عادة ما یحدث تعارض بین الحق والمصلحة لیکون أحدهما مقابل الآخر. وغالباً ما یمیل ساسة الدنیا فی هذه الحالة إلى المصلحة ویقدمونها على الحق. والتأریخ ملیىء بنماذج هذا التعارض وما أکثره فی عصرنا الراهن حیث نشاهده کل یوم ـ أما أولیاء الله والقادة الربانیین فهم لا یترددون فی إیثار الحق. وفی مقدمتهم أمیرالمؤمنین علی(علیه السلام) الذی سلک الحق مع أعدائه فضلا عن أصحابه فقد قیل بأن العدل فی تقسیم بیت المال حقاً لکنه لا یتفق مع المصلحة ولابد من تقدیم الأشراف والأثریاء على غیرهم فی مقابل الحد من سهم الضعفاء، بینما کان الإمام(علیه السلام) لا یتهاون فی إجراء العدل وإن شقّ على صحبه وإنفرجوا عنه وإلتحقوا بعدوه، ولعلنا نلمس ذلک فی هذه الخطبة وسائر خطب نهج البلاغة. ولعل أغلب هذه المشاکل لم تکن لتظهر على السطح لو تسلم الإمام(علیه السلام) ذمام الأمور بعد رحیل رسول الله(صلى الله علیه وآله) کما أمر الله ورسوله بذلک، إلا أن قضیة التمییز فی العطاء قد ظهرت على عهد الخلفاء وبلغت ذروتها على عهد عثمان الذی کان ینفق المال على بطانته وقرابته دون حساب، حتى طبعوا على هذه الإمتیازات فصعب إعادتهم إلى الحق وجادة الصواب. أضف إلى ذلک فإن إزدیاد حجم الغنائم وکثرة أموال بیت المال هى الأخرى کانت سبباً لأن یضحی البعض کطلحة والزبیر ـ وهما من السابقین إلى الإسلام وصحابة رسول الله(صلى الله علیه وآله) ـ بالحق من أجل مصالحهم الشخصیة، ومن هنا تعقدت المشاکل التی إعترضت حکومة الإمام(علیه السلام) ـ إلا أن أمیرالمؤمنین(علیه السلام) ورغم علمه بظهور ما لا یحصى من المشاکل إن هو آشر الحق على المصلحة، لکنه لم یتخل عن سیاسته المعهودة لعلمه بأن الهزیمة والخذلان تکمنان فی إیثار المصلحة على الحق، ناهیک عن کون نفس هذا الإیثار یعنی تعطیل أحد القیم الإسلامیة، فی حین إحیاؤها ونقلها للأجیال المستقبلیة یفوق أهمیة تحقیق بعض الإنتصارات الوقتیة ولعل هذا الأمر یشکل ردا على أکثر الأسئلة التی تطرح بشأن حکومة علی(علیه السلام) ـ وهذا ما سنتحدث عنه فی حینه فی الأبحاث القادمة إن شاء الله.