الرضا والتسلیم أمام إرادة الله

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
نظرة إلى الخطبةالرضى والتسلیم إلى جانب السعی والعمل

أشار الإمام(علیه السلام) ـ فی هذه الخطبة ـ إلى مسألة مهمّة ذات أثر عظیم فی تهذیب النفوس والحد من جموح الفرد والمجتمع. وهى ممّا لاشک فیه أنّ الحیاة الاجتماعیة البشریة تعد الأساس لبرکات وثمرات عظیمة، بحیث یمکن أن نقول إنّ القسم الأعظم من النجاحات والمکتسبات الباهرة فی کافة المجالات والمیادین العلمیة والصناعیة والاجتماعیة إنّما حققتها البشریة فی ظل هذه الحیاة الاجتماعیة. وإلى جانب تلک الثمار والمعطیات والبرکات کانت هنالک المشاکل الخطیرة التی تهدد بالفناء جمیع الآثار الایجابیة لهذه الحرکة مالم تجد الحلول الشافیة.

ومن ذلک، وجود الفوارق بین بنی البشر من حیث الاستعداد والقابلیات الجسمیة والروحیة على المستوى الفردی والاجتماعی; الأمر الذی أدّى إلى التفاوت الفاحش فی الإمکانات المادیة والمالیة. ومن هنا بدت ردود الفعل السلبیة للأفراد الذین تخلفوا عن هذه المسیرة، أو سعوا بتخبط للخلط بین الحلال والحرام لیزجوا بأنفسهم فی هذا السباق غیر المتکافئ والمجهول النهایة فی مصاف من تقدّم علیهم من حیث الجوانب المادّیة ولم یکن أمامهم سوى سبیلین، إمّا الشعور بالإحباط والیأس والانسحاب من میدان العمل والنشاط والتقوقع على الذات، أو اشتعال نیران الحسد والبغض فی قلوبهم تجاه اُولئک والهم بالانتقام منهم. من جانب آخر فإنَّ البعض الذی یتمتع بالإمکانات قد یصاب بالغرور والکبر والعجب والفخر فیندفع نحو الطغیان والفساد والانحراف.

الآیات القرآنیة والروایات الإسلامیة بدورها ودرءاً لهذه المفاسد والحیلولة دون ظهورها قد لفتت أنظار الجمیع إلى حقیقة مفادها أنّ هذه الفوارق والزیادة والنقصان لیست مسألة عبثیة بقدر ماهى واقع یستند إلى الحکمة الإلهیة التی تنظم شؤون العباد على أساس ما یصلحهم ویقوم حیاتهم. ولعل الأسرار التی یختزنها هذا التصنیف خافیة علینا نحن العباد فی أغلب الاُمور، إلاّ أنّ مجرد علمنا بأنّ الله حکیم ورحمن ورحیم هو الذی ینظم الاُمور وتتشعر قلوبنا الرضى والتسلیم لهذا التنظیم والتخطیط; فإنَّ القضیة ستتغیر وتخرج من شکلها الظاهری، آنذاک ستسود السکینة والطمأنینة قلوبنا وأرواحنا وستزول کافة تلک العواقب السلبیة التی بدت لنا لأول وهلة. ومن هنا تواتر التأکید على الرضى والتسلیم ولاسیّما بالنسبة للرزق فی الآیات والروایات.

نعود الآن بعد هذه المقدمة المختصرة إلى تفسیر الخطبة، فقد تطرق الإمام(علیه السلام)فی بدایة خطبته عن تهذیب النفوس ووضع حدّ للمفاسد الاجتماعیة، فقد قال(علیه السلام): «أمّا بعد: فان الأمر ینزل من السماء إلى الأرض کقطرات المطر إلى کلّ نفس بما قسم لها، من زیادة أو نقصان» فالتشبیه بقطرات المطر تشبیه غایة فی الروعة; لأنّ قطرات المطر تنزّل بصورة مختلفة على الأرض وفقاً للإرادة الإلهیة والحکمة الربانیة، والأرزاق الإلهیة تسقط على هذه الشاکلة من السماء إلى البشریة على الأرض بفضل الله ورحمته. فقد ینزّل المطر بغزارة على بعض المناطق حتى تسیل أنهاراً عظیمة بینما قد تشهد مناطق اُخرى زخات خفیفة من المطر طیلة السنة. ثم یخلّص الإمام(علیه السلام) إلى هذه النتیجة التی ینبغی أن یستحضرها الناس: «فاذا رأى أحدکم لأخیه غفیرة(1) فی أهل أو مال أو نفس، فلا تکونن له فتنة».

