نتیجة العصیان

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
نظرة إلى الخطبة1ـ قصة التحکیم

خطب الإمام (علیه السلام) هذه الخطبة فی ظل ظروف عصیبة ومأساة عظیمة، فقد أثمرت مؤامرة معاویة وعمرو بن العاص إثر استغلال جهل أبو موسى الأشعری ومن وقف إلى جانبه، فقد تمکن ابن العاص من حسم التحکیم لصالحه، ظاناً أنّه عزل الإمام علی (علیه السلام) عن الخلافة ونصب معاویة مکانه!

طبعاً الإمام (علیه السلام) کان قد شعر ببالغ الآسى والحزن لأنّه تکهن بهذه النتیجة وقد أطلع أهل الکوفة علیها، إلاّ أنّ الجهل والعصبیة والأنانیة والتخاذل حال دون الاتعاظ بإرشادات الإمام (علیه السلام) ومواعظه الحکیمة.

على کل حال إستهل الإمام (علیه السلام) الخطبة ـ کما درج علیه فی سائر الخطب ـ بحمد الله والثناء علیه، الحمد والثناء الذی یستبطن نکهة خاصة، فقد أورده الإمام (علیه السلام)حتى فی ظل هذه الحادثة الألیمة والبلاء العظیم «الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب (1) الفادح (2) والحدث الجلیل».

فالطریف أنّ الإمام (علیه السلام) أولاً یحمد الله على هذه الحادثة لیعلم أنّ حمد اللّه والثناء علیه لا یقتصر على الحوادث المسرة والتوفیقات والنجاحات والفیوضات المعنویة والمادیة، بل یجب حمده على کل حال فی السراء والضراء والعافیة والبلاء والغلبة والفشل، حتى الحوادث المریرة تشتمل على فلسفة لو سبر غورها لتبیّن أنّها جزء من النعم الإلهیة.

ثانیاً: أنّه ینسب هذه الحادثة المریرة إلى الدهر، ونعلم أن الدهر لایعنی سوى أهله، وإلاّ فبزوغ الشمس والقمر وهطول المطر وهبوب الریاح وسائر الظواهر الطبیعیة لیست على شئ حتى تخلق مثل هذه الحوادث فالناس وبفعل أعمالهم الشائنة هم الذین یکونون السبب لمثل هذه الحوادث! ولا شک إنّ هذه الحادثة لم تکن لتقع لوطاع أهل العراق الإمام (علیه السلام)والتفتوا إلى تحذیراته واتعظوا بنصائحه. والمراد بالخطبب الفادح قضیة التحکیم التی جرت الویلات على العالم الإسلامی.

صحیح أنّ قضیة التحکیم ـ کما سیمر علینا فی البحث القادم ـ لم تغیر من حقیقة الأمر شیئاً، الا أنّها کانت ذریعة کبرى لمعاویة ورهطه من أجل إغواء الجهال وتحریف الأفکار، کما أدت إلى ظهور البدع فی العالم الإسلامی.

وقوله(علیه السلام) «حدث جلیل» هو تأکید آخر لاثار السوء لتلک البدعة المشؤومة.

ثم یردف (علیه السلام) الحمد والثناء بالشهادة لله بالوحدانیة ولمحمد (صلى الله علیه وآله)بالعبودیة والنبوة «وأشهد أن لا اله إلاّ الله لا شریک له، لیس معه إله غیره، وأنّ محمّداً عبده ورسوله» فالاتیان بالشهادتین فی مطلع الخطبة وأن تضمن التأکید من جدید على لزوم تقویة دعائم التکامل الإنسانی وإحیاء الاصول العقائدیة الإسلامیة، إلاّ أن یشیر إلى قضیة الحکمین، وذلک أن الاُمّة قد جاوزت أصل التوحید واتجهت صوب أفعال الشرک وتجاهلت التأسی برسول الله(صلى الله علیه وآله) فاستسلمت لاهوائها.

ثم تطرق (علیه السلام) إلى الهدف الأصلی من الخطبة «أما بعد، فان معصیة الناصح الشفیق العالم المجرب(3) تورث الحسرة وتعقب الندامة». فالعبارة بمنزلة الکبرى وبیان قاعدة کلیة فی أنّ المستشار إذا تحلى بأربع صفات فانّ مخالفته توجب الندامة والحسرة لا محالة. الاولى صفة النصح وارادة الخیر ومقتضى ذلک السعی لاحقاق الحق.

الثانیة القلب المفعم بالعطوفة والرأفة والحب وإرادة السعادة والخیر النابعة من أعماق القلب لمن یطلب الاستشارة. الثالثة العلم والوقوف على کافة جوانب الأمر وتحلیل جمیع الملابسات ودراسة الحوادث والنتائج المتمخضة عنها الرابعة التجربة الکافیة فی القضایا الفردیة والاجتماعیة المهمة; أی التحلی بالعقل العملی إلى جانب العقل النظری فاذا کان هنالک مثل هذا الفرد یتمتع بمثل هذه الصفات فانّه یبلغ بالإنسان واقع الأمر لا محالة، کما أنّ مخالفته لاتقود سوى إلى الحیرة والضلال والندم والخسران الذی یفرزه الجهل والغرور.

وما إنّ یفرغ الإمام (علیه السلام) من بیان الکبرى (القاعدة الکلیة) حتى یتطرق إلى الصغرى والمصداق المطلوب فیقول «وقد کنت أمرتکم فی هذه الحکومة أمری، ونخلت (4) لکم مخزون رأیى، لو کان یطاع لقصیر أمرا!» فقد کشف الإمام (علیه السلام) عن مخالفته لاصل التحکیم فضلا عن کیفیته والطریقة التی تم فیها.

ولقد أخیرهم عن آثار هذه القضیة المشؤومة، إلاّ أنّ تعصبهم ولجاجتهم حالت دون سماعهم لرأى الإمام (علیه السلام) فاصروا على باطلهم والآن یجنون ثمار جهلهم والعبارة «لو کان یطاع لقصیر أمر» مثل مشهور عند العرب، فهو قصیر صاحب جذیمة، وحدیثه مع جذیمة ومع الزیاء مشهور فضرب المثل لکل ناصح یعصى بقصیر، ویطلق على الأفراد الذین لایصغون إلى الناصح المجرب الشفیق والذی لا یعقب سوى الندم.

فالإمام (علیه السلام) یشبه نفسه بقصیر وأهل الکوفة بجزیمة الجاهل ومستشاریه البلهاء، حتى وقعوا فی شباک عمرو بن العاص ومعاویة. ثم قال (علیه السلام): «فأبیتم علی إباء المخالفین الجفاة والمنابذین(5) العصاة، حتى إرتاب الناصح بنصحه، وضن(6) الزند(7) بقدحه(8)».

لقد حذرتکم من أنّ رفع المصاحف على الحراب مکر وخدیعة، فقد بلغ القتال مرحلة خطیرة وأو شک على نهایته وقد لاحت بوادر النصر، إلاّ أنّکم لم تسمعوا کلامی وترکتم القتال وإذ عنتم للتحکیم. وقد قلت لکم إن کان ولابدّ فابعثوا ابن عباس حکما، فلم تقبلوا، ثم أشرت علیکم بما لک الأشتر فلم تستجیبوا وأبیتم إلاّ أبی موسى الأشعری الاحمق الجاهل الذی لایقوى على ابن العاص فلم تکن النتیجة سوى خیبتکم وخسرانکم وندمکم(9).

والعبارة «المخالفین الجهاة» ان مخالفتکم لی لم تقتصر على سوء تشخیصکم، بل کان ذلک بدافع من جفائکم وعصیانکم وطغیانکم. وقد أکد هذا المعنى بقوله «المنابذین العصاة».

وأمّا قوله «ضمن الزند بقدحه» فهو مثل أیضاً یقال لمن یکف عن الافصاح بالحقایق لعدم وجود من یسمع، فقد إراد (علیه السلام) خالفتمونی حتى ظننت أنّ النصح الذی نصحتکم به غیر نصح، لا طباقکم واجماعکم على خلافی، وتعنی العبارة الأخیرة أنّه لم یقدح لی بعد ذلک رأی صالح لشدة ما لقیت منکم من الاباء والخلاف والعصیان. ثم قال (علیه السلام) فکنت وإیاکم کما قال أخو هوازن:

أمرتکم أمری بمنعرج اللوى *** فلم تستبینوا النصح إلاّ ضحى الغد

وأخو هوازن صاحب الشعر هو درید بن الصمة، وأبیاته مذکورة فی الحماسة. وکان من خیر هذا الشعر أنّ عبدالله وهو اسم أخر لعارض وهو أخو درید ـ کان أسود إخوته، فغزا ببنی جشم وبنی نصر إبنی معاویة بن بکر بن هوازن; وغنم مالاً عظیماً بمنعرج اللوى ; فمنعه درید عن اللبث، وقال: إنّ غطفان لیست بغافلة عنا، فحلف أنّه لایریم حتى یقسم، وأوقعوا بعبدالله وقتلوه فهرب درید بعد أن نجى منهم، فانشد هذا البیت الذی إستشهد به الإمام (علیه السلام)فی الخطبة(10).


1. «خطب» على وزن ختم العمل المهم بین الإنسان والآخرین ومن هنا یصطلح بالمخاطبة على الحوار الذی یدور بین فرد وآخر.
2. «فادح» بمعنى ثقیل ومن هنا یقال أفدحه الدین لمن أثقل کاهله.
3. «مجرب» على وزن محقق ممن یتمتع بمعرفة عظیمة بفعل کثرة التجارب إلاّ أنّ العرب تلفظه مجرب بالفتح على وزن مقرب.
4. «نخلت» من مادة «نخل» بمعنى تنقیة الشئى، واستعمال هذه المفردة فی الخطبة تشیر إلى الرأی الصائب الذی طرحه الإمام (علیه السلام) على أصحابه بشأن التحکیم.
5. «منابذین» من مادة «نبذ» بمعنى الابعاد، وتستعمل هذه المفردة فی نقض العهد، وذلک لان ناقض العهد إنّما یطرح العهد بعیدا عنه.
6. «ضن» من مادة «ضنن» بمعنى البخل والامساک.
7. «زند» بمعنى الخشب الذی یشعلون به النار (حیث کانوا یولدون النار سابقا بضرب خشبتین ببعضهما، ثم اطلق على کل وسیلة لاشعال النار ومنه الزناد.).
8. «قدح» ومنه القداحة ما یخرج منه النار.
9. راجع مروج الذهب 2 /290 وسترد بعض الایضاحات لهذه الخطبة لاحقاً.
10. الاغانی لابى الفرج الاصفهانى 10 /3، شرح نهج البلاغة للعلاّمة الخوئی 4 /88 ، شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 2 / 205.

 

نظرة إلى الخطبة1ـ قصة التحکیم
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma