بعد أن قرظ الإمام(علیه السلام) الثناء والذکر الجمیل وفضله على المال، أمر بمواساة الأهل وصلة الرحم وإن قلّ ما یواسى به، حیث أکد هذا الأمر بثلاث عبارات فقال(علیه السلام): «ألا لا یعدلن أحدکم عن القرابة یرى بها الخصاصة(1) أن یسدها بالذی لا یزیده إن أمسکه ولا ینقصه إن أهلکه». یمکن أن تکون هذه العبارة إشارة لأحد معنیین; الأول إلى البعد المعنوی لهذا العمل فی أنّ حرمان القرابة ممّا یتمتع به الإنسان من إمکانات وثروات من شأنه أن یسلب برکة مال الإنسان وحیاته ویحول دون نمائه وزیادته، وعلى العکس من ذلک فانّ معونة القرابة ومساعدتها تنطوی على عدة برکات من شأنها أن تدرک هذا النقص الظاهری بتفضّلات الله وألطافه; أو أن یکون إشارة إلى بعده الظاهری والمادی، لأنّ مشاکل القرابة إنّما تنتقل بشکل أو بآخر إلى الإنسان وتؤرق فکره وتشغل روحه وتعرض سمعته وشخصیته للخطر وبالتالی تضاعف من مشاکله ومعاناته، وعلیه فما أحراه أن یهب لمساعدتهم ومعونتهم لیظفر بثواب الآخرة وبرکات الدنیا وینال الذکر الطیب والاحدوثة الحسنة. فقد جاء فی الحدیث أن الإمام علی(علیه السلام) قال: «البرکة فی مال من آتى الزکاة وآسى المؤمنین ووصل الأقربین»(2) ثم یتطرق الإمام(علیه السلام) إلى الأضرار الفادحة التی یتکبدها الإنسان إذا أمسک یده عن قرابته ولم یقدم العون والمساعدة، ومن ذلک إنّه إنّما یقطع عنهم یده بینما یقطعون عنه أیدیهم التی لا غنى له عنها «ومن یقبض یده عن عشیرته، فإنّما تقبض منه عنهم ید واحدة وتقبض منهم عنه أید کثیرة». فالحق لیس هنالک من عاقل مستعد للتضحیة بکل هذه المنافع من أجل التنازل عن بعض منافعه الشخصیة الضئیلة، ثم یختتم الإمام(علیه السلام)کلامه بالقول «ومن تلن حاشیته یستدم من قومه المودّة». یمکن أن تنطوی مفردة «حاشیته» على معنیین; الأول صفات الإنسان وروحیاته، والآخر أن تکون إشارة إلى البطانة وبناءً على هذا، فإنّ مفهوم الجملة هو تمحور قوم الإنسان حوله إذا حسن سلوک بطانته تجاه الناس. فقد رأینا الکثیر من الأفراد الصالحین الذین انفرجوا عنهم الناس رغم صلاحهم بسبب سوء تصرف بطانتهم ومن حولهم.