لعل غفیرة تشیر إلى أنّ الأموال والثروات لمن دوافع الغفلة وستر عیوب الإنسان حتّى عن نفسه، وإنْ وردت غفیرة هنا بمعنى المال الکثیر.

مایجدر ذکره أنّ الفتنة هنا لا تعنى الامتحان، وإن وردت عادة بهذا المعنى فی الأعم الأغلب، بل المراد بها ما یدعو إلى الفساد والخداع وردود الأفعال السلبیة من قبیل الحسد والعداوة والبغضاء التی یمارسها الفقراء المعدومون حیال أصحاب الأموال والثراء. ثم قال(علیه السلام): «فان المرء المسلم مالم یغش دناءة تظهر فیخشع لها إذا ذکرت ویغرى بها لئام الناس، کان کالفالج(2) الیاسر(3) الذی ینتظر أول فورة من قداحه(4) توجب له المغنم، ویرفع بها عنه المغرم». کما أنّ المسلمین البعیدین عن الخیانة إنّما ینتظرون من الحق سبحانه أمرین: أمّا حلول الأجل الإلهی (وقد أفنى عمره بطیب السمعة وحسن العاقبة) فما عند الله خیر له وأبقى. وأمّا أنْ یوسّع الله علیه رزقه فی هذه الدنیا ویمّن علیه بالصاحبة والأهل والولد فی سلامة من دینه وصون لعزته وکرامته «وکذلک المرء المسلم البریء من الخیانة ینتظر من الله إحدى الحسنیین: إمّا داعی الله فما عند الله خیر له، وإمّا رزق الله فاذا هو ذو أهل ومال، ومعه دینه وحسبه». ولکن لابدّ من الإذعان إلى الفارق الکبیر بینهما فأحدهما من قبیل زرع الدنیا کالمال والولد، والآخر من زرع الآخرة وهو العمل الصالح «وإنَّ المال والبنین حرث الدنیا، والعمل الصالح حرث الآخرة». وقد یجمع الله سبحانه نعم الدنیا والآخرة لبعض الأفراد «وقد یجمعهما الله تعالى لأقوام».

والواقع هو أنّ الإمام(علیه السلام) قد کشف بهذه العبارات عن حقیقة مهمّة ومصیریة فی حیاة الإنسان تکمن فی ضرورة عدم تلوثه بالذنوب والمعاصی والإرجاس التی لا تجر علیهم سوى الخزی والعار والسقوط من أعین الناس والحد من شخصیته لدیهم.

وبناءً على ما تقدّم فإنّ هناک أحد مصیرین رفیعین بانتظار الفرد الذی یعیش النقاء والعفّة فی حیاته، أنْ یقضى حیاته معززاً مکرماً لیحث السیر نحو رحمة الله ومغفرته وأجره وثوابه. أو أن یفیض الله علیه من نعم الدنیا فی هذه الحیاة الدنیا ویجمع له خیر الدارین.

القضیة المهمّة التی حظیت باهتمام شرّاح نهج البلاغة هى أنّ الإمام علی(علیه السلام)شبّه المؤمن الذی یتمتع بالغلبة والسعادة والفوز بلطف الله ورحمته المقامر الماهر الذی یفوز بالتضارب بالقداح، وهنا یطرح هذا السؤال نفسه: کیف یشبه الإمام(علیه السلام)المؤمنین الذین یعیشون الرضى والتسلیم تجاه رزق الله وقسمه بهذا الفرد المقامر الأثیم المقارف لهذه الکبیرة من الکبائر؟

یتّضح من التأمّل فی عبارات الإمام(علیه السلام) من قبیل «فوزة» و«قداح» و«مغنم» و«مغرم» أنّ الیاسر لیس المراد به القمار، بل أراد به نوعاً خاصاً من الاقتراع کانت تمارسه العرب، حیث کانوا یأتون بعشرة سهام لکل واحد منها اسم، ویشترون جملاً فیذبحوه ویقسّموه عشرة أقسام، ثم یجعلون السهام مع بعضها لیقوم من یثقون به باستخراجها واحداً واحداً، ثم یکون الفائز على أساس ترتیب السهام حسب أسمائها الأول والثانی إلى السابع والسهم الأول فیها یسمى «مُعَلّى» ـ والسهام الأخرى إذا خرجت باسم أحدهم فهو الذی یدفع قیمة الجمل، أمّا الفائزون فیعطون سهامهم للفقراء دون أن یأکلوا منها شیئاً، وکانوا یفتخرون بذلک العمل.(5)

طبعاً لایجوز هذا العمل شرعیاً، إلاّ أنّه لا یشتمل على معایب وفواجع القمار. فالإمام(علیه السلام)أراد أن المؤمنین من أهل الرضى والتسلیم یشبهون الأفراد الذین یفوزون بسهم المُعلّى فی ذلک الاقتراع، ووجه الشبه أنّه یفوز بأکبر نصیب دون أدنى عناء. والتعبیر بالقداح وأول فوزة والغنیمة والنجاة من الخسارة کلّها تناسب هذا المعنى; وهذا لیس متعارفاً فی القمار حیث لا یترک المقامر المقامرة لمجرد غلبه فی الوهلة الاولى، بل یواصل قماره حتّى لا تعرف النتیجة التی سیؤول إلیها. وبالطبع فإنّنا لا ننکر أنّ المفردة مفهوم واسع یشمل الاقتراع وألعاب الحظ، ولکن لابدّ من الالتفات إلى أنّ القمار بمعناه الحقیقی یختلف تماماً عن ذلک النوع من الاقتراع، ولا سیما أنّ القرآن قد عبر بـ «الألزلام» لا المیسر وإنْ ورد الذم علیهما معاً (إِنَّما الخَمْرُ وَالمَیْسِرُ وَالأَنْصابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ...).(6)


1. «غفیرة» من مادة «غفر» بمعنى الستر ومن هنا اطلقت المغفرة على ستر الذنوب کما تطلق على المال الکثیر لتغطیته جزءاً واسعاً من الحیاة، حتّى أنّه یستر العیوب أحیاناً، ولذلک یقال للکثرة والزیادة غفیرة.
2. «الفالج» من مادة «فلج»، قال صاحب مقاییس اللغة لها معنیان; الأول النصر والغلبة، والآخر المسافة بین شیئین. وفسّره صحاح اللغة بالظفر والفوز، وقد ورد هنا بهذا المعنى.
3. «الیاسر» من مادة «یسر» بمعنى السهولة، ومیسر ویسار حسب قول الراغب فی المفردات بمعنى الغنى والثروة. وأطلق على المقامر الذی یلعب بقداح المیسر وقد وردت فی العبارة بمعنى اللاعب بالقداح المحفوظ منها.
4. «قداح» جمع «قدح» على وزن فِعل بمعنى السهم. وهى فی الأصل بمعنى کسر الشیء وعیبه.
5. شرح نهج البلاغة، المحقق الخوئی، 3/ 319 (بتلخیص). وقد وردت إشارة مختصرة إلى هذا المطلب فی کتاب معارج نهج البلاغة وهو من أقدم شروح هذا الکتاب، معارج نهج البلاغة، ص 110.
6. سورة المائدة / 90.

 

نظرة إلى الخطبةالرضى والتسلیم إلى جانب السعی والعمل
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma