مدّة من الزمان، إلاّ أنّ مصیره المحتوم إنّما یؤول إلى البؤس والشقاء لا محالة فی خاتمة المطاف وعلیه فان قوله (علیه السلام): «ألا وإنّه من لا ینفعه الحق، یضره الباطل، ومن لا یستقیم به الهدى، یجر به الضلال إلى الردى» إنّما یمثل حقیقة واقعیة واضحة. طبعاً صحیح أن الاقرار بالحق واقتفاء آثاره إنّما یقترن غالباً بتحمل الشدائد المریرة، إلاّ أنّ هذه المرارة تبدو کمرارة الدواء التی تجعل السقیم یتماثل للشفاء، ولا یجنی من تلک المرارة سوى السلامة والصحة والعافیة من المرض الذی ربّما یؤدی بصاحبه إلى الموت. ویتضح ممّا تقدم أنّ الحق والباطل لیسا من قبیل الوجودات الاصطناعیة والاُمور الاعتباریة ; فالحق فی عالم التکوین هو ذلک الوجود العینی وفی عالم التشریع هو عبارة عن الواجبات والمحظورات التی تستند إلى المصالح والمفاسد والتی تمثل بدورها واقعیات عینیة، وسنتناول هذا الموضوع بالشرح فی الأبحاث القادمة.

على کل حال فانّ الإمام (علیه السلام) هدف بهذه العبارة إلى إفهام الآخرین ـ علاوة على تنبیههم إلى أصل کلی له بالغ الأثر فی مصیر الناس ـ بأنّهم اذا لم یلتزموا بوصایاه المنسجمة والحق والعدل فانّهم سیقعون فی مخالب الظلم والجور والاضطهاد وإن أضرار الباطل ستجتاح حیاتهم ; الأمر الذی شهدوه فی حیاتهم ومسیرتهم. ثم تعرض الإمام (علیه السلام)ـ فی النقطة التاسعة ـ إلى موضوع مهم یحکم حیاة البشریة شاءت أم أبت «ألا وإنکم قد أمرتم بالظعن(3) ودللتم على الزاد». والأمر بالظعن هو قانون الموت الذی یحکم حیاة الناس، فالأطفال یسیرون نحو الشباب، والشباب یتجهون نحو الکهولة وهذه الأخیرة إنّما تنتهی بالموت. فهو قانون شامل جاری لا یعرف الاستثناء والشواذ، کما أنّه قانون لا یقوى أحد على تجاوزه مهما کانت قوته وقدرته وعلمه ومعرفته فهو القانون الذی شرعته ید القدرة الإلهیة لسمو الإنسانیة وتکاملها وقد تعرضت أغلب آیات کتاب التشریع.

لهذا الأمر التکوینی کالآیة:(کُلُّ نَفْس ذائِقَةُ المَوْتِ)(4) والآیة: (أَیْنَما تَکُونُوا یُدْرِککُّمُ المَوْتُ وَلَوْ کُنْتُمْ فِی بُرُوج مُشَیَّدَة)(5). وقد خوطب بهذا الأمر رسول الله (صلى الله علیه وآله)الذی یمثل أشرف کائنات عالم الخلقة (إِنـَّکَ مَـیِّتٌ وَ إِنَّـهُمْ مَیِّـتُونَ)(6) والآیة: (کُلُّ شَیء هالِکٌ إِلاّ وَجْهَهُ)(7).

کما یحتمل أن یکون المراد بقوله (علیه السلام) «أمرتم بالظعن» الأمر بالاستعداد للرحیل من الدنیا، کما ورد ذلک فی الخطبة 204 «تجهزوا رحمکم الله فقد نودی فیکم بالرحیل»(8). وأمّا الأمر بالتجهز والتزود فانّه یمثل رسالة جمیع الأنبیاء إلى البشریة وتنبیهها إلى الطریق الخطیر الذی ینتظرها ; وهو طریق طویل یشمل الفاصلة بین الدنیا والآخرة ولا یمکن السیر علیه دون حمل الزاد، ولا معنى للزاد هنا سوى الإیمان والتقوى والورع والعمل الصالح (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَیْرَ الزّادِ التَّقْوى)(9) ولا ینفع فی الآخرة سوى القلب السلیم المفعم بالإیمان وحبّ الله (یَوْمَ لا یَـنْفَعُ مالٌ وَلا بَـنُونَ * إِلاّ مَنْ أَتى اللّهَ بِقَلْب سَلِیم)(10).

وعلیه فلا ینبغی أن یلتفت سالکوا هذا الطریق إلى الدنیا وما فیها وینخدعوا بزخارفها، بل علیهم الهم بالعمل الصالح الذی لا یبلغ بهم الهدف المنشود سواه (المالُ وَالبَـنُونَ زِینَةُ الحَیاةِ الدَّنْیا وَالباقِـیاتُ الصّالِحاتُ خَیْرٌ عِنْدَ رَبِّکَ ثَواباً وَخَیْرٌ أَمَل)(11).

وأخیراً بعد أن لفت انتباه الأمة إلى الآخرة وزهدها فی الدنیا وأوصاها بالتزود لتلک الدار وحذرها من ذلک الطریق الخطیر الذی ینتهی سالکه إلى السعادة والقرب الإلهی إذا سار علیه بعمله الصالح وورعه وتقواه، عاد (علیه السلام) لیحذر من عقبتین خطیرتین تصدان الإنسان عن السعادة والفلاح «وإن أخوف ما أخاف علیکم إثنتان: إتباع الهوى، وطول الأمل» وهو المعنى الذی ورد فی الخطبة 42 بعد أن تناوله الإمام (علیه السلام)بشیء من التوضیح فقال: «أیّها الناس وإن أخوف ما أخاف علیکم إثنان: إتباع الهوى وطول الأمل، فأما إتباع الهوى فیصد عن الحق، وأما طول الأمل فینسى الآخرة». وتفید الإحادیث النبویة والأخبار والروایات أنّ هذه التعالیم قد احتذاها أمیر المؤمنین (علیه السلام) من معلمه الأول الأکرم(صلى الله علیه وآله) ; فقد وردت هذه المعانی فی بحار الأنوار نقلاً عن النبی(صلى الله علیه وآله)(12).

والواقع هو أنّ هذین المرضین یعدان من أعظم عوامل الذنوب والمعاصی، لأنّ اتباع الهوى لا یعرف معنى للحدود والقیود، فاذا سیطر على الإنسان أعمى بصره وبصیرته وأصم سمعه بحیث لا یطیق سماع الحق من النبی (صلى الله علیه وآله) والإمام المعصوم (علیه السلام) ولا تعد لدیه القدرة على رؤیة الحقائق التی تحیط به، وعلیه فهو یعیش حیاته الدنیا کالصم البکم العمی الذین لا یفقهون ; الأمر الذی یجعله عرضة للسقوط فی الهاویة. أمّا طول الأمل فانّه یزین الدنیا بما ینسی الآخرة ویقتصر بهمة الإنسان على الدنیا التی یرى فیها مقامه الأخیر وهدفه النهائی. ثم یختتم الإمام (علیه السلام) خطتبه بقوله «تزودوا فی الدنیا من الدنیا ما تحرزون(13) به أنفسکم غداً» نعم فهناک سفر طویل على الأبواب، سفر یتطلب المتاع والزاد الکثیر، وعلیه فینبغی للعاقل أن یلتفت إلى نفسه ویجهزها بما یجعلها تجتاز ذلک السفر الطویل قبل فوات الأوان، ویبتعد عن الأخطار والمطبات التی یمکنها عرقلة هذه السفر، فیطویه بکل إیمان وثبات لیصل إلى هدفه المنشود.


1. سورة العنکبوت / 65.
2. سورة الاسراء / 67.
3. «ظعن» على وزن «طعن» بمعنى الرحیل من مکان إلى آخر ومن هنا اطلقت الظعینة على الهودج لأنّه من وسائل السفر، وتستخدم أحیاناً کنایةً عن النساء، لأنّهم غالباً مایرکبن الهودج.
4. سورة آل عمران / 185.
5. سورة النساء / 78.
6. سورة الزمر / 30.
7. سورة القصص / 88 .
8. على ضوء المعنى الأول فانّ الأمر فی قوله «أمرتم بالظعن» هو أمر تکوینی وأجل الهی ولکن لیس فی الجملة من تقدیر، وهو أمر تشریعی على ضوء المعنى الثانی وفی العبارة تقدیر هو التجهز والاستعداد، أو الظعن بالمعنى المجازی.
9. سورة البقرة / 197.
10. سورة الشعراء / 88 ـ 89 .
11. سورة الکهف / 46.
12. بحار الأنوار 70 / 91. فقد روى هذه الحدیث جابر بن عبدالله الأنصاری عن رسول الله(صلى الله علیه وآله)فی باب حب الدنیا.
13. «تحرزون» من مادة «حرز» بمعنى الحفظ، و«الحرز» على وزن الحرص بمعنى الموضع الآمن لحفظ الأشیاء.

 

القسم الثانی1 ـ خیر الزاد
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma