یعرض الإمام(علیه السلام) للّه بالحمد والثناء فی القسم الأول هذه الخطبة بعبارات جدیدة عظیمة المعانی وقد أشار إلى قضایا جدیدة فقال «الحمدللّه کلما وقب(1) لیل وغسق(2)، والحمدللّه کلما لاح(3) نجم وخفق»(4) فالعبارة تشیر إلى نقطتین: الاولى أنّ حمدنا وثنائنا دائمی باقی مادام اللیل والنهار متعاقبین دائمین، وهکذا هو مستمر إستمرار طلوع الکواکب وغروبها، النقطة الاُخرى هى أنّ ظلمة اللیل وطلوع الکواکب وغروبها من النعم الإلهیة الکبرى، فظلمة اللیل تهب الإنسان الهدوء والسکینة بعد تعب النهار وعناء العمل فیه، فطبیعة اللیل والظلمة تختزن الراحة والخلود إلى النوم ومن هنا کانت اللیالی الظلماء الخالیة من المصابیح تعد أفضل الأوقات للنوم; الأمر الذی أشارت إلیه الآیة 72 من سورة القصص (قُلْ أَرَأَیْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللّهُ عَلَیْکُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى یَوْمِ القِـیامَةِ مَنْ إِلـهٌ غَیْرُ اللّهِ یَأْتِـیکُمْ بِلَیْل تَسْکُنُونَ فِیهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ)وقال (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَکُمُ اللَّـیْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْکُنُوا فِـیهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَـلَّکُمْ تَشْکُرُونَ)(5) وقد ورد هذا المعنى فی عدة آیات قرآنیة، کما دلت الأیحاث العلمیة على أنّ الیقظة فی اللیل والنوم فی النهار یشکل خطراً جدیاً على صحة الإنسان، أمّا فائدة طلوع الکواکب وغروبها فلیست بخافیة على أحد وذلک لمعرفة الأوقات والاهتداء فی البحار والصحارى بواسطة هذه النجوم والکواکب (وَهُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُم النُّجومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِی ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالبَحْرِ)(6) وجاء فی القرآن أیضاً (وَبِالنَّجْمِ هُمْ یَهْتَدُونَ)(7). أمّا الروایات التی شبهت أهل البیت(علیهم السلام)بالنجوم فواضح من أنّهم وسیلة الهدایة فی الظلمات والمتاهات وعدم الانحراف عن الصراط المستقیم، ولعل إشارة الإمام علی(علیه السلام) إلى ظلمة اللیل وطلوع النجوم وغروبها من دون سائر النعم تهدف إلى بیان حقیقة وهى أنّ خروج أهل الشام على الإمام(علیه السلام) یمثل حلول عصر الظلمة التی لا یمکن النجاة منها إلاّ ببزوغ کوکب الولایة ثم خاض الإمام(علیه السلام)فی نوع آخر من النعم التی تستلزم الحمد، فقال «والحمدللّه غیر مفقود الانعام، ولا مکافإ الإفضال»(8) فالعبارة الاولى تعنی أنّ النعم الإلهیة غیر قابلة للاحصاء، أمّا الثانیة فهى تشیر إلى عجز العباد عن مکافئة هذه النعم وذلک لأنّه أولاً عنی عمن یکافئ نعمه، وثانیاً: أنّ القدرة على شکره وحمده بحد ذاتها نعمة اُخرى، لأنّ الشکر نعمة توجب المزید، فقد ورد فی مناجاة الشاکرین للإمام علی بن الحسین(علیه السلام): «فکیف لی بتحصیل الشکر؟ وشکری إیّاک یفتقر إلى شکر! فکلما قلت لک الحمد، وجب علی لذلک أن أقول لک الحمد» (9). ومن هنا فان أعظم شکرنا هو إذعاننا بالعجز عن الشکر. فقد ورد فی حدیث عن الصادق(علیه السلام)أنّ اللّه أوحى إلى موسى(علیه السلام)ان اشکرنی! فقال(علیه السلام)کیف أشکرک وشکری نعمة تحتاج إلى شکر. فجاءه الخطاب الآن أدیت شکری.(10)